آيات من القرآن الكريم

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ
ﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ

شرح الكلمات:
ولقد أرسلنا نوحاً: أي نوحا بن لَمْك بن مُتَوَشْلخْ بن إدريس من ولد شيث بن آدم، بينه وبين آدم ألف سنة.
فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما: أي فمكث فيهم يدعوهم إلى الله تعالى تسعمائة وخمسين سنة.
فأخذهم الطوفان: أي الماء الكثير الذي طاف بهم وعلاهم فأغرقهم.
وهم ظالمون: أي مشركون.
وجعلناها آية للعالمين: أي عبرة للناس يعتبرون بها فلا يشركون ولا يعصون.
معنى الآيتين:
لما ذكر تعالى ما كان يلاقيه رسوله والمؤمنون من مشركي قريش ذكر تعالى نوحاً وإبراهيم وكلاهما قد عانى ولاقى ما لم يلاقه محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه ليكون ذلك تسلية لهم وتخفيفاً عنهم فقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ (١) ﴾ وقوم نوح يومئذ هم البشرية جمعاء. إذ لم يكن غيرهم ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ﴾ أي مكث يدعوهم إلى عبادة الله تعالى وتوحيده فيها وترك الأصنام الخمسة التي كانت لهم وهي ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر، وكان هؤلاء الخمسة رجالا صالحين فلما ماتوا بنوا على قبورهم ووضعوا لهم تماثيل بحجة أنها تذكرهم بالله فيرغبوا في الطاعة والعمل الصالح ثم زين لهم الشيطان عبادتهم فعبدوهم فبعث الله تعالى إليهم نوحاً رسولا فدعاهم إلى عبادة الله وترك عبادة هؤلاء ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ (٢) سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَاماً﴾ يدعوهم فلم يستجيبوا له ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ فاستجاب الله له فأنجاه وأصحاب السفينة وهم المؤمنون وهلك في الطوفان زوجته وولده كنعان وسائر البشر إلا نوحا

١ - روى أنس رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "أول نبي أرسل واختلف في سني عمره: فروي عن أنس أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: لما بعث الله نوحا إلى قومه وبعثه وهو ابن لخمسين ومائتي سنة فلبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما، وبقي بعد الطوفان خمسين ومائتي سنة فلما أتاه ملك الموت قال: يا نوح يا أكبر الأنبياء ويا طويل العمر ويا مجاب الدعوة كيف رأيت الدنيا؟ قال مثل رجل بنى له بيتا له بابان فدخل من واحد وخرج من الآخر".
٢ - العدول عن السنة إلى العام حتى لا يحصل تكرار في لفظ السنة وهو من بلاغة الكلام.

صفحة رقم 115

ومن معه في السفينة، وكانوا قرابة الثمانين نسمة، وخلف نوحاً ثلاثة أولا هم سام وهو أبو العرب وفارس والروم وهم الجنس السامي وحام وهو أبو القبط والسودان والبربر ويافث وهو أبو الترك والصقالبة ويأجوج ومأجوج، هذا معنى قوله تعالى: ﴿فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ (١) ظَالِمُونَ﴾ أي لأنفسهم بالشرك. ﴿َأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ (٢) ﴾ ومن بين ما فيها أبناؤه الثلاثة سام وحام ويافث ومنهم عمر الكون بالبشر شرقا وغربا وشمالا وجنوباً وقوله ﴿وَجَعَلْنَاهَا آيَةً (٣) لِلْعَالَمِينَ﴾ أي حادثة الطوفان ومنها السفينة ومكث تلك المدة الطويلة مع قلة المستجيبين ﴿آيَةً﴾ أي عبرة ﴿لِلْعَالَمِينَ﴾ أي للناس ليعتبروا بها فلا يعصوا رسلهم ولا يشركون بربهم هذا إذا اعتبروا وقليل من يعتبر.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان سنة الله تعالى في إرسال الرسل لهداية الخلق.
٢- بيان قلة من استجاب لنوح مع المدة الطويلة فيكون هذا تسلية لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والدعاة من بعد.
٣- بيان إهلاك الله تعالى للظالمين وإنجائه المؤمنين وهي عبرة للمعتبرين.
وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٦)
إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (١٧) وَإِنْ تُكَذِّبُوا

١ - الطوفان مأخوذ من أطاف بالشيء يطيف وهو كطاف يطوف طوفاً وطوفانا قال النحاس يقال: لكل كثير مطيف بالجميع من مطر أو قتل أو موت طوفان.
٢ - في البخاري أن قتادة قال: بقيت السفينة على الجودي حتى نظرتها أوائل هذه الأمة. وقيل: إنها دامت إلى أوائل الدولة العباسية ثم غمرتها الثلوج، وكان الجودي الذي رست فوقه قرب (باقردي) وهي قرية من جزيرة بن عمر بالموصل شرقي دجلة.
٣ - الضمير في: (وجعلناها) عائد إلى السفينة، وما في التفسير أعم وأشمل.

صفحة رقم 116
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية