آيات من القرآن الكريم

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ
ﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃ ﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞ ﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵ

وضعف دينهم وعدم مبالاتهم في الزور والعياذ بالله، ولذلك قال الفقهاء: من شهد قبل أن يستشهد لا تقبل شهادته، أي لما فيها من التهمة بسبب تسابقه عليها، أما إذا كان لديه شهادة لصاحب حق لا يعرفه كقاصر أو غائب فعليه أن يخبر صاحب الحق بذلك ليشهد له عند الاقتضاء، وهذا لا يدخل في الحديثين المارين، بل هو مأجور لما فيه من إظهار الحق، راجع الآية ٢٨٢ من سورة البقرة المارة. ورويا عن أبي سعيد الخدري، قال: قال صلّى الله عليه وسلم لا تسبّوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل جبل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه.
هذا ولما عمد اليهود إلى ضر المؤمنين وصاروا يتداولون في إساءتهم ووقع في قلوب المؤمنين شيء من الرهب لما يعلمون من كيدهم ومكرهم أنزل الله تطمينا لهم قوله جل وعلا «لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً» هو ما يقع من بذاءة لسانهم من الشتم والتهديد والطعن في الدين «وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ» لا يقدرون عليكم، لأن الله ألقى الرعب في قلوبهم منكم، ولذلك فإنهم إذا أقدموا على قتالكم «يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ» يهربون أمامكم خوفا منكم ويخذلون بنصرة الله لكم «ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ» (١١١) عليكم أبدا، وذلك لأنهم «ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ» من الله فصاروا يتوقعون القتل والسبي والجلاء، ووقع عليهم الصغار والهوان بضرب الجزية عليهم «أَيْنَما ثُقِفُوا» وجدوا وقبضوا ولم يأمنوا منكم «إِلَّا بِحَبْلٍ» عهد وذمة وأمان «مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ» أمان وذمة «مِنَ النَّاسِ» أي المؤمنين «وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ» استوجبوه بسوء فعلهم ورجعوا به وأملوا أنفسهم فيه «وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ» خوف الفقر مع اليسار وخوف الفزع مع الأمن «ذلِكَ» الغضب والذلة والمسكنة «بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ» الكفر والقتل «بِما عَصَوْا» الله وخالفوا أمره وتعاليم رسله وجحدوا كتابه «وَكانُوا يَعْتَدُونَ» (١١٢) على أنفسهم وعلى غيرهم ويتجاوزون حدود ربهم. واعلم أنه لا يوجد في القرآن غير ست آيات مبدوءة بحرف الضاد هذه والآية ١٠ من سورة التحريم الآتية والآية ٧٥ من سورة النحل و ٢٧ من سورة الروم و ٢٩ من سورة الزمر و ٢٧ من سورة النازعات

صفحة رقم 386

المارات في ج ٢. أخرج الإمام أحمد والنسائي وابن جرير والطبراني بسند حسن واللفظ للأخيرين عن ابن مسعود قال: أخر رسول الله صلّى الله عليه وسلم ليلة صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة فقال إنه لا يصلي هذه الصلاة أحد من أهل الكتاب فأنزل الله «لَيْسُوا سَواءً» أي ليس المؤمنون الذين يصلونها مثل غيرهم ممن لم يصلها ثم ذكر ما يزيل إيهام تساويهم بقوله «مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ» على طاعة الله «يَتْلُونَ آياتِ اللَّهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ» (١١٣) لهيبة الله ويقرءون في صلاتهم وهم قيام خاشعين لربهم، وهذا لأن التلاوة لا تكون عادة في السجود بل في الصلاة حالة القيام، لأن الركوع والسجود فيهما التسبيح فقط، وإنما أطلق السجود على الصلاة كما ذكرنا في تأويل الآية لأنه أقرب حالات المصلي إلى ربه، فيكون من هذه الجهة معظم الصلاة مكنى به عنها، وهذه الطائفة «يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ» الذين هذه صفتهم «مِنَ الصَّالِحِينَ» (١١٤) لقرب الله وجنته، فلا يتساوون مع أمة مذمومة عاصية لربها لا تؤمن ولا تسارع للخير بل بقيت على ضلالها راجع الآية ١٥٦ من سورة الأعراف ج ١ والآية ١١١ من البقرة المارة وما ترشدك إليه من الآيات، وهؤلاء هم الذين سبق ذكرهم بالآية الأولى ولم يذكرها الله ثانيا اكتفاء بذكرها أولا، وهذا مما هو جار على عادة العرب فانهم يستغنون بذكر أحد الضدين عن الآخر قال أبو ذؤيب:

دعاني إليها القلب إني امرؤ لها مطيع فلا أدري أرشد طلابها
أي أو ضلال اكتفاء بذكر الضد أولا، ومثله في القرآن كثير، راجع الآية ٨١ من سورة النحل في ج ٢. ومما يدل على أن سبب نزول هذه الآية ما ذكر في الحديث وإن المعنى لا يستوي اليهود المذكورون بالآية التي قبلها وأمة محمد المقصودون في هذه الآية، مارواه الطبري بسند صحيح عن المنكدر أنه قال:
خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلم ذات ليلة وأنه أخر صلاة العشاء حتى ذهب من الليل هنيهة أو ساعة والناس ينتظرون في المسجد، فقال: أما انكم لن تزالوا في صلاة

صفحة رقم 387

ما انتظرتموها، ثم قال أما إنها صلاة لم يصلها أحد ممن كان قبلكم من الأمم.
وما نقل عن ابن عباس أنها نزلت حينما أسلم عبد الله بن سلام وثعلبة وأمية بن شعبة وأسيد بن عبد وغيرهم، وإن اليهود قالوا لو لم يكونوا أشرارنا لما تركوا دينهم لا يصح لأن عبد الله بن سلام لم يسلم بعد كما أشرنا إلى ذلك آنفا في الآية ١١٠ وفي الآية ٢٠ من سورة الأحقاف ج ٢. قال ابن عباس ولما قال اليهود إن الذين أسلموا خسروا أعمالهم الصالحة وأموالهم لا لتجائهم إلى المؤمنين الفقراء، ردّ الله عليهم بقوله «وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ» ولم يحرموا ثوابه البتة بل يحفظ لهم تقواهم «وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ» (١١٥) قبل إيمانهم وبعده.
قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ» (١١٦) أبدا.
هذه الآية عامة في جميع أنواع الكافرين، وما قيل إنها خاصة باليهود قيل لا يلتفت إليه، ونظيرها الآية ١٠ المارة إلا أن خاتمتها تختلف عن هذه، ثم أنزل الله في بيان صدقات الكفار على الإطلاق أيضا في قوله عن قولهَ ثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا»
من جميع أصناف النفقات معدوم من الثواب عند الله لأنه للرياء والسمعة والتفاخر، ولهذا جعل الله مثلهَ مَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ»
برد شديد أو حر مزيدَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ»
بمعاصي الله وتجاوز حدودهَ أَهْلَكَتْهُ»
جزاء ظلمهمَ ما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ»
بمحق ثوابهم منهاَ لكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ»
(١١٧) لأنهم لم يبتغوا بها وجه الله في الدنيا فلم ينتفعوا بها في الآخرة، وهكذا كل نفقة ينفقها الرجل مؤمنا كان أو كافرا إذا لم يطلب بها مرضاة الله تكون عاقبتها الحرمان، بل قد يعذب من أجلها إذا كان في معصية أو لمعصية «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً» أخصاء وأصفياء ولجاء «مِنْ دُونِكُمْ» من غير ملتكم وممن لا تعتمدون عليهم منكم أيضا، لأنهم ليسوا منكم إذا لم يكونوا مثلكم لأنهم «لا يَأْلُونَكُمْ» لا يقصرون فيما يعود عليكم بالشرّ والخذلان «خَبالًا» خسارا بنقص عقولكم «وَدُّوا» تمنوا ورجوا «ما عَنِتُّمْ» ما يوقعكم بالإثم والمشقة، أما ترونهم أيها

صفحة رقم 388

المؤمنون «قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ» بشتمكم والطعن في دينكم «وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ» بغضا لكم مما يظهرونه لكم «قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ» الدالة على صنعكم من موالاتهم والأضرار المرتبة عليها، فاحذروا موالاتهم «إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ» (١١٨) مغزى هذا النهي، راجع الآية ٤٨ المارة ويتأكد هذا النهي في الحروب، لأن المؤمنين إذا اتخذوا فيها عمداء من غيرهم لا بدّ وان يعود عليهم اتخاذهم بالشر، لأن قضايا الحرب هامة جدا فلا يسوغ الاعتماد بها إلا على خلصاء الأمة، ولا يجوز الإدلاء بشيء مما يتعلق به إلا لمن يعتمد عليه منهم أنفسهم، وما تقوضت حكومة العباسيين ومن بعدهم إلا لهذا السبب، وخاصة الأندلس والأتراك أيضا.
مطلب حقد اليهود والمنافقين ورؤية حضرة الرسول وقصة أحد وما وقع فيها:
لهذا فإن هتلر زعيم الريح أخرج اليهود كافة من بلاده لما تحقق لديه أنهم هم السبب في انكسار الألمان في الحرب الواقعة سنة ٩١٤ م وقد يوجد منهم الآن وزراء في حكومتي انكلترا وأميركا ولا بد أن ينالهما الضرر منهم فيسببون تبديد ممالكهم إذا هم لم يوافقوهم على آرائهم من إنشاء دولة لهم حسبما وعدهم بلفور الظالم الغاشم لأن مقتضى دينهم المتمسكين به عدم النصح لعير اليهود واستحلال دم ومال غيرهم وتحريم النفع لغيرهم وهم أكبر عدو للنصارى عامة وللمؤمنين خاصة فإذا لم تنتبه هاتان الحكومتان إلى مكايدهم ودسائسهم فسوف يندمون ولات حين مندم هذا وتشير هذه الآية إلى رجوع عبد الله بن أبي بن سلول بجماعته وانخذالهم عن جماعة المسلمين في غزوة أحد الآتي بيانها، قال تعالى «ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ» وتفشون إليهم أسراركم وتتخذونهم أولياء وهم لا يخلصون إليكم «وَلا يُحِبُّونَكُمْ» ولا يقابلونكم بمثل ما تقابلونهم بل يتربصون بكم الدوائر ويظهرون لكم المحبة مداهنة لتطلعوهم على خفايا أموركم «وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ» بجميع ما أنزل الله من الكتب لأن أل فيه للجنس فيدخل فيه عامة الكتب والصحف السماوية وهم لا يؤمنون إلا بقسم من التوراة «وَإِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنَّا» نفاقا منهم إذ

صفحة رقم 389
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية