
معنى ﴿قُرَّةُ عَيْنٍ﴾ [القصص: ٩] مادة قرَّ تقول: قرَّ بالمكان يعني: أقام وثبت به، ومنه قرور يعني: ثبات، وتأتي قرَّ بمعنى البرد الشديد، ومنه قول الشاعر:
أَوْقِدْ فإنَّ الليْلَ لَيْلٌ قُرٌّ | والرِّيحُ يَا غُلاَمُ رِيحٌ صرّ |
لذلك يُسمُّون الشيء الجميل الذي يجذب النظر، فلا ينظر إلى غيره (قيد النظر) يقول الشاعر:
سَمَّرْتُ عَيْني في القَمَرِ | فَنَالَ مِنِّي مَنْ نَظَر |
يَا ليْتَ لائمي عذر | فحُسْنه قَيْد النَّظرْ |

أنها تدعو له، وهي في الحقيقة تدعو عليه تقصد: أقرَّ الله عينك.
يعني: سكَّنها وجمدها بالعمى، وأتمَّ عليك نعمتك. وتمام الشيء بداية نقصه على حَدِّ قول الشاعر:
إذَا تَمَّ شَيء بَدَا نَقْصُه | ترقَّبْ زَوَالاً إذاَ قِيلَ تَمّ |
أما العين فإذا زادتْ حرارتها عن ٩ْ تنصهر، ويفقد الإنسان البصر، والعجيب أنهما عضوان في جسم واحد، فهي آية من آيات الله في الخلق، لذلك حين ندعو لشخص نقول له: أقرَّ الله عينك يعني: جعلها باردة سالمة، ألاَ ترى أن الإنسان إذا غَضِب تسخنُ عينه ويحمّر وجهه؟
فالمعنى هنا ﴿قُرَّةُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ﴾ [القصص: ٩] يعني يكون نعمة ومتعة لنا، نفرح به ونقنع، فلا ننظر إلى غيره.
وفي موضع آخر يشرح لنا الحق سبحانه قُرَّة العين: ﴿قَدْ يَعْلَمُ الله المعوقين مِنكُمْ والقآئلين لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلاَ يَأْتُونَ البأس إِلاَّ قَلِيلاً أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَآءَ الخوف رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كالذي يغشى عَلَيْهِ مِنَ الموت﴾ [الأحزاب: ١٨١٩].
فهؤلاء تدور أعينهم هنا وهناك كما نقول نحن: (فلان عينه لا يجة) يعني: لا تهدأ، إما من خوف، أو من قلق، أو من اضطراب، وهذا كله ينافي قُرَّة العين. صفحة رقم 10889

وقولها بعد ذلك ﴿لاَ تَقْتُلُوهُ﴾ [القصص: ٩] تعني: أنهم فعلاً هَمُّوا بقتله، ففي بالهم إذن أن هلاك فرعون على يدي هذا الطفل، وهم على يقين من ذلك.
﴿عسى أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ [القصص: ٩] يعني: لا يشعرون بنفعه لهم أو عدم نفعه، وهل سيكون لهم ولداً أم عدواً؟
ثم يقول الحق سبحانه: ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ موسى﴾