آيات من القرآن الكريم

حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾ

خرجات، وروي أنها دابة مزغبة شعراء، وروي عن ابن عمر أنها على خلقة الآدميين وهي في السحاب وقوائمها في الأرض، وروي أنها جمعت من خلق كل حيوان، وذكر الثعلبي عن أبي الزبير نحوه، وروي أنها دابة مبثوث نوعها في الأرض فهي تخرج في كل بلد وفي كل قوم، فعلى هذا التأويل دَابَّةً إنما هو اسم جنس، وحكى النقاش عن ابن عباس أنها الثعبان المشرف على جدار الكعبة التي اقتلعتها العقاب حين أرادت قريش بناء الكعبة، وقرأ جمهور الناس «تكلمهم» من الكلام، وفي مصحف أبيّ «تنبئهم»، وفسرها عكرمة بتسمهم قال قتادة: وفي بعض القراءة تحدثهم.
وقرأ أبو زرعة بن عمرو بن جريج «تكلمهم» بكسر اللام من الكلم وهو الجرح، قال أبو الفتح: وهي قراءة ابن عباس وابن جبير ومجاهد والجحدري، وقال ابن عباس: كلا والله تفعل تكلمهم وتكلمهم.
قال القاضي أبو محمد: وروي في هذا أنها تمر على الناس فتسم الكافر في جبهته وتزجره وتشتمه وربما حطمته وتمسح على وجه المؤمن فتبيضه ويعرف بعد ذلك الإيمان والكفر من أثرها، وقرأ جمهور القراء «إن الناس» بكسر «إن» وقرأ حمزة والكسائي وعاصم «أن» بفتح الألف، وفي قراءة عبد الله «تكلمهم بأن» وهذا تصديق للفتح، وعلى هذه القراءة يكون قوله أَنَّ النَّاسَ إلى آخر القراءة من تمام كلام الدابة، وروي ذلك عن ابن عباس ويحتمل أن يكون ذلك من كلام الله عز وجل.
قوله عز وجل:
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٨٣ الى ٨٧]
وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ (٨٣) حَتَّى إِذا جاؤُ قالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآياتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِها عِلْماً أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨٤) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ (٨٥) أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٨٦) وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ (٨٧)
المعنى واذكر يوم، وهذا تذكير بيوم القيامة ونَحْشُرُ نجمع، ومِنْ كُلِّ أُمَّةٍ يريد من كل قرن من الناس متقدم، لأن كل عصر لم يخل من كفرة بالله من لدن تفرق بني آدم، و «الفوج» الجماعة الكثيرة من الناس والمعنى ممن حاله أنه مكذب بآياتنا، ويُوزَعُونَ معناه يكفون في السوق أي يحبس أولهم على آخرهم، قال قتادة وغيره: ومنه وازع الجيش، وفيه يقول عبد الشارق بن عبد العزى: [الوافر]

فجاؤوا عارضا بردا وجئنا كمثل السيل نركب وازعينا
ثم أخبر تعالى عن توقيفه الكفرة يوم القيامة وسؤالهم على جهة التوبيخ أَكَذَّبْتُمْ الآية، ثم قال أَمَّا ذا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ على معنى استيفاء الحجج، أي إن كان لكم عمل أو حجة فهاتوها، وقرأ أبو حيوة «أما ذا كنتم تعملون» بتخفيف الميم، ثم أخبر عن وقوع القول عليهم أي نفوذ العذاب وحتم القضاء وأنهم لا يَنْطِقُونَ بحجة لأنها ليست لهم وهذا في موطن من مواطن القيامة وفي فريق من الناس لأن القرآن يقتضي أنهم يتكلمون بحجج في غير هذا الموطن.

صفحة رقم 271

ثم ذكر تعالى الآية في اللَّيْلَ وكونه وقت سكون واتداع لجميع الحيوان والمهم من ذلك بنو آدم، وكون النَّهارَ مُبْصِراً أي ذا إبصار، وهذا كما تقول ليل قائم ونهار صائم، ومعنى ذلك يقام فيه ويصام، فكذلك هذا، معناه يبصر فيه فهو لذلك ذو إبصار، ثم تجوز بأن قيل مُبْصِراً فهو على النسب كعيشة راضية، و «الآيات» في ذلك هي للمؤمنين والكافرين، هي آية لجميعهم في نفسها، لكن من حيث الانتفاع بها والنظر النافع إنما هو للمؤمنين فلذلك خصوا بالذكر، ثم ذكر تعالى يوم يُنْفَخُ فِي الصُّورِ، وهو القرن في قول جمهور الأمة، وهو مقتضى الأحاديث، وقال مجاهد: هو كهيئة البوق، وقالت فرقة: «الصور» جمع صورة كتمرة وتمر وجمرة وجمر والأول أشهر، وفي الأحاديث المتداولة أن إسرافيل عليه السلام هو صاحب «الصور» وأنه قد جثا على ركبته الواحدة وأقام الأخرى وأمال خده والتقم القرن ينتظر متى يؤذن له في النفخ، وهذه النفخة المذكورة في هذه الآية هي نفخة الفزع، وروى أبو هريرة أن الملك له في الصور ثلاث نفخات: نفخة الفزع وهو فزع حياة الدنيا وليس بالفزع الأكبر، ونفخة الصعق، ونفخة القيام من القبور، وقالت فرقة إنما هي نفختان كأنهم جعلوا الفزع والصعق في نفخة واحدة، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر: ٦٨] وقالوا: أخرى لا يقال إلا في الثانية.
قال القاضي أبو محمد: والقول الأول أصح، وأُخْرى [الزمر: ٦٨] يقال في الثالثة ومنه قول ربيعة بن مكدم: [الكامل] «ولقد شفعتهما بآخر ثالث» ومنه قوله تعالى: وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى [النجم: ٢٠].
وأما قول الشاعر: [مجزوء الكامل]
جعلت لها عودين من... نشم وآخر من ثمامه
فيحتمل أن يريد به ثانيا وثالثا فلا حجة فيه، وقال تعالى: فَفَزِعَ وهو أمر لم يقع بعد إشعارا بصحة وقوعه وهذا معنى وضع الماضي موضع المستقبل، وقوله تعالى: إِلَّا مَنْ شاءَ اللَّهُ استثناء فيمن قضى الله تعالى من ملائكته وأنبيائه وشهداء عبيده أن لا ينالهم فزع النفخ في الصور، قال أبو هريرة: هي في الشهداء، وذكر الرماني أنه قول النبي صلى الله عليه وسلم، وقال مقاتل: هي في جبريل عليه السلام وميكائيل وإسرافيل وملك الموت، وإذا كان الفزع الأكبر لا ينالهم فهم حريون أن لا ينالهم هذا.
قال القاضي أبو محمد: على أن هذا في وقت ترقب وذلك في وقت أمن إذ هو إطباق جهنم على أهلها، وقرأ جمهور القراء «وكل آتوه» على وزن فاعلوه، وقرأ حمزة وحفص عن عاصم «أتوه» على صيغة الفعل الماضي وهي قراءة ابن مسعود وأهل الكوفة، وقرأ قتادة «أتاه» على الإفراد اتباعا للفظ «كل» وإلى هذه القراءة أشار الزجاج ولم يذكرها، و «الداخر» المتذلل الخاضع، قال ابن زيد وابن عباس: «الداخر» الصاغر، وقرأ الحسن «دخرين» بغير ألف، وتظاهرت الروايات بأن الاستثناء في هذه الآية إنما أريد به الشهداء لأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، وهم أهل للفزع لأنهم بشر لكن فضلوا بالأمن في ذلك اليوم.

صفحة رقم 272
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية