
مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٣٧)
شرح الكلمات:
إني قتلت منهم نفسا: أي نفس القبطي الذي قتله خطأ قبل هجرته من مصر.
أفصح مني لسان: اي أبين مني قولا.
ردءاً: أي معيناً لي.
سنشد عضدك بأخيك: أي ندعمك به ونقويك بأخيك هارون.
ونجعل لكما سلطاناً: أي حجة قوية يكون لكما بها الغلب.
فلا يصلون إليكما: أي بسوء.
بآياتنا: أي اذهبا بآياتنا.
فلما جاءهم موسى بآياتنا: أي العصا واليد وغيرهما من الآيات التسع.
بيناتٍ: أي واضحات.
سحر مفترى: أي مختلق مكذوب.
عاقبة الدار: أي العاقبة المحمودة في الدار الآخرة.
إنه لا يفلح الظالمون: أي المشركون الكافرون.
معنى الآيات:
لما كلف الله تعالى موسى بالذهاب إلى فرعون وحمله رسالته إليه قال موسى كالمشترط لنفسه ﴿قََالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً﴾ يريد نفس القبطي الذي قتله خطأ أيام كان شاباً بمصر ﴿فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ﴾ أي يقتلوني به إن لم أبين لهم وأفهمهم حجتي ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَاناً﴾ أي أبين مني قولاً وأكثر إفهاما لفرعون وملئه (فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءاً (١) } أي عونا ﴿يُصَدِّقُنِي﴾ أي (٢) يلخص قولي ويحرره لهم فيكون ذلك تصديقا منه لي، لا مجرد أني إذا قلت قال صدق موسى. وقوله ﴿إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ﴾ فيما جئتهم به. فأجابه الرب تعالى قائلا {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ
٢- قرأ نافع (يصدقني) بالجزم لأنه في جواب الطلب الذي هو: (فأرسله معي) وقرأ حفص بالرفع (يصدقني) على أن الجملة حال من الهاء في (أرسله).

بِأَخِيكَ} أي نقويك به ونعينك ﴿وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً﴾ أي برهانا وحجة قوية يكون لكما الغلب بذلك. وقوله ﴿فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا﴾ أي بسوء أبداً وقوله ﴿بِآياتِنَا (١) ﴾ أي اذهبا بآياتنا أو يكون لفظ بآياتنا متصلا بسلطاناً أي سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً بآياتنا ﴿أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾ وعلى هذا فلا نحتاج إلى تقدير فاذهبا وقوله تعالى ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مُوسَى بِآياتِنَا﴾ العصا واليد وغيرهما ﴿بَيِّنَاتٍ﴾ أي واضحات ﴿قَالُوا مَا هَذَا﴾ أي الذي جاء به موسى من الآيات ﴿إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً (٢) ﴾ أي مكذوب مختلق ﴿وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا﴾ أي الذي جئت به يا موسى في ﴿فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾ أي في أيامهم وعلى عهدهم. وهنا رد موسى على فرعون بأحسن رد وهو ما أخبر تعالى به عنه بقوله: ﴿وَقَالَ مُوسَى (٣) رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ﴾ أي من عند الرب تعالى ﴿وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ﴾ أي العاقبة المحمودة يوم القيامة (٤). ولم يقل له اسكت يا ضال يا كافر إنك من أهل النار بل تلطف معه غاية اللطف امتثالا لأمر الله تعالى في قوله ﴿فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى﴾ وقوله ﴿إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ أي الكافرون والمشركون بربهم هذا من جملة قول موسى لفرعون الذي تلطف فيه وألانه غاية اللين.
هداية الآيات
من هداية الآيات:
١- بيان أن القصاص كان معروفا معمولا به عند أقدم الأمم، وجاءت الحضارة الغربية فأنكرته فتجرأ الناس على
سفك الدماء وإزهاق الأرواح بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البشرية ولذلك صح أن تسمى الخسارة البشرية بدل الحضارة الغربية.
٢- مشروعية طلب العون عند التكليف بما يشق ويصعب من المسؤولين المكلفين.
٣- مشروعية التلطف في خطاب الجبابرة وإلانة القول لهم، بل هو مشروع مع كل من يدعى إلى الحق من أجل
أن يتفهم القول ولا يفلق عليه بالإغلاظ له.
٢- هذا شأن المحجوج المغلوب إذا أعيته الحجة يفزع إلى التلفيق والاتهامات الباطلة دفعا للمعرة.
٣- كان مقتضى الكلام في سياق الحوار أن يقال: قال موسى بدون واو العطف إلا أنه خولف هنا وأتي بالواو: (وقال موسى) وهي قراءة الجمهور والمقصود منها هو ذكر التوازن بين حجة فرعون وحجة موسى ليظهر للسامع التفاوت بينهما بخلاف لو حذفت الواو كما قرأ ابن كثير فإنها مجرد حكاية قول موسى عليه السلام فليس فيها ما يلفت النظر.
٤- (عاقبة الدار) قد يفهم منها فرعون: ما ينتهي إليه الخصام مع موسى إذا كان لا يؤمن بالمعاد وإن كان يؤمن بالمعاد فالأمر واضح.