آيات من القرآن الكريم

وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﱿ ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦ

عَلَيْنَا عِيَاضٌ أَنْ نُعْطِيَ عَنْ كُلِّ ذِي رَأْسٍ عَشَرَةً، قَالَ: وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَنْ يُرَاهِنُنِي؟ فَقَالَ شَابٌّ: أَنَا إِنْ لَمْ تَغْضَبْ قَالَ: فَسَبَقَهُ فَرَأَيْتُ عَقِيصَتَيْ أَبِي عُبَيْدَةَ تَنْقُزَانِ «١» وَهُوَ خَلْفَهُ عَلَى فَرَسٍ عُرْيٍ، وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ بُنْدَارٍ عَنْ غُنْدَرٍ بِنَحْوِهِ، وَاخْتَارَهُ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيُّ فِي كِتَابِهِ، وَبَدْرٌ: مَحَلَّةٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ تُعْرَفُ بِبِئْرِهَا، مَنْسُوبَةٌ إِلَى رَجُلٍ حَفَرَهَا، يُقَالُ لَهُ: بَدْرُ بْنُ النَّارَيْنِ، قَالَ الشَّعْبِيُّ: بَدْرٌ بِئْرٌ لِرَجُلٍ يُسَمَّى بَدْرًا، وَقَوْلُهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أَيْ تَقُومُونَ بطاعته.
[سورة آل عمران (٣) : الآيات ١٢٤ الى ١٢٩]
إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ (١٢٤) بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (١٢٥) وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١٢٦) لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ (١٢٧) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ (١٢٨)
وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢٩)
اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي هَذَا الْوَعْدِ، هَلْ كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ أَوْ يَوْمَ أُحُدٍ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ [أَحَدُهُمَا] أَنَّ قَوْلَهُ: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ [آل عمران: ١٢٣] وَرُوِيَ هَذَا عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَامِرٍ الشَّعْبِيِّ وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ وَغَيْرِهِمْ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ «٢».
قَالَ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ قَالَ: هَذَا يَوْمُ بَدْرٍ، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حدثنا دَاوُدَ عَنْ عَامِرٍ يَعْنِي الشَّعْبِيَّ: أَنَّ الْمُسْلِمِينَ بَلَغَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ أَنَّ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ يُمِدُّ الْمُشْرِكِينَ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ- إِلَى قَوْلِهِ- مُسَوِّمِينَ قَالَ: فَبَلَغَتْ كُرْزًا الْهَزِيمَةُ، فَلَمْ يُمِدَّ الْمُشْرِكِينَ، وَلَمْ يُمِدَّ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ بِالْخَمْسَةِ، وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ: أَمَدَّ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ بِأَلْفٍ، ثُمَّ صَارُوا ثَلَاثَةَ آلَافٍ، ثُمَّ صَارُوا خَمْسَةَ آلَافٍ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي قِصَّةِ بَدْرٍ: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ- إلى قوله- إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الْأَنْفَالِ: ٩] ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْأَلْفِ- هَاهُنَا- لَا يُنَافِي الثَّلَاثَةَ الْآلَافَ فَمَا فَوْقَهَا، لِقَوْلِهِ: مُرْدِفِينَ بِمَعْنَى يَرْدَفُهُمْ غَيْرُهُمْ وَيَتْبَعُهُمْ أُلُوفٌ أُخَرُ مِثْلُهُمْ. وَهَذَا السِّيَاقُ شَبِيهٌ بِهَذَا السِّيَاقِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ. فَالظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ كَمَا هو المعروف من أن قتال

(١) العقيصة: الشعر المضفور. وتنقزان: ترتعشان بشدة.
(٢) تفسير الطبري ٣/ ٤٢١، ٤٢٢.

صفحة رقم 97

الْمَلَائِكَةِ إِنَّمَا كَانَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ: أمد الله المسلمين يَوْمَ بَدْرٍ بِخَمْسَةِ آلَافٍ.
الْقَوْلُ الثَّانِي- أَنَّ هَذَا الْوَعْدَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ [آل عمران: ١٢١] وَذَلِكَ يَوْمُ أُحُدٍ وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَالضَّحَّاكِ وَالزُّهْرِيِّ وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ وَغَيْرِهِمْ. لَكِنْ قَالُوا: لَمْ يَحْصُلِ الْإِمْدَادُ بِالْخَمْسَةِ الْآلَافِ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ فَرُّوا يَوْمَئِذٍ، زَادَ عِكْرِمَةُ: وَلَا بِالثَّلَاثَةِ الآلاف لقوله تعالى: بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَلَمْ يَصْبِرُوا بَلْ فَرُّوا فَلَمْ يُمَدُّوا بِمَلَكٍ وَاحِدٍ.
وَقَوْلُهُ: بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا يعني: تصبروا على عدوكم، وتتقوني وتطيعوا أمري.
وقوله تعالى: وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ وَالسُّدِّيُّ: أَيْ مِنْ وَجْهِهِمْ هَذَا، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَأَبُو صَالِحٍ: أَيْ مِنْ غَضَبِهِمْ هَذَا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: مِنْ غَضَبِهِمْ وَوَجْهِهِمْ. وَقَالَ الْعَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مِنْ سَفَرِهِمْ هَذَا، ويقال: من غضبهم هذا.
وقوله تعالى: يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ أَيْ مُعَلَّمِينَ بِالسِّيمَا، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ عَنْ حَارِثَةَ بْنِ مُضَرِّبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
كَانَ سِيمَا الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ الصُّوفَ الْأَبْيَضَ، وَكَانَ سيماهم أيضا في نواصي خيولهم، رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُسَوِّمِينَ قَالَ: بِالْعِهْنِ الْأَحْمَرِ، وقال مجاهد: مُسَوِّمِينَ أي محذفة أَعْرَافُهَا، مُعَلَّمَةٌ نَوَاصِيهَا بِالصُّوفِ الْأَبْيَضِ فِي أَذْنَابِ الخيل. وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:
أَتَتِ الْمَلَائِكَةُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُسَوِّمِينَ بِالصُّوفِ، فَسَوَّمَ مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَنْفُسَهُمْ وَخَيْلَهُمْ على سيماهم بالصوف. وقال قتادة وعكرمة مُسَوِّمِينَ أَيْ بِسِيمَا الْقِتَالِ، وَقَالَ مَكْحُولٌ: مُسَوِّمِينَ بِالْعَمَائِمِ. وَرَوَى ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْقُدُّوسِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ: مُسَوِّمِينَ قَالَ «مُعَلَّمِينَ». وَكَانَ سِيمَا الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بدر عمائم سود، ويوم حنين عمائم حمر. وَرُوِيَ مِنْ حَدِيثِ حُصَيْنِ بْنِ مُخَارِقٍ عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَمْ تُقَاتِلِ الْمَلَائِكَةُ إِلَّا يَوْمَ بَدْرٍ. وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مَنْ لَا أَتَّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كان سيما الملائكة يوم بدر، عمائم بيض قَدْ أَرْسَلُوهَا فِي ظُهُورِهِمْ، وَيَوْمَ حُنَيْنٍ عَمَائِمَ حمر. وَلَمْ تَضْرِبِ الْمَلَائِكَةُ فِي يَوْمٍ سِوَى يَوْمِ بَدْرٍ، وَكَانُوا يَكُونُونَ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْأَيَّامِ عَدَدًا وَمَدَدًا لَا يَضْرِبُونَ «١»، ثُمَّ رَوَاهُ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فذكر نحوه.

(١) انظر سيرة ابن هشام ١/ ٦٤٣.

صفحة رقم 98

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا الْأَحْمَسِيُّ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ يَحْيَى بن عباد أن الزبير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، كَانَ عَلَيْهِ يَوْمَ بَدْرٍ عِمَامَةٌ صَفْرَاءُ مُعْتَجِرًا بِهَا، فَنَزَلَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَيْهِمْ عَمَائِمُ صُفْرٌ، رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الله بن الزبير، فذكره.
وقوله تعالى: وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ أَيْ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ وأعلمكم بإنزالهم إِلَّا بِشَارَةً لَكُمْ وَتَطْيِيبًا لِقُلُوبِكُمْ وَتَطْمِينًا، وَإِلَّا فَإِنَّمَا النَّصْرُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الَّذِي لَوْ شَاءَ لَانْتَصَرَ مِنْ أَعْدَائِهِ بِدُونِكُمْ، وَمِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى قِتَالِكُمْ لَهُمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ أَمْرِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْقِتَالِ ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ [مُحَمَّدٍ: ٤- ٦] وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ أَيْ هُوَ ذُو الْعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ، وَالْحِكْمَةِ فِي قَدَرِهِ وَالْإِحْكَامِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَيْ أَمَرَكُمْ بِالْجِهَادِ وَالْجِلَادِ لِمَا لَهُ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحِكْمَةِ فِي كُلِّ تَقْدِيرٍ، وَلِهَذَا ذَكَرَ جَمِيعَ الْأَقْسَامِ الْمُمْكِنَةِ فِي الْكُفَّارِ الْمُجَاهِدِينَ، فَقَالَ:
لِيَقْطَعَ طَرَفاً أَيْ لِيُهْلِكَ أُمَّةً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ أَيْ يُخْزِيَهُمْ ويردهم يغيظهم لَمَّا لَمْ يَنَالُوا مِنْكُمْ مَا أَرَادُوا. وَلِهَذَا قَالَ: أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا أَيْ يَرْجِعُوا خائِبِينَ أَيْ لَمْ يَحْصُلُوا عَلَى مَا أَمَّلُوا. ثُمَّ اعْتَرَضَ بِجُمْلَةٍ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْحُكْمَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فقال تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَيْ بَلِ الأمر كله إليّ، كما قال تعالى: فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ [الرَّعْدِ: ٤٠] وَقَالَ لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [الْبَقَرَةِ: ٢٧٢] وَقَالَ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [الْقِصَصِ: ٥٦].
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَيْ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْحُكْمِ شَيْءٌ فِي عِبَادِي إِلَّا مَا أَمَرْتُكَ بِهِ فِيهِمْ.
ثُمَّ ذَكَرَ تَعَالَى بَقِيَّةَ الْأَقْسَامِ، فَقَالَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَيْ مِمَّا هم فيه من الكفر فيهديهم بَعْدَ الضَّلَالَةِ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ أَيْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ عَلَى كُفْرِهِمْ وَذُنُوبِهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ أَيْ يَسْتَحِقُّونَ ذَلِكَ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «١» : حَدَّثَنَا حبان بن موسى، أنبأنا عبد الله، أنبأنا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْفَجْرِ «اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا» بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ

(١) صحيح البخاري (تفسير سورة آل عمران باب ٩).

صفحة رقم 99

تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ الآية وَهَكَذَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، كِلَاهُمَا عَنْ مَعْمَرٍ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ «١» حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ- قَالَ أَحْمَدُ: وَهُوَ عَبْدُ الله بن عقيل صالح الحديث ثقة- حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَمْزَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «اللَّهُمَّ الْعَنْ فَلَانَا، اللَّهُمَّ الْعَنِ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ، اللَّهُمَّ الْعَنْ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو، اللَّهُمَّ الْعَنْ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ» فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظالِمُونَ فَتِيبَ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ.
وَقَالَ أَحْمَدُ «٢» : حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الْغَلَابِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَدْعُو عَلَى أَرْبَعَةٍ، قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ إلى آخر الآية، قَالَ: وَهَدَاهُمُ اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَجْلَانَ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كان رسول الله يَدْعُو عَلَى رِجَالٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ، حتى أنزل اللَّهُ تَعَالَى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ الْآيَةَ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «٣» أَيْضًا: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ، أَوْ يَدْعُوَ لِأَحَدٍ، قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ وَرُبَّمَا قَالَ: إِذَا قَالَ «سَمِعَ اللَّهُ لمن حمده، ربنا لك الْحَمْدُ: اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ «٤»، اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ» يَجْهَرُ بِذَلِكَ. وَكَانَ يَقُولُ فِي بَعْضِ صَلَاتِهِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ «اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا» لِأَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ الْآيَةَ.
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «٥» : قَالَ حُمَيْدٌ وَثَابِتٌ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: شُجَّ النبي ﷺ يوم أحد، فَقَالَ «كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ؟» فَنَزَلَتْ لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ وَقَدْ أَسْنَدَ هذا الحديث الذي علقه البخاري في صحيحه، فقال الْبُخَارِيُّ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عبد الله السلمي، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أنه سمع

(١) مسند أحمد ٢/ ٩٣.
(٢) مسند أحمد ٢/ ١٠٤.
(٣) صحيح البخاري (تفسير سورة آل عمران باب ٩). [.....]
(٤) قوله: «والمستضعفين من المؤمنين» غير موجود في البخاري.
(٥) صحيح البخاري (مغازي باب ٢٢).

صفحة رقم 100
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
محمد حسين شمس الدين
الناشر
دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت
الطبعة
الأولى - 1419 ه
عدد الأجزاء
1
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية