آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ
ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ ﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠ ﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽ ﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ

وَلَوْلا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ أي عقوبة بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ أي من الكفر والفساد فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أي بها.
وجواب لَوْلا الأولى محذوف، ثقة بدلالة الحال عليه. أي ما أرسلناك. لكن قولهم هذا عند عقوبتهم محقق. ولذا أرسلناك قطعا لمعاذيرهم.
قال الزمخشريّ: ولما كانت أكثر الأعمال تزاول بالأيدي، جعل كل عمل معبرا عنه باجتراح الأيدي، وتقديم الأيدي، وإن كان من أعمال القلوب. وهذا من الاتساع في الكلام، وتصيير الأقل تابعا للأكثر، وتغليب الأكثر على الأقل فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أي من قلب العصا حية، وفلق البحر، وغيرهما من الآيات. تعنتا وعنادا، كما قالوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ [هود: ١٢]، وما أشبه ذلك. وقوله: أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ رد عليهم، وإظهار لكون ما قالوه تعنتا محضا، لا طلبا لما يرشدهم إلى الحق. أي أو لم يكفر أبناء جنسهم، ومن مذهبهم مذهبهم، وعنادهم عنادهم وهم القبط، بما أوتي موسى من الكتاب قالُوا أي في موسى وهارون عليهما السلام (ساحران) تَظاهَرا أي تعاونا. وقرئ سِحْرانِ أي ذوا سحرين أو جعلوهما سحرين مبالغة وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ ثم أشار تعالى إلى أن الآية العظمى للنبيّ صلوات الله عليه، هي الآيات النفسية العلمية، لا الكونية الآفاقية التي كانت لغيره، جريا على سنة الارتقاء. فإن النوع الإنساني كان، لما جاء الإسلام قد استعد إلى معرفة الحق من الباطل بالبرهان، والتمييز بين الخير والشر بالدليل والحجة. وكان لا بد له في هذا الطور من معلّم ومرشد، كما في الأطوار الأخرى، أرسل الله إليه رسولا يهديه إلى طرق النظر والاستدلال، ويأمره بأن يرفض التقليد البحت والتسليم الأعمى. وأن لا يأخذ شيئا إلا بدليل وبرهان، يوصل إلى العلم. فكانت عمدته ﷺ في الاستدلال على نبوّته ورسالته نفسه الكريمة، وما جاء به من النور والهدى، كالطبيب الذي يستدل على إتقانه صناعة الطب، بما يبديه من العلم والعمل الناجح فيها. وقد بسط هذا في مواضعه. وهذا معنى قوله تعالى:
القول في تأويل قوله تعالى: [سورة القصص (٢٨) : الآيات ٤٩ الى ٥٥]
قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٤٩) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥٠) وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣)
أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٥٤) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (٥٥)

صفحة رقم 525

قُلْ أي لهؤلاء الجاحدين: قد مضى دور الخوارق التي تقترحونها، ونسخ تعالى من تلك الآيات بما أتى بخير منها، وهو آية الهداية التي تصلح بها قلوب العالمين. والذكرى التي تزع النفوس عن الشر، وتحملها على الخير. بحيث يظهر أثرها الحسن في المؤمنين، ويحق الشقاء على الجاحدين المعاندين. فإن يك هذا سحرا، ولديكم ما هو أهدى فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما أي من التوراة والقرآن أَتَّبِعْهُ أي ولا أعاندكم مثل ما تعاندونني إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ أي في أنهما سحران مختلقان. أو في أنه يمكن الإتيان بما هو أهدى منهما.
قال أبو السعود: ومثل هذا الشرط مما يأتي به من يدل بوضوح حجته وسنوح محجته. لأن الإتيان بما هو أهدى من الكتابين، أمر بيّن الاستحالة. فيوسع دائرة الكلام للتبكيت والإفحام. انتهى.
أي لا للشك والتردد.
قال الشهاب: وهذا جواب عما يقال أن عدم إتيانهم به معلوم. وهذا كما يقول المدلّ: إن كنت صديقك القديم، فعاملني بالجهل. وكذا في إيراد كلمة (إن) مع امتناع صدقهم، نوع تهكم بهم فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ أي فلم يأتوا بذلك الكتاب، ولم يتابعوا الكتابين فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ أي الزائغة من غير برهان وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ الاستفهام إنكاري للنفي. أي لا أحد أضل منه.
كيف لا؟ وهو أظلم الظلمة. بتقديم هواه على هدى الله. كما قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ أي الذين ظلموا أنفسهم بالانهماك في اتباع الهوى، والإعراض عن الآيات الهادية إلى الحق المبين.
قال الرازيّ: وهذا من أعظم الدلائل على فساد التقليد، وأنه لا بد من الحجة والاستدلال. انتهى. وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ أي أنزلنا عليهم القرآن متواصلا، بعضه إثر بعض، وعدا ووعيدا، وقصصا وعبرا، ومواعظ، حسبما تقتضيه

صفحة رقم 526

الحكمة والمصلحة إرادة أن يتذكروا فيفلحوا. وقرئ (وصّلنا) بالتشديد والتخفيف الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ أي القرآن هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ وهم مؤمنو أهل الكتاب وأولياؤهم وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ أي القرآن قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ أي من قبل نزوله مُسْلِمِينَ أي منقادين له، لما عندنا من المبشّرات به. أو على دين الإسلام، وهو إخلاص الوجه له تعالى بدون شرك أُولئِكَ أي الموصوفون بما ذكر من النعوت يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ يعني مرة على إيمانهم بكتابهم، ومرة على إيمانهم بالقرآن بِما صَبَرُوا أي بصبرهم وثباتهم على الإيمانين. أو على الإيمان بالقرآن قبل النزول وبعده. أو على أذى من نابذهم وَيَدْرَؤُنَ أي يدفعون بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أي بالحكمة الطيبة، ما يسوؤهم وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أي للبؤساء والفقراء، وفي سبيل البرّ والخير، فرارا عن وصمة الشحّ، وتنبها لآفاته. وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أي من الجهال. وهو كل ما حقه أن يلغى ويترك، من العبث وغيره أَعْرَضُوا عَنْهُ أي تكريما للنفس عن ملابسة الأدنياء، وتشريفا للسمع عن سقط باطلهم وَقالُوا أي لهم لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ أي بطريق التوديع والمتاركة وعن الحسن رضي الله عنه: كلمة حلم من المؤمنين لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ أي لا نريد مخالطتهم وصحبتهم، ولا نريد مجازاتهم بالباطل على باطلهم. قال الرازي: قال قوم: نسخ ذلك بالأمر بالقتال. وهو بعيد. لأن ترك المسافهة مندوب. وإن كان القتال واجبا.
تنبيه:
قال ابن كثير عن سعيد بن جبير: إنها نزلت في سبعين من القسيسين. بعثهم النجاشي. فلما قدموا النبيّ ﷺ قرأ عليهم يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [يس: ١- ٢]، حتى ختمها. فجعلوا يبكون وأسلموا.
وقال محمد بن إسحاق في (السيرة) : ثم قدم على رسول الله ﷺ وهو بمكة، عشرون رجلا أو قريب من ذلك من النصارى، حين بلغهم خبره من الحبشة. فوجدوه في المسجد. فجلسوا إليه وكلّموه وسألوه. ورجال من قريش في أنديتهم. حول الكعبة. فلما فرغوا من مساءلة رسول الله ﷺ عما أرادوا، دعاهم إلى الله تعالى وتلا عليهم القرآن. فلما سمعوا القرآن فاضت أعينهم من الدمع. ثم استجابوا لله وآمنوا به، وصدقوه وعرفوا منه ما كان يوصف لهم في كتابهم من أمره. فلما قاموا عنه اعترضهم أبو جهل بن هشام في نفر من قريش. فقالوا لهم: خيّبكم الله من ركب.

صفحة رقم 527
محاسن التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي
تحقيق
محمد باسل عيون السود
الناشر
دار الكتب العلميه - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية