آيات من القرآن الكريم

كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۚ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ
ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲ

قلوبنا مائلة إلى الباطل بعد أن تجعلها مائلة إلى الحق وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً أي نور الإيمان والتوحيد والمعرفة في القلب، ونور الطاعة والعبودية والخدمة في الأعضاء، وسهولة أسباب المعيشة من الأمن والصحة والكفاية في الدنيا، وسهولة سكرات الموت عند الموت، وسهولة السؤال والظلمة في القبر وغفران السيئات وترجيح الحسنات في القيامة. إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨) لكل مطلوب فإن هذا الذي طلبته منك في هذا الدعاء عظيم بالنسبة إليّ لكنه حقير بالنسبة إلى كمال كرمك وغاية جودك ورحمتك.
وكان صلّى الله عليه وسلّم يقول: «يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على دينك»
«١». رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ أي يا ربنا إنك تجمع الناس للجزاء في يوم لا شك في وقوعه فجازنا فيه أحسن الجزاء إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (٩) أي الوعد وهذا من بقية كلام الراسخين في العلم، وذلك لأنهم لما طلبوا من ربهم أن يصونهم عن الزيغ وأن يخصهم بالهداية وأنواع الرحمة فكأنهم قالوا: ليس غرضنا من هذا السؤال ما يتعلق بمصالح الدنيا فإنها منقرضة وإنما غرضنا الأعظم منه ما يتعلق بالآخرة فإنا نعلم أنك يا إلهنا جامع الناس للجزاء في يوم القيامة ونعلم أن وعدك بالجزاء والحساب، والميزان والصراط والجنة والنار لا يكون خلفا، فمن زاغ قلبه بقي هناك في العذاب أبد الآباد، ومن أعطيته الهداية والرحمة بقي هناك في السعادة والكرامة أبد الآباد. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ أي إن الذين كفروا ككعب بن الأشرف وأصحابه وأبي جهل وأصحابه لن تنفعهم كثرة أموالهم وكثرة أولادهم. مِنَ اللَّهِ أي من عذاب الله أو عند الله شَيْئاً.
وقيل: إن المراد بهؤلاء وفد نجران. وذلك لأن أبا حارثة بن علقمة قال لأخيه كرز: إني لأعلم أن محمدا رسول الله حقا وهو النبي الذي كنا ننتظره، ولكنني إن أظهرت إيماني بمحمد أخذ ملوك الروم مني ما أعطوني من المال الكثير والجاه، فالله تعالى بيّن أن أموالهم وأولادهم لا تدفع عذاب الله في الدنيا والآخرة. نعم إن اللفظ عام وخصوص السبب لا يمنع عموم اللفظ وَأُولئِكَ المتصفون بالكفر هُمْ وَقُودُ النَّارِ (١٠) أي حطب النار الذي تسعر به
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ أي شأن هؤلاء في تكذيب محمد صلّى الله عليه وسلّم كشأن آل فرعون في التكذيب بموسى وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أي من مكذبي الرسل كقوم هود وقوم صالح كَذَّبُوا بِآياتِنا وهي المعجزات. ومتى كذبوا بها فقد كذبوا بالأنبياء بلا شك فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ أي عاقبهم الله بتكذيبهم المعجزات الدالة على صدق الرسل. وإنما استعمل الأخذ في العقاب لأن من ينزل به العقاب يصير كالمأسور المأخوذ لا يقدر على التخلص وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (١١)
وعن سعيد بن جبير وعكرمة

(١) رواه الترمذي في كتاب القدر، باب: ٧، وابن ماجة في المقدّمة، باب: فيما أنكرت الجهمية، وأحمد في (م ٢/ ص ٤).

صفحة رقم 113

عن ابن عباس رضي الله عنهم: أن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لما غزا قريشا في بدر ورجع إلى المدينة جمع يهود بني قينقاع في سوق بني قينقاع وقال: «يا معشر اليهود أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشا يوم بدر فقد عرفتم أني نبيّ مرسل تجدون ذلك في كتابكم» «١». فقالوا: يا محمد لا تغرنك نفسك إن قتلت نفرا من قريش أغمارا لا يعرفون القتال لو قاتلتنا لعرفت فأنزل الله تعالى قوله هذا
: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هم يهود بني قينقاع سَتُغْلَبُونَ عن قريب في الدنيا وقد صدق الله تعالى وعده بقتل بني قريظة، فقد قتل منهم النبي صلّى الله عليه وسلّم في يوم واحد ستمائة جمعهم في سوق بني قينقاع، وأمر السياف بضرب أعناقهم، وأمر بحفر حفيرة ورميهم فيها. وبإجلاء بني النضير، وفتح خبير، وضرب الجزية على أهلها. وبالأسر على بعض كل. وَتُحْشَرُونَ في الآخرة إِلى جَهَنَّمَ دلت الآية على حصول البعث في يوم القيامة والنشر والحشر وعلى أن مرد الكافرين النار وَبِئْسَ الْمِهادُ (١٢) أي الفراش جهنم.
وقرأ حمزة والكسائي بالغيبة في الفعلين أي بلغهم أنهم سيغلبون ويحشرون. والباقون بالخطاب أي قل لهم في خطابك إياهم ستغلبون وتحشرون. والفرق بينهما أنه على الخطاب يكون الإخبار بمعنى كلام الله تعالى، وعلى الغيبة تكون بلفظه. قَدْ كانَ لَكُمْ أيها اليهود آيَةٌ أي علامة لنبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم فِي فِئَتَيْنِ أي فرقتين الْتَقَتا بالقتال يوم بدر فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أي في طاعة الله وهم محمد صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه وكانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، بين كل أربعة منهم بعير، ومعهم من الدروع ستة ومن السيوف ثمانية، ومن الخيل فرسان للمقداد بن عمر ولمرثد بن أبي مرثد. وَأُخْرى كافِرَةٌ أي وجماعة أخرى كافرة بالله والرسول وكانوا تسعمائة وخمسين رجلا، وفيهم أبو سفيان وأبو جهل، وقادوا مائة فرس، وكانت معهم من الإبل سبعمائة، وأهل الخيل كلهم كانوا دارعين وكان في الرجال دروع سوى ذلك يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ أي يرى المشركون المؤمنين مثلي عدد المشركين قريبا من ألفين أو مثلي عدد المسلمين ستمائة ونيفا، وعشرين رأيا ظاهرا عيانا بالعين. في ذلك أنه تعالى كثّر المسلمين في أعين المشركين مع قلتهم ليهابوهم فيحترزوا عن قتالهم.
قال ابن عباس: يرون أنفسهم مثلي أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم. وقرأ نافع وأبان عن عاصم من السبعة، ويعقوب ترونهم بالخطاب. والمعنى ترون أيها اليهود المشركين مثلي المؤمنين في القوة والشوكة ومع ذلك غلبهم المؤمنون مع قلتهم جدا. فيكون هذا أبلغ في إكرام المؤمنين وعناية الله بهم وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ أي يقوي بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ ولو بدون الأسباب العادلة إِنَّ فِي ذلِكَ أي في

(١) رواه أبو داود في كتاب الخراج والفيء، باب: كيف كان إخراج اليهود من المدينة.

صفحة رقم 114

نصرة الله لمحمد يوم بدر. ويقال: - أي في رؤية القليل كثيرا- من غلبة القليل العديم العدة على الكثير الشاكي السلاح لَعِبْرَةً أي لعظة عظيمة لِأُولِي الْأَبْصارِ (١٣) أي لذوي العقول ووجه نظم هذه الآية المتقدمة وهي قوله تعالى: سَتُغْلَبُونَ نزلت في شأن اليهود وأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما دعاهم إلى الإسلام أظهروا التمرد وقالوا: لسنا أمثال قريش في الضعف وقلة المعرفة بالقتال، بل معنا من الشوكة والمعرفة بالقتال كل من ينازعنا. فالله تعالى قال لهم: إنكم وإن كنتم أقوياء وأرباب
العدد والعدة فإنكم ستغلبون. ثم ذكر الله تعالى ما يجري مجرى الدلالة على صحة ذلك القول فقال: قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا.
ثم قيل: روينا أن أبا حارثة بن علقمة النصراني اعترف لأخيه بأنه يعرف صدق محمد صلّى الله عليه وسلّم في قوله، إلا أنه لا يقر بذلك خوفا من أن يأخذ منه ملوك الروم المال والجاه. وأيضا روينا أنه صلّى الله عليه وسلّم لما دعا اليهود إلى الإسلام بعد غزوة بدر أظهروا من أنفسهم القوة والشدة والاستظهار بالمال والسلاح، فبيّن الله تعالى أن هذه الأشياء وغيرها من متاع الدنيا زائلة وأن الآخرة خير وأبقى فقال: زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ أي الأشياء المشتهيات مِنَ النِّساءِ وإنما قدمهن على الكل لأن الالتذاذ بهن أكثر والاستئناس بهن أتم وَالْبَنِينَ ولما كان حب الولد الذكر أكثر من حب الأنثى، خصّه الله تعالى بالذكر، ووجه التمتع بهم من حيث السرور بهم وغير ذلك.
وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ والقنطار بلسان الروم ملء مسك ثور من ذهب أو فضة. والقنطار واحد والقناطير ثلاثة، والمقنطرة تسعة. ومعنى القناطير المقنطرة أي الأموال المجموعة والأموال المضروبة المنقوشة حتى صارت دراهم ودنانير وإنما كانا محبوبين لأنهما جعلا ثمن جميع الأشياء فمالكهما كالمالك لجميع الأشياء وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ أي المطهمة الحسان بأن تكون غرا محجلة وَالْأَنْعامِ وهي الإبل والبقر والغنم وَالْحَرْثِ أي المزروع ذلِكَ أي جميع ما سبق مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا أي منفعة للناس في الدنيا ثم تفنى. وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ (١٤) أي المرجع في الآخرة، وهو الجنة. قُلْ يا أشرف الخلق للكفار أو للناس عامة- وهو أمر للنبي صلّى الله عليه وسلّم بتفصيل ما أجمل أولا- في قوله تعالى: وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ. أَأُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ أي زينة الدنيا لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أي تبتلوا إلى الله تعالى وأعرضوا عما سواه فلا تشغلهم الزينة عن طاعة الله تعالى عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أي عند ربهم بساتين تطرد من تحت شجرها ومساكنها أنهار الخمر والعسل واللبن والماء. خالِدِينَ فِيها أي مقيمين في الجنة لا يموتون ولا يخرجون منها. وَأَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ أي مهذبة من الحيض والنفاس والبصاق، والمني وتشويه الخلقة، وسوء العشرة والأخلاق الذميمة. وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ ورضا ربهم أكبر مما هم فيه من النعيم وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (١٥) أي بأحوال الذين اتقوا ثم وصفهم بقوله: الَّذِينَ يَقُولُونَ في الدنيا رَبَّنا إِنَّنا

صفحة رقم 115

آمَنَّا
بك وبرسولك فَاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا أي استرها وتجاوز عنا وَقِنا عَذابَ النَّارِ (١٦) أي ادفع عنا ذلك الصَّابِرِينَ على أداء فرائض الله واجتناب معاصيه وعلى المرازي وَالصَّادِقِينَ في أيمانهم وأقوالهم ونياتهم. وَالْقانِتِينَ أي المواظبين على العبادات.
وَالْمُنْفِقِينَ أموالهم في سبيل الله وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ (١٧) أي في أواخر الليل بأيّ صيغة كانت. وقيل: أي المصلين التطوع فيها، وأعظم الطاعات قدرا أمران:
أحدهما: الخدمة بالمال وإليه الإشارة
بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «الشفقة على خلق الله»
والإشارة بقوله تعالى هنا: وَالْمُنْفِقِينَ.
وثانيهما: الخدمة بالنفس وإليه الإشارة
بقوله صلّى الله عليه وسلّم: «التعظيم لأمر الله»
. والإشارة بقوله تعالى هنا: وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحارِ. شَهِدَ اللَّهُ أي بيّن لخلقه بالدلائل السمعية والآيات العقلية أَنَّهُ لا إِلهَ أي لا مستحقا للعبودية موجود إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ وهم الذين عرفوا وحدانيته تعالى بالدلائل القاطعة لأن الشهادة إنما تكون مقبولة إذا كان الإخبار مقرونا بالعلم، ولذلك
قال صلّى الله عليه وسلّم: «إذا علمت مثل الشمس فاشهد»
«١» وهذا يدل على أن الدرجة العالية والمرتبة الشريفة ليست إلا لعلماء الأصول. فشهادة الله تعالى على توحيده. هو أنه خلق الدلائل الدالة على توحيده وشهادة الملائكة وأولي العلم هي إقرارهم بتوحيده تعالى. قائِماً بِالْقِسْطِ أي مقيما للعدل في جميع أموره، وهذا بيان لكماله تعالى في أفعاله بعد بيان كماله في ذاته. لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٨) فالعزة في الملك تلائم الوحدانية. والحكمة في الصنع تلائم القيام بالقسط.
قال الكلبي قدم حبران من أحبار الشام على النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالا له: أنت محمد؟ قال: «نعم».
قالا له: وأنت أحمد؟ قال: «أنا محمد وأحمد». قالا: فإنا نسألك عن شيء فإن أخبرتنا به آمنا بك وصدقناك. فقال لهما: «سلا» «٢». قالا: أخبرنا عن أعظم شهادة في كتاب الله عز وجل، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فأسلم الرجلان
. وفي المدارك: من قرأها عند منامه وقال بعدها:
أشهد بما شهد الله به وأستودع الله هذه الشهادة وهي عنده وديعة، يقول الله يوم القيامة: إن لعبدي هذا عندي عهدا وأنا أحق من وفى بالعهد، أدخلوا عبدي الجنة. إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ فلا دين مرضيا لله تعالى سوى الإسلام الذي هو التوحيد والتدرع بالشريعة الشريفة التي عليها

(١) رواه الزيلعي في نصب الراية (٤: ٨٢)، والعجلوني في كشف الخفاء (٢: ٩٣).
(٢) رواه التبريزي في مشكاة المصابيح (٥٧٧٧)، والبخاري في التاريخ الصغير (١: ١٥)، والمتقي الهندي في كنز العمال (٣٢١٦٧)، وابن سعد في الطبقات الكبرى (١: ٦٥).

صفحة رقم 116

الرسل عليهم السلام. نزلت هذه الآية لما ادّعت اليهود أنه لا دين أفضل من اليهودية، وادعت النصارى أنه لا دين أفضل من النصرانية فرد الله عليهم ذلك وقال: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ.
وقرأ الكسائي بفتح همزة «أن» وهو إما بدل من أنه بدل كان من كل إن فسر الإسلام بالتوحيد نفسه أي بالإيمان بكونه تعالى واحدا. وبدل كل من بعض إن فسر الإسلام بالشريعة، فإنها تشتمل على التوحيد والعدل ونحوهما. أو معطوف على أنه بحذف حرف العطف، أو مبني على أن شهد واقع على أن الدين إما بإجراء أنه على التعليل، والتقدير شهد الله لأجل أنه لا إله إلا هو: إِنَّ الدِّينَ الآية. أو بإجرائه على قراءة ابن عباس وهو بكسره على جعل جملة «أنه» اعتراضا وعلى أن الدين من باب تقديم وتأخير، والتقدير شهد الله أن الدين عند الله الإسلام، وشهد بذلك الملائكة والنبيون والمؤمنون، أو بإجراء «شهد» مجرى قال، مع جعل «إن الدين» معمولا للحكيم، بإسقاط الجار، أي الحكيم بإن الدين. أما جعله بدل اشتمال من أنه فممتنع بذلك التفسير لأنه صار البدل أشمل من المبدل منه، ولأن شرط بدل الاشتمال أن يكون المخاطب منتظرا للبدل عند سماع المبدل منه وهنا ليس كذلك. ولا سيما أن هنا فصلا بين البدل والمبدل منه بأجنبي وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ أي أعطوا التوراة والإنجيل من اليهود والنصارى في دين الإسلام وأنكروا نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم وقالوا: نحن أحق بالنبوة من قريش- لأنهم أميون- ونحن أهل الكتاب. إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ أي الدلائل التي لو نظروا فيها لحصل لهم العلم بَغْياً بَيْنَهُمْ أي لأجل الحسد الكائن بينهم وطلب الرياسة لا لشبهة وخفاء في الأمر وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ الناطقة بأن الدين عند الله هو الإسلام بأن لم يعمل بمقتضاها فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (١٩) أي فإن الله يجازيه على كفره عن قريب، فإنه يأتي حسابه عن قريب. فَإِنْ حَاجُّوكَ أي خاصمك اليهود والنصارى في أن الدين عند الله الإسلام بعد قيام الحجة عليهم فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ أي أخلصت نفسي أو عملي لِلَّهِ لا أشرك به في ذلك غيره وَمَنِ اتَّبَعَنِ عطف على التاء في أسلمت أي وأسلم من اتبعني أو مفعول معه وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ أي اليهود والنصارى وَالْأُمِّيِّينَ أي الذين لا كتاب لهم وهم مشركو العرب: أَأَسْلَمْتُمْ أي فهل أسلمتم بعد أن أتاكم من البينات ما يوجب الإسلام أم أنتم على الكفر؟
روي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لما قرأ هذه الآية على أهل الكتاب قالوا: أسلمنا. فقال صلّى الله عليه وسلّم:
«أتشهدون أن عيسى كلمة الله وعبده ورسوله؟». فقالوا: معاذ الله. وقال صلّى الله عليه وسلّم للنصارى:
«أتشهدون أن عيسى عبد الله ورسوله؟». فقالوا: معاذ الله أن يكون عيسى عبدا
. فَإِنْ أَسْلَمُوا كما أسلمتم فَقَدِ اهْتَدَوْا للفوز والنجاة في الآخرة وَإِنْ تَوَلَّوْا عن الإسلام والاتباع لدينك لم يضروك شيئا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ أي إبلاغ الأدلة وإظهار الحجة فإذا بلّغت ما جاءك

صفحة رقم 117
مراح لبيد لكشف معنى القرآن المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن عمر نووي الجاوي البنتني إقليما، التناري بلدا
تحقيق
محمد أمين الضناوي
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1417
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية