آيات من القرآن الكريم

وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ ۖ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ
ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄ ﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ

اليم إذ خافت عليه.
وقال السدي: وضعته وأرضعته ثم دعت له نجاراً فعمل له تابوتاً، وجعلت مفتاح الثابوت من داخل، وجعلته فيه وألقته في اليم وهو النيل.
ثم قال: ﴿وَلاَ تَخَافِي﴾، أي لا تخافي على ولدك من فرعون وجنده أن يقتلوه ﴿وَلاَ تحزني﴾ لفراقه. قال ابن زيد: لا تخافي البحر عليه، ولا تحزني لفراقه. ﴿إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ﴾، للرضاع فترضعيه أنت ﴿وَجَاعِلُوهُ مِنَ المرسلين﴾ أي باعثوه رسولاً إلى هذه الطاغية.
قال تعالى: ﴿فالتقطه آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً﴾، يعني التقطه من النيل جواري امرأة فرعون آسية. خرجن يغتسلن فوجدن التابوت، فأدخلنه إلى آسية، فوقعت عليه رحمتها وحنينها، فلما أخبرت به فرعون، أراد أن يذبحه، فلم تزل تكلمه حتى تركه لها.
وقال: إني أخاف أن يكون هذا من بني إسرائيل /، وأن يكون هذا الذي على يديه هلاكنا، ولذلك قال تعالى: ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً﴾.

صفحة رقم 5487

وقال محمد بن قيس: كانت ابنة فرعون برصاء، فجاءت إلى النيل فإذا التابوت في النيل تخفقه الأمواج، فأخذته ابنة فرعون، فلما فتحت التابوت، فإذا هي بصبي، فلما نظرت إلى وجهه برأت من البرص، فجاءت إلى أمها، وقالت: إن هذا الصبي مبارك، لما نظرت إليه برأت. فقال فرعون: هذا من صبيان بني إسرائيل، هلم حتى أقتله فقالت: ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ﴾.
وقال ابن إسحاق: وأجمع فرعون في مجلس له على شفير النيل، كان يجلسه على كل غداة فبينما هو جالس إذ مر النيل بالتابوت فقذف به، وآسية بنت مزاحم امرأته جالسة إلى جنبه. فقال: إن هذا الشيء في البحر، فأتوني به، فخرج إليه أعوانه، حتى جاءوا به، ففتح التابوت، فإذا فيه صبي في مهده، فألقى الله عليه محبته وعطف عليه نفسه. قالت امرأته آسية: ﴿لاَ تَقْتُلُوهُ عسى أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً﴾.

صفحة رقم 5488

وحكى الكسائي: في تصغير آل: أويل والأكثر على رده إلى الأصل، فيقولون: أهيل وإذا أضيف إلى اسم صحيح ليس بموضوع لمعرفة ردوه إلى الأصل. فقالوا: هم أهل الرجل، وأهل المرأة. وكذلك إن أضافوا إلى مضمر أو إلى بلد. قالوا: هم أهلك، وأهل الكوفة، وقوله: ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً﴾.
اللام لام كي، والمعنى أنه لما كان في علم الله أن يكون لهم عدواً وحزناً، صاروا كأنهم إنما التقطوه لكي يصير لهم عدواً وحزناً، فصاروا كأنهم التقطوه لذلك، وإن لم يقصدوا ذلك إنما آل أمرهم إلى أن كان لهم عدواً وحزناً، صاروا كأنهم التقطوه لذلك، ومثله: ﴿فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشيطان لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا﴾ [الأعراف: ٢٠]. لم يعرف إبليس أنهما إذا أكلا بدت لهما سوآتهما، ولا قصد لذلك إنما قصد ليوقعهما في الخطيئة، فبدت لهما سوآتهما عند مواقعة الخطيئة فصار كأنه فعل ذلك ليبدي لهما سوآتهما وإن

صفحة رقم 5489

لم يكن قصده لذلك. وهي لام العاقبة ولام الصيرورة وهذا كما قال: " فللموت ما تلد الوالدة " لم تلد المولود ليموت ولا للموت، ولكن كانت العاقبة إلى الموت، تكون صارت كأنها ولدته لذلك والحُزن والحَزن لغتان، كالسُقم والسَقم.
وقيل: الحَزَن: الاسم، والحُزن المصدر.
وقوله تعالى: ﴿كَانُواْ خَاطِئِينَ﴾، أي آثمين بفعلهم، يقال خطئ يخطأ: إذا تعمد الذنب.
ويروى: أن فرعون كان له رجال مخضبة أيديهم بالحناء قد شدوا أوساطهم بالمناطق وفيها السكاكين يذبحون الأطفال، فولدت أم موسى موسى، ولا علم عندهم به، فأوحى الله إليها أن ترضعه، فإن خافت عليه ألقته في اليم يعني النيل، فخافت عليه، فجعلته في تابوت وغلقت عليه، وعلقت المفاتيح في التابوت، وألقته في النيل، وكان لامرأة فرعون جوار يسقين لها الماء من موضع من النيل لا

صفحة رقم 5490

تشرب من غيره، فلما أتى الجواري يستقين وجدن التابوت، فأردن فتحه، ثم قال بعضهم البعض: إن فتحناه قبل أن تراه سيدتنا اتهمنا. وقالت: وجدتن فيه شيئاً غير هذا، ولكن دعنه على حاله حتى تكون هي التي تفتحه وهو أحصى لكن عندها، فذهبن بالتابوت إليها، فتحت التابوت فإذا موسى، فكان من قصته ما ذكره الله لنا، وقد تقدم من قصته في مريم نحو هذا أو أشبع منه.
قوله تعالى ذكره: ﴿وَقَالَتِ امرأة فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ﴾.
أي قالت آسية لفرعون: هذا الغلام قرة عين لي ولك، لا تقتلوه.
ومعنى: قرة عين: أي برد لعيني وعينك (لا تستحر) أعيننا بالبكاء،

صفحة رقم 5491

فهو من القر، وهو البرد.
وقيل هو من قر بالمكان أي لم يبرحه.
وروي: أن امرأة فرعون لما قالت له هذا قال: أما لك فنعم، وأما لي فلا، فكان كما قال.
قال ابن عباس: لما أتت امرأة فرعون بموسى فرعون قالت: قرة عين لي ولك، قال فرعون: يكون لك /، وأما لي فلا حاجة لي فيه. فقال النبي ﷺ: " والذي يحلف به لو أقر فرعون أنه يكون له قرة عين كما أقرت لهاده الله جل ذكره به كم هدى به امرأته، ولكن الله حرمه ذلك " وقوله تعالى: ﴿لاَ تَقْتُلُوهُ﴾،

صفحة رقم 5492
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية