
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا) عدوا لهم في دينهم، وحزنا لما يأتيهم.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء أهل المدينة والبصرة، وبعض أهل الكوفة: (وَحَزَنًا) بفتح الحاء والزاي. وقرأته عامة قرّاء الكوفة: "وَحُزْنًا" بضم الحاء وتسكين الزاي. والحَزَن بفتح الحاء والزاي مصدر من حزنت حزنا، والحُزْن بضم الحاء وتسكين الزاي الاسم: كالعَدَم والعُدْم، ونحوه.
والصواب من القول في ذلك أنهما قراءتان متقاربتا المعنى، وهما على اختلاف اللفظ فيهما بمنزلة العَدَم، والعُدْم، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.
وقوله: (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) يقول تعالى ذكره: إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا بربهم آثمين، فلذلك كان لهم موسى عَدُوّا وحَزَنا.
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩) ﴾
يقول تعالى ذكره: (وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ) له هذا (قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) يا فرعون; فقرة عين مرفوعة بمضمر هو هذا، أو هو. وقوله: (لا تَقْتُلُوهُ) مسألة من امرأة فرعون أن لا يقتله. وذُكِرَ أن المرأة لما قالت هذا القول لفرعون، قال فرعون: أما لك فنعم، وأما لي فلا فكان كذلك.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس، قال: قالت امرأة فرعون: (قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) قال فرعون: قرّة عين لك، أما لي فلا. قال محمد بن قيس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لَوْ قَالَ فِرْعَوْنُ: قُرّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكِ، لَكَانَ لَهُمَا جَمِيعًا".
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: اتخذه فرعونُ ولدا، ودُعَى على أنه ابن فرعون; فلما تحرّك الغلام أرته أمه آسية صبيا، فبينما هي ترقصه

وتلعب به، إذ ناولته فرعون، وقالت: خذه، قرّة عين لي ولك، قال فرعون: هو قرّة عين لكِ، لا لي. قال عبد الله بن عباس: لو أنه قال: وهو لي قرّة عين إذن؛ لآمن به، ولكنه أَبَى.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قالت امرأة فرعون: (قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) تعني بذلك: موسى.
حدثنا العباس بن الوليد، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا الأصبح بن يزيد، قال: ثنا القاسم بن أبي أيوب، قال: ثني سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس قال: لما أتت بموسى امرأة فرعونَ فرعونَ قالت: (قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) قال فرعون: يكون لكِ، فأما لي فلا حاجة لي فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي يُحْلَفُ بِهِ لَوْ أَقَرَّ فِرْعَوْنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ قُرَّةَ عَيْنٍ كَمَا أَقَرَّتْ، لَهَدَاهُ اللهُ بِهِ كَمَا هَدَى بِهِ امْرَأَتَهُ، وَلَكِنَّ الله حَرَمَهُ ذَلِكَ".
وقوله: (لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) ذُكِرَ أن امرأة فرعون قالت هذا القول حين همّ بقتله. قال بعضهم: حين أتَي به يوم التقطه من اليم. وقال بعضهم: يوم نَتَف من لحيته، أو ضربه بعصا كانت في يده.
* ذكر من قال: قالت ذلك يوم نتف لحيته:
حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي، قال: لما أتي فرعون به صبيا أخذه إليه، فأخذ موسى بلحيته فنتفها، قال فرعون: علي بالذباحين، هو هذا! قالت آسية (لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) إنما هو صبيّ لا يعقل، وإنما صَنع هذا من صباه.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدًا) قال: ألقيت عليه رحمتها حين أبصرته.
وقوله: (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) اختلف أهل التأويل في تأويله، فقال بعضهم: معنى ذلك: وهم لا يشعرون هلاكهم على يده.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) قال: وهم لا يشعرون أن هلكتهم على يديه، وفي زمانه.