
٧١] (١) فكأن التقدير في هذه الآية: إذا حشرناهم وزعوا.
والفوج: الجماعة من الناس كالزمرة (٢). وأما تخصيص الفوج من الأمة المكذبة، فيحتمل أنه أريد بهم الرؤساء حشروا وجمعوا لإقامة الحجة عليهم، وهي ما ذكر في الآية الثانية.
﴿فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ قال ابن عباس: يدفعون (٣). وقال مقاتل: يساقون (٤).
وذكرنا الكلام مستقصى في هذا الحرف في هذه السورة (٥).
٨٤ - قوله: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوا﴾ أي موقف الحساب وعَرْصة القيامة (٦)، قال الله لهم: ﴿أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي﴾ قال ابن عباس: كذبتم أنبيائي، وجحدتم فرائضي وحدودي (٧). وهذا استفهام يتضمن الإنكار عليهم، والتهكم بهم.
(٢) "مجاز القرآن" ٢/ ٩٦. وأخرجه ابن جرير ٢٠/ ١٧، عن مجاهد.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٣٦ ب.
(٤) "تفسير مقاتل" ٦٢ ب.
(٥) عند قوله تعالى: ﴿وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾ ١٧.
(٦) العَرْصة: الأرض الواسعة ليس فيها بناء. "تهذيب اللغة" ٢/ ٢٠ (عرص)، و"اللسان" ٧/ ٥٢.
(٧) "تنوير المقباس" ٣٢٢، بلفظ: بكتابي ورسولي.

وقوله تعالى: ﴿وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [قال ابن عباس: ولم تختبروا حتى تفهموا وتسمعوا. وقال مقاتل: ﴿وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا﴾] (١) أنها باطل (٢). ومعنى هذا: كذبتم بآياتي غير عالمين بها. يعني: ولم تتفكروا في صحتها بل كذبتم بها جاهلين غير مستدلين لا عن خبرة ولا عن معرفة ببطلانها ﴿أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ حين لم تبحثوا عنها ولم تتفكروا فيها. هذا مذهب أهل التفسير في هذه الآية (٣).
وذكر صاحب النظم وجهًا آخر؛ فقال: قوله: ﴿وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا﴾ منسوق (٤) على قوله: ﴿أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي﴾ والاستفهام واقع عليه، إلا أن معنى الفصلين والاستفهامين مختلفان؛ لأن قوله: ﴿أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي﴾ تبكيت وإنكار؛ بمعنى: لمَ كذبتم بآياتي، وقوله: ﴿وَلَمْ تُحِيطُوا﴾ [بمنزلة: أوَ لَمْ تحيطوا بها علمًا] (٥)، أي: بالآيات، وتأويله: وقد أحطتم بها علمًا، كما قال -عز وجل-: ﴿أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ﴾ أي: قد شرحنا، فيكون التأويل: لِمَ كذبتم بآياتي وقد أحطتم بها علمًا، فلما كان ﴿لَمْ﴾ استفهامًا احتمل أن يوضع موضعه ألف الاستفهام؛ ثم بين -عز وجل- كيف أحاطوا بالآيات علمًا فصار ذلك تأييدًا لمذهبنا هذا؛ وهو قوله من بعده: ﴿أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ﴾ الآية، وقد تضع العرب الاستفهام في غير موضعه إذا
(٢) "تفسير مقاتل" ٦٢ ب.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٣٦ ب.
(٤) أي: معطوف.
(٥) ما بين المعقوفين ساقط من نسخة (ج). وفي نسخة (ب): بمنزلة: أو لم تحيطوا، وفي نسخة (أ) بمنزلة: ثم تحيطوا. ويوجد طمس في الحرف الذي قبل: لم.