آيات من القرآن الكريم

وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ
ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ

وفي الآية محذوفٌ، لأن المعنى: (فقد رأيتموه، وأنتم تنظرون، فَلِمَ انهزمتم)؟ وهذا موضعُ العِتَاب. وهو قول ابن عباس (١).
١٤٤ - وقوله (٢) تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ﴾ الآية.
قال أهل التفسير (٣): لَمَّا نُعِيَ رَسُولُ الله - ﷺ - يومَ أُحُد، وأُشِيعَ أنه قد قُتِل، قال بعضُ المسلمين: لَيْتَ لَنَا رَسُولًا إلى عبد الله بن أُبَيّ، فيأخذ لنا أَمَانًا مِنْ أَبِي سُفْيان!
وقال أناسٌ مِنْ أهل النِّفَاق: إنْ كان محمدٌ قد قُتِلَ، فالْحَقُوا بدينكم (٤) الأَوَّل؛ فأنزلَ الله هذه الآية (٥).
و (مُحَمَد) (٦) هو المُسْتَغْرِقُ لجميع المَحَامِدِ؛ لأن الحَمْدَ لا يَسْتَوْجِبُهُ إلَّا الكامِلُ. و (التَحْمِيد) فوق (٧) (الحَمْدِ) (٨)، فلا يستحقه إلا المستولي على

(١) لم أقف على مصدر قوله.
(٢) في (ج): (قوله) -بدون واو-.
(٣) ممن قال بذلك: السدِّي، وقد ورد معناه عن ابن عباس، من رواية عطية العوفي. انظر: "تفسير الطبري" ٤/ ١١٣، و"تاريخ الطبري" ٢/ ٥٢٠، و"تفسير ابن أبي حاتم" ٣/ ٧٧٧، و"أسباب النزول" للواحدي ١٢٩.
(٤) في (ج): (لدينكم).
(٥) ورد ذلك عن الضحاك، وابن جريج. انظر: "تفسير الطبري" ٤/ ١١٣، ١١٤، و"تفسير الثعلبي" ٣/ ١٢٥ ب.
(٦) من قوله: (ومحمد) إلى (في الكمال): نقله بنصه عن "تفسير الثعلبي" ٣/ ١٢٦ أ.
(٧) في "تفسير الثعلبي" (قول). وما أثبتهُ موجود -كذلك- في "تفسير البغوي" ٢/ ١١٥ حيث نقل هذا النص.
(٨) لأن التحميد أبلغ من الحمد؛ يقال: (فلان محمود: إذا حُمِدَ، ومُحَمَّد: إذا كثرت خصاله المحمودة). انظر: "مفردات ألفاظ القرآن" ٢٥٦ (حمد).
قال ابن فارس: (فإذا بلغ النهاية في ذلك، وتكاملت فيه المحاسِنُ والمناقِبُ، =

صفحة رقم 37

الأَمَدِ (١) في الكمال.
و (الرَّسُول) -قال ابن الأنباري، فيما حكى عنه الأزهري- (٢): معناه في اللغة: الذي يُتَابع أخبار مَنْ (٣) بَعَثَهُ (٤)؛ أُخِذَ مِنْ قولهم: (جاءت (٥) الإِبِلُ رَسَلًا) (٦)؛ أي: متتابعة (٧).
فمعنى (٨): ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ﴾ أي: إلَّا مُتَابع للأخبار عن الله.
وقال الأخفش (٩): (الرسول): هو (١٠) الرِّسَالة، وهو اسمٌ مِنْ (أَرْسَلْتُ) (١١).

= فهو (محمد).. وهذا البناء أبدًا يدل على الكثرة، وبلوغ النهاية.. وكذلك بناء اسم محمد - ﷺ -، دليل على كثرة المحامد وبلوغ النهاية في الحمد..). "أسماء رسول الله - ﷺ - ومعانيها" ٣٠.
(١) في "تفسير الثعلبي": على الأمة وفي "تفسير البغوي": على الأمر.
(٢) في "التهذيب" ٢/ ١٤٠٧ (رسل)، وقول ابن الأنباري في كتابه "الزاهر" ١/ ١٢٧.
(٣) في " التهذيب"، و"الزاهر" الذي.
(٤) (بعثه): مطموس في (ج).
(٥) في "الزاهر" قد جاءت.
(٦) في (ج): (رحلا).
(٧) الرَّسَلُ: القطيع من كل شيء، أو هو: القطيع من الإبل والغنم، وقيل: قطيع من الإبل، قدر عشر، يُرسل بعد قطيع، وقيل: ما بين عشر إلى خمس وعشرين. والجمع: أرسال. فإذا أوْرَدَ الرجل إبِلَهُ متقطعةً، قيل: أوردها أرسالًا. انظر: "اللسان" ٣/ ١٦٤٣ (رسل).
(٨) من قوله: (فمعنى..) إلى (.. الرسول هو): ساقط من (ج).
(٩) لم أهتد إلى قوله في كتابه "المعاني"، وهو في "تهذيب اللغة" ٢/ ١٤٠٧ (رسل).
(١٠) في (ب): (من) بدلا من: (هو)، وساقطة من (ج).
(١١) وممن فسره بذلك: يونس بن حبيب البصري، وأبو عبيدة، والزجاج. فقالوا عن قوله تعالى: ﴿إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الشعراء: ١٦]: إنه في معنى الرسالة؛ كأنه =

صفحة رقم 38

وقال أبو علي (١): (الرسول)، جاء على ضربين: أحدهما: يراد به المُرْسَلُ، والآخر: الرِّسَالة.
وقوله تعالى: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ﴾، يريد: المُرْسَل. يُقَوِّي ذلك قوله: ﴿إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [يس: ٣]. ومثل (٢) هذا في (فعُول)، يراد به (المفعول): (الرَّكُوب)، و (الحَلُوُب): لِمَا يُحْلَبُ، ويُرْكَبُ (٣).
والرسول بمعنى الرسالة كقوله:

لَقَدَ كَذَبَ الواشُوُنَ مَا (٤) بُحْتُ عِنْدَهُمْ بِسِرٍّ وَلاَ أَرْسَلْتُهُمْ بِرَسُولِ (٥)
أي: برسالة. ومِنْ هذا قولُهُ تعالى: ﴿أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ﴾ [مريم: ١٩] (٦).
= قال: إنا رِسَالة رَبِّ العالمين.
انظر: "مجاز القرآن" ٢/ ٨٤، و"معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٨٥، و"الزاهر" ١/ ١٢٨.
(١) لم أقف على مصدر قوله.
(٢) في (ج): (وقيل).
(٣) في (ج): (لما يركب ويحلب).
(٤) في (ب): (بما).
(٥) البيت لكثير عَزَّة. وهو في "ديوانه" ١١٠. وورد منسوبًا له في "مجاز القرآن" ٢/ ٨٤، و"الصحاح" ١٧٠٩ (رسل)، و"اللسان" ٣/ ١٦٤٥ (رسل).
وورد غير منسوب في: "معاني القرآن"، للزجاج ٢/ ٨٥، و"الزاهر" ١/ ١٢٥، و"تهذيب اللغة" ٢/ ١٤٠٧، و"المسائل العضديات" ٣٦، و"البيان" للأنباري ٢/ ٢٠٦، ٢١٢، و"اللسان" ٣/ ١٦٤٤، و"تخليص الشواهد" لابن هشام ١٧٦، و"المقاصد النحوية" ١/ ٥٠٦، و"خزانة الأدب" ١٠/ ٢٧٨.
وقد وردت روايته في بعض المصادر: (ما فُهْتُ) بدلًا من: (ما بُحت)، وفي بعضها: (بسوء)، وفي أخرىَ: (بِلَيْلَى)، بدلًا من: (بِسِرٍّ).
(٦) في (ج): ﴿إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ﴾ [طه: ٤٧]. وكذا وردت في تفسير الفخر الرازي ٩/ ٢٢، حيث نقل هذا النص.

صفحة رقم 39

وسنذكره (١) في موضعه إن شاء الله.
وقوله تعالى: ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ معناه: أنه يموت كما ماتت الرُّسُلُ قَبْلَهُ. وقوله تعالى: ﴿أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ﴾ ألِفُ (٢) الاستفهام دخلت على حرف الشرط؛ ومعناها: الدخول على الجزاء. المعنى: (أتنقلبون على أعقابكم؛ إن مات محمَّدٌ (٣) أو قُتِلَ)، إلّا أنَّ الشرط والجزاء مُعَلَّقٌ أحدُهُما بالآخَرِ، فانعقدا جملةً واحدةً، وخَبَرًا واحدًا؛ فدخلت أَلِفُ الاستفهام على الشرط، وأَنْبَأَت عن معنى الدخول على الجزاء؛ كما أنك إذا قلت: (هل زيدٌ قائمٌ؟)؛ فإنما تستفهم عن قيامِهِ، إلّا أنك أَدْخَلْتَ (هَلْ) على الاسم؛ لِيُعْلَمَ الذي استفهمتَ عن قيامه، مَنْ هُوَ؟ وكذلك قولك (٤): (ما زيدٌ قائما)، إنما نَفَيْتَ القيامَ، ولم تَنْفِ زيدًا، ولكنك أدخلت (ما) على (زيد)؛ ليُعْلَمَ مَن الذي نُفِيَ عنه القيامُ. يوضح هذا: أن هذا الاستفهام للإنكار، ولم ينكر عليهم الموت، وإنما أنكر عليهم الانقلاب.
وقوله تعالى: ﴿انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ أي: ارْتدَدْتُم كُفَّارًا بعد إيمانكم؛ وذلك؛ لأن الرجوع عن الحق إلى الباطل، بمنزلة رجوع القَهْقَرَى (٥)، في القُبْح والتنكيل بالنفس.

(١) في (أ): (سنذكر). والمثبت من (ب)، (ج).
(٢) من قوله: (ألف..) إلى (.. نفي عنه القيام): نقله -بتصرف- عن "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٤٧٤. وانظر: "الصاحبي" ٢٩٥ - ٢٩٦.
(٣) في (أ): (محمدً). وفي (ج): (محمدا). والمثبت من (ب)، وهو الصواب.
(٤) في (ج): (قول).
(٥) القَهقَرَىَ: الرجوع إلى خَلْفٍ. والفعل: (قهْقَرَ)، و (تَقَهْقَرَ): إذا رجع على عقبيه. انظر: (قهر) في: "اللسان" ٦/ ٣٧٤٦، و"القاموس" ٤٦٧.

صفحة رقم 40
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية