آيات من القرآن الكريم

وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
ﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ

جعله للعرب، وأنهم كانوا في شدة وعُري وجوع وتقاتُل
بينهم، فأزال الله تعالى عنهم ذلك بالإِسلام، وقد تقدم الكلام
في قوله: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
قوله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٠٤)
المعروف: ما يستحسنه العقل ويرد به الشرع.
والمنكر: ما يستقبحه العقل

صفحة رقم 770

ويحظره الشرع، وعلى ذلك يقال للسخاء المعروف في نحو
قول الشاعر:
ولم أرَ كالمعروف أمّا مذاقه... فحلو وأمّا وجهه فجميل
ويقال لهما: الحق والباطل، والحسنى والسوءى، والصلاح
والفساد، والجميل والقبيح، وإنما اختلفت العبارات في ذلك
بحسب اختلاف العبارات.
واختُلف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هل ذلك واجب على كل إنسان أو على بعضهم دون بعض، فمنهم من جعله واجباً على العموم، وقال: إن مِنْ في

صفحة رقم 771

قوله (مِنْكُمْ) للتبيين، كما في قوله: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ)
وقال: لأن حق الناس كلهم أن يكونوا خلفاء الله
في أرضه، وسُوَّاساً لبعض خلائقه، لكن السياسات ثلاث:
سياسة الإِنسان نفسَه، وسياسته أهلَه وما يخصه، وسياسته بلده
وصُقْعه، فسياسة البلد والصُّقع من وجهٍ إلى الأئمة، وهو أخذهم
الناس بالقهر، ومن وجه إلى الحكماء والعلماء. - فقهائهم ووعظتهم -
وهو أخذهم بالوعظ، وكل ذلك فرض على الكفاية.
وأما سياسةُ الإِنسان نفسه فواجب على كل مكلف على التضييق.
وكذا سياسة الأهل واجبة على من يملكه، ومنهم من جعل ذلك فرضاً على

صفحة رقم 772

الكفاية، واستدل عليه من الآية بقوله: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ)، وذلك يقتضي التبعيض، واعتبر ذلك في سياسة

صفحة رقم 773

الإِنسان لغيره دون سياسته نفسه، وأجرى ذلك مجرى الجهاد
وطلب العلم، وهذا أقرب على اعتبار الفقهاء، والأول أعم على
اعتبار الحكماء، والذي تستحق به العقوبة هو ترك ما يلزم من
حق غيرهم، وإياه قصد بقوله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) إلى قوله (كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ)، وخصّ تركهم النهي عن المنكر دون الأمر بالمعروف، فإنه أعظم الأمرين إثماً، وأوكدهما وجوباً، ففعل المعروف ليس بواجب على كل أحد، وترك المنكر واجب على كل حال.
ثم إنكار المنكر ثلاثة أضرب:
إنكار باليد، وإنكار باللسان، وإنكار بالقلب.
على حسب ما رُوِي عن النبي - ﷺ -:
"من رأى منكم منكراً فاستطاع أن يغيره فليغيره بيده، فإن لم يستطع
فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإِيمان "،

صفحة رقم 774

فقيل: إن الأول للسلاطين، والثاني للعلماء، والثالث للعوام.
فإن قيل: كيف حثَّ هاهنا على الأمر بالمعروف،

صفحة رقم 775

وقال في غيره: (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)؟
قيل في قوله: (عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ) قولان: أحدهما:
إن ذلك حثٌّ على أن يغيّر الإِنسان على نفسه قبل أن ينكره على
غيره، وهو خطاب للعامة.
والثاني: ما قال أبو ثعلبة الخشني، وقد سئل عن هذه الآية فقال:
سألت عنها خبيراً، لقد سألت رسول الله - ﷺ - فقال: " ائتمروا بالمعروف، وتناهوا عن المنكر،

صفحة رقم 776

فإذا رأيت شحًّا مطاعاً، وهوى متبعًا، وإعجاب كل ذي رأي
برأيه، فعليك نفسك، ودع عنك العوام ".
وجعل تعالى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر هم المفلحون، لأن
من تولى إصلاح نفسه، ثم صلاح غيره بغاية وسعه، فقد زكى
نفسه، وزكى غيره، وقد قال تعالى فيمن يهذب نفسه: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا)، وقد تقدم أن الفلاح الحقيقي هو البقاء الأبدي والنعيم السرمدي.

صفحة رقم 777
تفسير الراغب الأصفهاني
عرض الكتاب
المؤلف
أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى
تحقيق
هند بنت محمد سردار
الناشر
كلية الدعوة وأصول الدين - جامعة أم القرى
سنة النشر
1422
عدد الأجزاء
2
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية