
قوله: ﴿مِنَ الرهب﴾ : متعلِّقٌ بأحدِ أربعةِ أشياء: إمَّا ب «ولى»، وإمَّا ب «مُدْبِراً»، وإمَّا ب «اضْمُمْ» ويظهر هذا الثالث إذا فَسَّرنا الرَّهْبَ بالكُمِّ، وإمَّا بمحذوفٍ أي: [تَسْكُن] من الرَّهْب. وقرأ حفصٌ بفتح الراءِ
صفحة رقم 670
وإسكانِ الهاء. والأخَوان وابنُ عامرٍ وأبو بكرٍ بالضمِّ والإِسكان. والباقون بفتحتين. والحسن وعيسى والجحدريُّ وقتادة بضمتين. وكلُّها لغاتٌ بمعنى الخَوْفِ. وقيل: هو بفتحتين الكُمُّ بلغةِ حِمْير وحنيفة. قال الزمخشري: «هو مِنْ بِدَع التفاسير» قال: «وليت شعري كيف صِحَّتُه في اللغةِ، وهل سُمِع من الثقاتِ الأثباتِ الذين تُرْتَضَى عربيتُهم؟ ثم ليت شعري كيف موقعُه في الآيةِ وكيف تطبيقُه المفصَّلُ كسائرِ كلماتِ التنزيل. على أنَّ موسى صلوات الله عليه ليلةَ المُناجاة ما كان عليه إلاَّ رُزْمانِقَةٌ من صوف لا كُمَّيْ لها» الرُّزْمانِقَةُ: المِدْرَعَة.
قال الشيخ: «هذا مرويٌّ عن الأصمعي، وهو ثقةٌ سمعهم يقولون: أَعْطِني ما رَهْبِك أي: كُمِّك. وأمَّا قولُه كيف موقعُه؟ فقالوا: معناه أخرِجْ يدَك مِنْ كُمِّك» قلت: كيف يَسْتقيم هذا التفسير؟ يُفَسِّرون اضْمُمْ بمعنى أَخْرِجْ.
وقال الزمخشري: «فإنْ قلتَ: قد جُعِل الجناحُ وهو اليدُ في أحد الموضعين مضموماً، وفي الآخر مضموماً إليه، وذلك قوله: ﴿واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ﴾ وقوله ﴿واضمم يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ﴾ فما التوفيقُ بينهما؟ قلت: المرادُ بالجناحِ المضمومِ [هو] اليدُ اليمنى، وبالجناح المضمومِ إليه هو اليدُ اليسرى، وكلُّ واحدةٍ مِنْ يُمْنى اليدين ويُسْراهما جناح».

قوله: ﴿فَذَانِكَ﴾ قد تقدَّمَ قراءةُ التخفيفِ والتثقيلِ في سورة النساء وقرأ ابن مسعود وعيسى وشبل وأبو نوفل بياءٍ بعد نونٍ مكسورةٍ، وهي لغةُ هُذَيْلٍ. وقيل: تميمٌ. وروى شبل عن ابن كثير بياءٍ بعد نونٍ مفتوحةٍ. وهذا على لغةِ مَنْ يفتح نونَ التثنيةِ، كقوله:
٣٦٠٤ - على أَحْوَذِيَّيْنَ اسْتَقلَّتْ عَشِيَّةً | فما هي إلاَّ لَمْحَةٌ وتَغيبُ |
و «ذانِكَ» إشارةٌ إلى العصا واليد وهما مؤنثتان، وإنما ذُكِّر ما أُشير به إليهما لتذكيرِ خبرِهما وهو برهانان، كما أنه قد يُؤَنَّثُ لتأنيثِ خبرِه كقراءةِ ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ﴾ [الأنعام: ٢٣] فيمَنْ أََنَّثَ، ونَصَبَ «فِتْنَتَهم»، وكذا قولُ صفحة رقم 672

الشاعر:
٣٦٠٥ -......................... | فقد خابَ مَنْ كانَتْ سَرِيْرَتَه الغَدْرُ |
وقال الزمخشري هنا: «فإنْ قلتَ: لِمَ سُمِّيَتِ الحُجَّةُ بُرْهاناً؟ قلت: لبياضِها وإنارتِها، مِنْ قولِهم للمرأةِ البيضاء» بَرَهْرَهَةُ «بتكريرِ العين واللام. والدليلُ على زيادةِ النون قولهم: أَبْرَهَ الرجلُ إذا جاء بالبُرْهان. ونظيرُه تسميتُهم إياها سُلْطاناً، من السَّليطِ وهو الزيتُ لإِنارتِها».
قوله: ﴿إلى فِرْعَوْنَ﴾ متعلقٌ بمحذوفٍ فقدَّره أبو البقاء «مُرْسَلاً إلى فرعونَ» وغيرُه: اذهَبْ إلى فرعون. وهذا المقدَّرُ ينبغي أن يكونَ حالاً مِنْ «برهانان» أي: مُرْسَلاً بهما إلى فرعونَ. والعاملُ في هذه الحالِ ما في اسمِ الإِشارةِ. صفحة رقم 673