
من لم يهده الله فمتى يعتصم بالله؟ فالهداية منه فى البداية توجب اعتصامك فى النهاية، لا الاعتصام منك يوجب الهداية.
وحقيقة الاعتصام صدق اللّجوء إليه، ودوام الفرار إليه، واستصحاب الاستغاثة إليه.
ومن كشف عن سرّه غطاء التفرقة تحقق بأنه لا لغير الله ذرة أو منه سينة، فهذا الإنسان يعتصم به ممن يعتصم به قال سيد الأولين والآخرين صلوات الله عليه وعلى آله:
«أعوذ بك منك».
ومن اعتصم بنفسه دون أن يكون محوا عن حوله وقوته فى اعتصامه- فالشرك وطنه وليس يشعر.
قوله جل ذكره:
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٠٢]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٠٢)
حقّ التقوى أن يكون على وفق الأمر لا يزيد من قبل نفسه ولا ينقص.
هذا هو المعتمد من الأقاويل فيه، وأمره على وجهين: على وجه الحتم وعلى وجه الندب وكذلك القول فى النهى على قسمين: تحريم وتنزيه، فيدخل فى جملة هذا أن يكون حق تقاته أولا اجتناب الزلة ثم اجتناب الغفلة ثم التوقي عن كل خلة ثم التنقى من كل علّة، فإذا تقيت عن شهود تقواك بعد اتصافك بتقواك فقد اتّقيت حقّ تقواك.
وحق التقوى رفض العصيان ونفى النسيان، وصون العهود، وحفظ الحدود، وشهود الإلهية، والانسلاخ عن أحكام البشرية، والخمود تحت جريان الحكم بعد اجتناب كل جرم وظلم، واستشعار الآنفة عن التوسل إليه بشىء من طاعتك دون صرف كرمه، والتحقق بأنه لا يقبل أحدا بعلّة ولا يردّ أحدا بعلة.
قوله جل ذكره: وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.
لا تصادفنّكم الوفاة إلا وأنتم بشرط الوفاء.
قوله جل ذكره:
[سورة آل عمران (٣) : آية ١٠٣]
وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٠٣)

الاعتصام بحبله- سبحانه- التمسك بآثار الواسطة- العزيز صلوات الله عليه- وذلك بالتحقق والتعلّق بالكتاب والسّنّة.
ويصح أن يقال: الخواص يقال لهم «اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ»، وخاص الخاص قيل لهم «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ»، ولمن رجع عند سوانحه إلى اختياره واحتياله، أو فكرته واستدلاله، أو معارفه وأشكاله، والتجأ إلى ظل تدبيره، واستضاء بنور عقله وتفكيره «١» - فمرفوع عنه ظل العناية، وموكول إلى سوء حاله.
وقوله: «وَلا تَفَرَّقُوا» : التفرقة أشد العقوبات وهى قرينة الشرك.
وقوله: «وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً». وكانوا أعداء حين كانوا قائمين بحظوظهم، معرّجين على ضيق البشرية، متزاحمين بمقتضى شحّ النفوس.
«فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ» : بالخلاص من أسر المكونات، ودفع الأخطار عن أسرارهم، فصار مقصودهم جميعا واحدا فلو ألّف ألف شخص فى طلب واحد- فهم فى الحقيقة واحد.
«فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً» نعمته التي هى عصمته إياكم، إخوانا متّفقى القصد والهمة، متفانين عن حظوظ النّفس وخفايا البخل والشحّ.
«وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ» : بكونكم تحت أسر مناكم، ورباط حظوظكم وهواكم.