
الصفة مقام الموصوف، ولا ينبغي أن يحمل على ذلك ما وجد مندوحة عنه (١).
قوله تعالى: ﴿مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد أن مكرهم يبور، ويرجع إلى الذل والقتل.
وقال مقاتل: يقول: لا يضيق صدرك بما يقولون (٢).
وهذه الآية مذكورة في آخر سورة النحل، وقد مر تفسيرها (٣).
٧١ - ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ﴾ الذي تعدنا يا محمد به من العذاب (٤) ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ بأنه يكون، وأن العذاب نازل بنا. قاله مقاتل والكلبي (٥).
٧٢ - قال الله تعالى: ﴿قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ﴾ يقال: رَدِفَه يَرْدِفه (٦) رِدْفًا؛ إذا تبعه. قال أبو زيد: يقال: رَدِفْتُ الرجلَ وأردفَته؛ إذا ركبت خلفه، وأنشد:
إذا الجوزاء أردفت الثريا (٧)
(٢) "تفسير مقاتل" ٦٢ أ.
(٣) وهي قوله تعالى: ﴿وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ﴾ [١٢٧].
(٤) "تفسير الهواري" ٣/ ٢٦٣، ولم ينسبه.
(٥) "تفسير مقاتل" ٦٢ أ، و"تنوير المقباس" ٣٢١.
(٦) يردفه في نسخة (ج).
(٧) "تهذيب اللغة"١٤/ ٩٦ (ردف)، من إنشاد أبي زيد، ونسب إلى خزيمة القضاعي، وعجزه:
ظننت بآل فاطمة الظنونا
وأنشده في "لسان العرب" ٩/ ١١٥، ونسبه لخزيمة بن مالك بن نَهْد.

وذكرنا الكلام في هذا عند قوله: ﴿بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ [الأنفال: ٩] (١).
قال ابن عباس في معنى: ﴿رَدِفَ لَكُمْ﴾ قرب لكم (٢). وهو قول مقاتل (٣). وقال السدي: اقترب لكم (٤).
وقال قتادة: أزف لكم (٥). وقال الكلبي: دنا لكم (٦). وهذه ألفاظ معناها واحد. قال الفراء: فكأن اللام دخلت إذ كان المعنى: دنا، كما قال الشاعر:
فقلتُ لها الحاجاتُ يطرحنَ بالفتى | وهمٌّ تعنَّاني مُعَنّى ركائبُهُ (٧) |
(٢) ذكره البخاري معلقًا بصيغة الجزم بلفظ: اقترب. "فتح الباري" ٨/ ٥٠٤. ووصله ابن جرير ٢٠/ ٩، من طريق علي بن أبي طلحة، بلفظ: اقترب لكم.
(٣) "تفسير مقاتل" ٦٢ أ.
(٤) أخرجه ابن جرير ٢٠/ ٩، عن الضحاك. وابن أبي حاتم ٩/ ٢٩١٧، عن مجاهد.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٩١٧، عن مجاهد.
(٦) "تنوير المقباس" ٣٢١، وذكره الثعلبي ٨/ ١٣٤ ب، ولم ينسبه.
(٧) أنشده الفراء، ولم ينسبه. "معاني القرآن" ٢/ ٢٩٩، وأنشده كذلك ابن جرير ٢٠/ ١٠، وهو في "لسان العرب" ١٥/ ١٠٦، غير منسوب، وفيه: عانى الشيء: قاساه، والمعاناة: المقاساة، يقال: عاناه، وتعناه، وتعنى.

تقول العرب: نفذت له مائة، أي: نفذته (١). وهذا قول الأخفش والزجاج والمبرد؛ قالوا: المعنى: ردفكم، فزيدت اللام توكيدًا كما زادوها في: لا أبا لك، و: يا بؤس للحرب (٢)، ومثله في كتاب الله: ﴿وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ﴾ [الزمر: ١٢] أي: أمرت أن أكون، وبأن أكون (٣).
وقال أبو الهيثم يقال: رَدِفْت فلانًا، ورَدِفتُ لفلانٍ، أي: صرت له رِدْفًا. قال: وتزيد العرب اللام مع الفعل الواقع في الاسم المنصوب فتقول: سمع له، وشكر له، ونصح له، أي: سمعه وشكره ونصحه (٤).
وقد ذكرنا مثل هذا في قوله: ﴿لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ [الأعراف: ١٥٤] (٥).
(٢) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٥١. و"المقتضب" ٢/ ٣٧. و"معاني القرآن" للزجاج ٤/ ١٢٨. وليس فيها ذكر قول: لا أبا لك ويا بؤس للحرب.
(٣) "معاني القرآن" للأخفش ٢/ ٦٥١.
(٤) "تهذيب اللغة" ١٤/ ٩٦ (ردف).
(٥) قال الواحدي في تفسير هذه الآية: واختلفوا في وجه دخول اللام في قوله: ﴿لِرَبِّهِمْ﴾ فقال الكسائي: لما تقدم المفعول على الفعل حسنت اللام، قال: وهذا مما مات من الغريب، وقد كان يقال: لك أكرمت، ولك حدثت، فمات، ولو قلت: أكرمت لك، تريد: أكرمتك كان قبيحًا، وهو جائز؛ كما تقول: هو مكرم لك، وهو ضارب لك، بمعنى: مكرمك، وضاربك، فحسن في موضع وقبح في آخر والأصل واحد. قال النحويين: لما تقدم المفعول ضعف عمل الفعل فيه، فصار بمنزلة ما لا يتعدى فأدخل اللام.. فعلى هذا اللام في قوله: ﴿لِرَبِّهِمْ﴾ صلة =

وقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾ [يوسف: ٤٣] (١).
وقال مجاهد في قوله: ﴿رَدِفَ لَكُمْ﴾ عجل لكم (٢).
وعن ابن عباس: حضركم (٣). وقال ابن قتيبة: تبعكم (٤).
وقال الزجاج: معناه في اللغة: ركبكم وجاء بعدكم (٥).
ومعنى الآية: أن الله تعالى أمر نبيه -عليه السلام- أن يقول للذين يستعجلون العذاب: إن بعض ما تستعجلون من العذاب قد دنا لكم.
قال المفسرون: فكان بعض الذي دنا لهم القتل ببدر، وسائر العذاب لهم فيما بعد الموت (٦). ثم ذكر فضله في تأخير العذاب؛ فقال:
(١) قال الواحدي في تفسير هذه الآية: فأما اللام في قوله: [رُّؤْيَا] فقال أحمد بن يحيى: أراد: إن كنتم للرؤيا عابرين، وإن كنتم عابرين للرؤيا، تسمى هذه اللام لام التعقيب؛ لأنها عقبت الإضافة المعنى: إن كنتم عابري الرؤيا. وقال ابن الأنباري: دخلت اللام مؤكدة مفيدة معنى التأكيد. وقيل: إنها أفادت معنى: إلى، وكأن ملخصها: إن كنتم توجهون العبارة إلى الرؤيا. ثم أحال على سورة الأعراف [١٥٤] في قوله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾.
(٢) "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٧٥، وأخرجه ابن جرير ٢٠/ ١٠، بلفظ: أعجل لكم، وبلفظ: أزف. وذكر الهواري ٣/ ٢٦٣، عن مجاهد: اقترب لكم. وأخرجه كذلك ابن أبي حاتم ٩/ ٢٩١٧.
(٣) "تفسير الثعلبي" ٨/ ١٣٤ ب.
(٤) "غريب القرآن" لابن قتيبة ٣٢٦.
(٥) في "مجاز القرآن" ٢/ ٩٦: جاء بعدكم.
(٦) "تفسير مقاتل" ٦٢ أ، بنصه. و"تفسير الثعلبي" ٨/ ١٣٤ ب، ولم ينسبه. وذكر الهواري ٣/ ٢٦٣، عن الحسن: بعض الذي تستعجلون من عذاب الله، يعني: قيام الساعة التي يهلك الله بها آخر كفار هذه الأمة.