آيات من القرآن الكريم

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ

أذى المشركين، وشدائد الهجرة وغيرهما من الجهود والمشاقّ، وتوكلوا على ربهم فيما يأتون وما يذرون، كأرزاقهم وجهاد أعدائهم، فلا ينكلون عنهم، ولا يتراجعون ثقة منهم بأن الله معل كلمتهم، وموهن كيد الكافرين، وأنّ ما قسم لهم من الرزق من يفوتهم.
ثم ذكر سبحانه أن مما يعين على التوكل عليه معرفة أنه الكافي أمر الرزق فى الوطن والغربة فقال:
(وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) أي هاجرو أيها المؤمنون بالله ورسوله، وجاهدوا أعداءه، ولا تخافوا عيلة ولا إقتارا، فكم من دابة ذات حاجة إلى الغذاء والمطعم لا تطيق جمع قوتها ولا حمله، فترفعه من يومها لغدها عجزا منها عن ذلك، الله يرزقها وإياكم يوما بيوم وساعة فساعة، وهو السميع لقولكم نخشى من فراق أوطاننا العيلة، العليم بما فى أنفسكم، وإليه يصير أمركم وأمر عدوكم من إذلال الله إياه ونصرتكم عليه ولا تخفى عليه خافية من أمور خلقه.
روى ابن عباس «أن النبي ﷺ قال للمؤمنين بمكة حين آذاهم المشركون: اخرجوا إلى المدينة وهاجروا، ولا تجاوروا الظلمة، قالوا ليس لنا بها دار ولا عقار، ولا من يطعمنا، ولا من يسقينا، فنزلت الآية».
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٦١ الى ٦٣]
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (٦١) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٦٢) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٦٣)

صفحة رقم 16

المعنى الجملي
لما بين الأمر للمشركين وذكر لهم سوء مغبة أعمالهم- خاطب المؤمنين بما فيه مدّكر لهم، وإرشاد للمشرك لو تأمله وفكر فيه، ومثل هذا مثل الوالد له ولدان: أحدهما رشيد والآخر مفسد، فهو ينصح المفسد أوّلا، فإن لم يسمع يعرض عنه، ويلفت إلى الرشيد قائلا: إن هذا لا يستحق أن يخاطب، فاسمع أنت ولا تكن كهذا المفسد، فيكون فى هذا نصيحة للمصلح، وزجر للمفسد، ودعوة له إلى سبيل الرشاد.
الإيضاح
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) أي ولئن سألت هؤلاء المشركين بالله: من خلق السموات والأرض فسواهن، وسخر الشمس والقمر يجريان دائبين لمصالح خلقه؟ ليقولنّ: الذي خلق ذلك وفعله هو الله.
(فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ؟) أي فيكف يصرفون عن توحيده، وإخلاص العبادة له، بعد إقرارهم بأنه خالق كل ذلك.
والخلاصة- إنهم يعترفون بأنه هو الخالق للسموات والأرض، والمسخر للشمس والقمر، ثم هم مع ذلك يعبدون سواه، ويتوكلون على غيره، فكما أنه الواحد فى ملكه، فليكن الواحد فى عبادته، وكثيرا ما يقرر القرآن توحيد الألوهية بعد الاعتراف بتوحيد الربوبية التي كانوا يدينون بها بنحو قولهم: لبّيك لا شريك لك، إلا شريكا هو لك، تملكه وما ملك.
ولما ذكر اعترافهم بالخلق ذكر حال الرزق، من قبل أن كمال الخلق ببقائه، ولا بقاء له إلا بالرزق فقال:
(اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ) أي إن الله يوسع رزقه على من يشاء من خلقه، ويقتّر على من يشاء، فالأرزاق وقسمتها بيده تعالى لا بيد أحد سواه،

صفحة رقم 17
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية