آيات من القرآن الكريم

۞ وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗ

﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١) ﴾.
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنِ الْقَوْمِ الَّذِينَ لَوْ عَذَّبَهُمْ قَبْلَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، لَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُمْ لَمْ يَأْتِهِمْ رَسُولٌ: أَنَّهُمْ لَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِهِ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عليه (١) قالوا على

(١) في أ: "صلى الله عليه وسلم".

صفحة رقم 241

وَجْهِ التَّعَنُّتِ وَالْعِنَادِ وَالْكُفْرِ وَالْجَهْلِ وَالْإِلْحَادِ: ﴿لَوْلا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ﴾، يَعْنُونَ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ -: مِنَ الْآيَاتِ الْكَثِيرَةِ، مِثْلَ الْعَصَا وَالْيَدِ، وَالطُّوفَانِ وَالْجَرَادِ وَالْقُمَّلِ وَالضَّفَادِعِ وَالدَّمِ، وَتَنَقُّصِ (١) الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ، مِمَّا يَضِيقُ عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ، وَكَفَلْقِ الْبَحْرِ، وَتَظْلِيلِ الْغَمَامِ، وَإِنْزَالِ المنِّ وَالسَّلْوَى، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الْبَاهِرَةِ، وَالْحُجَجِ الْقَاهِرَةِ، الَّتِي أَجْرَاهَا اللَّهُ عَلَى يَدَيْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، حُجَّةً وَبَرَاهِينَ لَهُ عَلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ لَمْ يَنْجَعْ فِي فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ، بَلْ كَفَرُوا بِمُوسَى وَأَخِيهِ هَارُونَ، كَمَا قَالُوا لَهُمَا: ﴿أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الأرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ﴾ [يُونُسَ: ٧٨]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَكَذَّبُوهُمَا فَكَانُوا مِنَ الْمُهْلَكِينَ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: ٤٨]. وَلِهَذَا قَالَ هَاهُنَا: ﴿أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ﴾ أَيْ: أَوْلَمَ يَكْفُرِ الْبَشَرُ بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ تِلْكَ الْآيَاتِ الْعَظِيمَةِ. ﴿قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا،﴾، أَيْ تَعَاوَنَا، ﴿وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ﴾ أَيْ: بِكُلٍّ مِنْهُمَا كَافِرُونَ. وَلِشِدَّةِ التَّلَازُمِ وَالتَّصَاحُبِ وَالْمُقَارَنَةِ بَيْنَ مُوسَى وَهَارُونَ، دلَّ ذِكْرُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
فمَا أدْري إذَا يَمَّمْتُ أرْضًا... أريدُ الخَيْرَ أيهُمَا يَليني...
أَيْ: فَمَا أَدْرِي أَيَلِينِي الْخَيْرُ أَوِ الشَّرُّ. قَالَ مُجَاهِدُ بْنُ جَبْرٍ: أَمَرَتِ الْيَهُودُ قريشا أَنْ يَقُولُوا لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ، فَقَالَ اللَّهُ: ﴿أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا﴾ قَالَ: يَعْنِي مُوسَى وَهَارُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (٢) ﴿تَظَاهَرَا﴾ أَيْ: تَعَاوَنَا وَتَنَاصَرَا وَصَدَّقَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ. وَبِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَأَبُو رَزِين فِي قَوْلِهِ: ﴿ساحِران﴾ يَعْنُونَ: مُوسَى وَهَارُونَ. وَهَذَا قَوْلٌ جَيِّدٌ قَويّ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ مُسْلِمُ بْنُ يَسَار، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿قَالُوا ساحِرَانِ تَظَاهَرَا﴾ يَعْنِي: مُوسَى وَمُحَمَّدًا، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمَا (٣) وَهَذَا رِوَايَةٌ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ.
وَقَالَ الْحَسَنُ وقَتَادَةُ: يَعْنِي: عِيسَى وَمُحَمَّدًا، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ، وَهَذَا فِيهِ بُعْدٌ؛ لِأَنَّ عِيسَى لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ هَاهُنَا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ ﴿سِحْرَانِ تَظَاهَرَا﴾، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَالْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. يَعْنُونَ: التَّوْرَاةَ وَالْقُرْآنَ. وَكَذَا قَالَ عَاصِمٌ الجَنَديّ، والسُّدِّيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، قَالَ السُّدِّيُّ: يَعْنِي صَدّق كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْآخَرَ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: يَعْنُونَ: التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ. وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ (٤).
وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَقَتَادَةُ: الْإِنْجِيلُ وَالْقُرْآنُ. وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ، أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. وَالظَّاهِرُ عَلَى قِرَاءَةِ: ﴿سِحْرَانِ﴾ أَنَّهُمْ يَعْنُونَ: التَّوْرَاةَ وَالْقُرْآنَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَهُ: ﴿قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ﴾، وَكَثِيرًا مَا يُقْرِنُ اللَّهُ بَيْنَ التَّوْرَاةِ وَالْقُرْآنِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿قُلْ مَنْ أَنزلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ﴾ إِلَى أَنْ قَالَ: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ مُبَارَكٌ﴾ [الأنعام: ٩١، ٩٢]،

(١) في ت، ف، أ: "تنقيص".
(٢) في ف، أ: "عليهما السلام".
(٣) في ف: "عليهما وسلم".
(٤) تفسير الطبري (٢٠/٥٣).

صفحة رقم 242
تفسير القرآن العظيم
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي
تحقيق
سامي سلامة
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1420
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية