آيات من القرآن الكريم

أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا ۗ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ

«إخواء البيوت» وخرابها مما أخبر الله تعالى به في كل الشرائع أنه مما يعاقب به الظلمة وفي التوراة:
ابن آدم لا تظلم يخرب بيتك، وخاوِيَةً نصب على الحال التي فيها الفائدة، ومعناها خالية قفرا، قال الزجاج وقرئت «خاوية» بالرفع وذلك على الابتداء المضمر أي «هي خاوية»، أو على الخبر عن تلك، وبُيُوتُهُمْ بدل أو على خبر ثان، وهذه البيوت المشار إليها هي التي قال فيها رسول الله ﷺ عام تبوك «لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين» الحديث، ثم قال تعالى وَلُوطاً تقديرة «واذكر لوطا»، والْفاحِشَةَ إتيان الرجال في الأدبار، وتُبْصِرُونَ معناه بقلوبكم أنها خطيئة وفاحشة، وقالت فرقة تُبْصِرُونَ بأبصاركم لأنهم كانوا ينكشفون بفعل ذلك ولا يستتر بعضهم من بعض، واختلف القراء في قوله أَإِنَّكُمْ وقد تقدم، وقرأ جمهور الناس «جواب» نصبا، وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق «جواب» بالرفع، ونسب ابن جني قراءة النصب إلى الحسن وفسّرها في الشاذ، وأخبر الله تعالى عن قوم لوط أنهم تركوا في جوابهم طريق الحجة وأخبروا بالمبالغة فتأمروا بإخراجه وإخراج من آمن معه ثم ذموهم بمدحه، وهي «التطهر» من هذه الدناءة التي أصفقوا هم عليها قال قتادة هابوهم والله بغير عيب، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر «قدرناها» بتخفيف الدال، وقرأ جمهور القراء «قدّرناها» بشدّ الدال، الأولى بمعنى جعلناها وحصلناها والثانية بمعنى قدرناها عليها من القضاء والقدر، و «الغابرون»، الباقون في العذاب، وغبر بمعنى بقي، وقد يجيء أحيانا في بعض كلام العرب يوهم أنه بمعنى مضى، وإذا تؤمل توجه حمله على معنى البقاء، و «المطر» الذي مطر عليهم هي حجارة السجيل أهلكت جميعهم، وهذه الآية أصل لمن جعل من الفقهاء الرجم في اللوطية، وبها تأنس لأن الله تعالى عذبهم على كفرهم به وأرسل عليهم الحجارة لمعصيتهم ولم يقس هذا القول على الزنا فيعتبر الإحصان.
بل قال مالك وغيره يرجمان في اللوطية أحصنا أو لم يحصنا وإنما ورد عن النبي ﷺ «اقتلوا الفاعل والمفعول به» فذهب من ذهب إلى رجمهما بهذه الآية.
قوله عز وجل:
[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٥٩ الى ٦١]
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩) أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (٦٠) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٦١)
قرأ أبو السمال «قل» بفتح اللام وكذلك في آخر السورة وهذا ابتداء تقرير وتنبيه لقريش وهو

صفحة رقم 265

بعد يعم كل مكلف من الناس جميعا، وافتتح ذلك بالقول بحمده وتحميده وبالسلام على عباده الذين اصطفاهم للنبوءة والإيمان، فهذا اللفظ عام لجميعهم من بني آدم، وكان هذا صدر خطبة للتقرير المذكور. وقال ابن عباس العباد المسلم عليهم هم أصحاب النبي ﷺ واصطفاهم لنبيه.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا الاختصاص توبيخ للمعاصرين من الكفار، وقال الفراء الأمر بالقول في هذه الآية هو للوط عليه السلام.
قال القاضي أبو محمد: وهذه عجمة من الفراء رحمه الله، ثم وقف قريشا والعرب على جهة التوبيخ على موضع التباين بين الله عز وجل وبين الأوثان والأنصاب، وقرأ جمهور الناس «تشركون» بالتاء من فوق، وحكى المهدوي عن أبي عمرو وعاصم «يشركون» بالياء من تحت، وفي هذا التفضيل بلفظة خَيْرٌ أقوال، أحدها أن التفضيل وقع بحسب معتقد المشركين إذ كانت تعتقد أن في آلهتها خيرا بوجه ما، وقالت فرقة في الكلام حذف مضاف في موضعين التقدير أتوحيد الله خير أم عبادة ما تشركون، «فما» في هذه الآية بمعنى الذي، وقالت فرقة «ما» مصدرية وحذف المضاف إنما هو أولا تقديره أتوحيد الله خير أم شرككم، وقيل خَيْرٌ هنا ليست بأفعل إنما هي فعل كما تقول الصلاة خير دون قصد تفضيل.
قال القاضي أبو محمد: وقد تقدم أن هذه الألفاظ التي تعم معاني كثيرة كخير وشر وأحب ونحو ذلك قد يقع التفضيل بها بين أشياء متباينة لأن المتباينات قدر بما اشترك فيها ولو بوجه ضعيف بعيد، وأيضا فهذا تقرير والمجادل يقرر خصمه على قسمين أحدهما فاسد، ليرى وقوعه وقد استوعبنا هذا فيما مضى، وقالت فرقة تقدير هذه الآية «الله ذو خير أما تشركون».
قال القاضي أبو محمد: وهذا النوع من الحذف بعيد تأوله، وقرأ الحسن وقتادة وعاصم «يشركون» بالياء من تحت، وقرأ أهل المدينة ومكة والكوفة بالتاء من فوق وقوله تعالى. أَمَّنْ خَلَقَ وما بعدها من التوقيفات، توبيخ لهم وتقرير على ما لا مندوحة لهم عن الإقرار به، وقرأ الجمهور «أمّن» بشد الميم وهي «أم» دخلت على «من»، وقرأ الأعمش «أمن» بفتح الميم مسهلة وتحتمل هذه القراءة أن تكون «أمن» استفهاما فتكون في معنى «أم من» المتقدمة، ويحتمل أن تكون الألف للاستفهام ومن ابتداء وتقدير الخير يكفر بنعمته ويشرك به ونحو هذا من المعنى، و «الحدائق» مجتمع الشجر من الأعناب والنخيل وغير ذلك، قال قوم لا يقال حديقة إلا لما عليه جدار قد أحدق به، وقال قوم يقال ذلك كان جدارا أو لم يكن لأن البياض محدق بالأشجار والبهجة الجمال والنضرة، وقرأ ابن أبي عبلة «ذوات بهجة» بجمع «ذات» وفتح الهاء من «بهجة»، ثم أخبر على جهة التوقيف أنه ما كانَ للبشر أي ما يتهيأ لهم ولا يقع تحت قدرهم أن ينبتوا شجرها، لأن ذلك بإخراج شيء من العدم إلى الوجود، وقد تقدم ترتيب القراءة في الهمزتين من قوله «أإلاه» وأ إذا وأ إنك لأنت يوسف»، قال أبو حاتم القراءة باجتماع الهمزتين محدثة. لا توجد في كلام العرب ولا قرأ بها قارئ عتيق، ويَعْدِلُونَ يجوز أن يراد به يعدلون عن طريق الحق أن يجورون في فعلهم، ويجوز أن يراد يعدلون بالله غيره أي يجعلون له عديلا ومثيلا، وخِلالَها معناه بينها وأثناءها، و «الرواسي» الجبال، رسا الشيء يرسو إذا ثبت وتأصل، و «البحران»، الماء العذب بجملته والماء الأجاج بجملته، و «الحاجز» ما جعل الله بينهما من حواجز الأرض وموانعها على رقتها في بعض المواضع ولطافتها

صفحة رقم 266
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية