آيات من القرآن الكريم

وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉ

وَنَاسَبَ السَّمْعُ دَلِيلَ فَرْضِ سَرْمَدَةِ اللَّيْلِ لِأَنَّ اللَّيْلَ لَوْ كَانَ دَائِمًا لَمْ تَكُنْ لِلنَّاسِ رُؤْيَةٌ فَإِنَّ رُؤْيَةَ الْأَشْيَاءِ مَشْرُوطَةٌ بِانْتِشَارِ شَيْءٍ مِنَ النُّورِ عَلَى سَطْحِ الْجِسْمِ الْمَرْئِيِّ، فَالظُّلْمَةُ الْخَالِصَةُ لَا تُرَى فِيهَا الْمَرْئِيَّاتُ. وَلِذَلِكَ جِيءَ فِي جَانِبِ فَرْضِ دَوَامِ اللَّيْلِ بِالْإِنْكَارِ عَلَى عَدَمِ سَمَاعِهِمْ، وَجِيءَ فِي جَانِبِ فَرْضِ دَوَامِ النَّهَارِ بِالْإِنْكَارِ عَلَى عَدَمِ إِبْصَارِهِمْ.
وَلَيْسَ قَوْلُهُ أَفَلا تُبْصِرُونَ تذييلا.
[٧٣]
[سُورَة الْقَصَص (٢٨) : آيَة ٧٣]
وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٣)
تَصْرِيحٌ بِنِعْمَةِ تَعَاقُبِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ عَلَى النَّاسِ بِقَوْلِهِ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ، وَذَلِكَ مِمَّا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ السَّابِقَةُ بِطَرِيقِ الْإِدْمَاجِ بقوله يَأْتِيكُمْ [الْقَصَص: ٧١ وَبِقَوْلِهِ تَسْكُنُونَ فِيهِ [الْقَصَص: ٧٢] كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا.
وَجُمْلَةُ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِلَخْ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً [الْقَصَص: ٧١].
ومِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ فَإِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ بِالنَّاسِ حَقِيقَةٌ كُلِّيَّةٌ لَهَا تَحَقُّقٌ فِي وُجُودِ أَنْوَاعِهَا وَآحَادِهَا الْعَدِيدَةِ، وَالْمَجْرُورُ بِ مِنْ يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ، وَكَذَلِكَ يَتَعَلَّقُ بِهِ لَكُمُ، وَالْمَقْصُودُ إِظْهَارُ أَنَّ هَذَا رَحْمَةٌ مِنَ اللَّهِ وَأَنَّهُ بَعْضٌ مِنْ رَحْمَتِهِ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ لِيَتَذَكَّرُوا بِهِمَا نِعَمًا أُخْرَى.
وَقَدَّمَ الْمَجْرُورَ بِ مِنْ رَحْمَتِهِ عَلَى عَامِلِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِمِنَّةِ الرَّحْمَةِ.
وَقَدْ سَلَكَ فِي قَوْلِهِ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ طَرِيقَةُ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمَعْكُوسِ فَيَعُودُ لِتَسْكُنُوا فِيهِ إِلَى اللَّيْلِ، وَيَعُودُ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ إِلَى النَّهَارِ، وَالتَّقْدِيرُ:
وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ فِيهِ، فَحَذَفَ الضَّمِيرَ وَجَارَّهُ إِيجَازًا اعْتِمَادًا عَلَى الْمُقَابَلَةِ.
وَالِابْتِغَاءُ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ: كِنَايَةٌ عَنِ الْعَمَلِ وَالطَّلَبِ لِتَحْصِيلِ الرِّزْقِ قَالَ تَعَالَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [المزمل: ٢٠]. وَالرِّزْقُ: فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ.

صفحة رقم 171
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية