
قَوْله تَعَالَى: ﴿اتل مَا أوحى إِلَيْك من الْكتاب﴾ أَي: الْقُرْآن.
وَقَوله: ﴿وأقم الصَّلَاة إِن الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر﴾ الْفَحْشَاء كل قَبِيح من الْأَفْعَال، وَالْمُنكر كل مَا يُنكره الشَّرْع، (فَإِن قيل: كَيفَ قَالَ: ﴿إِن الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر﴾ وَقد رَأينَا من يُصَلِّي وَلَا يَنْتَهِي عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر؟ قُلْنَا: رُوِيَ عَن حَمَّاد بن سَلمَة أَنه قَالَ: تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر مَا دَامَ فِي الصَّلَاة، وَعَن غَيره: تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر) فِيهَا وَبعدهَا. وَمعنى النَّهْي على هَذَا القَوْل أَنه يقْرَأ الْقُرْآن وَالْقِرَاءَة، تنهاه عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر.
وَعَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ: لَا صَلَاة لمن لم يطع الصَّلَاة. وَفِي هَذَا اللَّفْظ إِشَارَة إِلَى مَا بَينا.
وَفِي بعض الْأَخْبَار عَن النَّبِي أَنه قَالَ: " من لم تَنْهَهُ صلَاته عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر لم يَزْدَدْ من الله إِلَّا بعدا ".

( ﴿٤٥) وَلَا تجادلوا أهل الْكتاب إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أحسن إِلَّا الَّذين ظلمُوا مِنْهُم وَقُولُوا آمنا﴾
وَعَن الْحسن وَقَتَادَة أَنَّهُمَا قَالَا: من صلى وَلم ينْتَه عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر، فَصلَاته وبال عَلَيْهِ.
وَقَوله: ﴿وَلذكر الله أكبر﴾ فِيهِ قَولَانِ: أَحدهمَا: وَلذكر الله أفضل من كل الطَّاعَات، وَرُوِيَ عَن ثَابت الْبنانِيّ أَن رجلا أعتق أَربع رِقَاب، وَجعل آخر يذكر الله بالتسبيح والتحميد والتهليل، ثمَّ سُئِلَ عَن ذَلِك جمَاعَة من أهل الْعلم، فَقَالُوا: ذكر الله تَعَالَى أفضل؛ لِأَن الله تَعَالَى قَالَ: ﴿وَلذكر الله أكبر﴾.
وَالْقَوْل الثَّانِي أَن مَعْنَاهُ: وَلذكر الله إيَّاكُمْ أكبر من ذكركُمْ إِيَّاه، وَهَذَا قَول ابْن عَبَّاس، وَرُوِيَ إِن رجلا قَالَ لِابْنِ عَبَّاس: إِن فلَانا (يَقُول) فِي قَوْله: ﴿وَلذكر الله أكبر﴾ : إِن مَعْنَاهُ: إِذا ذكره وانْتهى عَن مَعَاصيه، فَقَالَ: هَذَا كَلَام حسن. وَلَيْسَ بِمَعْنى الْآيَة؛ وَإِنَّمَا معنى الْآيَة مَا ذكرنَا عَنهُ، وَهُوَ قَوْله: وَلذكر الله إيَّاكُمْ أكبر من ذكركُمْ إِيَّاه. وَمِنْهُم من قَالَ: وَلذكر الله فِي الثَّوَاب أكبر من ذكركُمْ فِي الطَّاعَة.
وَقَوله: ﴿وَالله يعلم مَا تَصْنَعُونَ﴾ أَي: تَفْعَلُونَ.