آيات من القرآن الكريم

أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا ۗ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ
ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥ ﰿ ﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆ

أإنكم لتأتون الرجال في أدبارهم؟ متجاوزين النساء، وهن محل ذلك العمل وخلقن لأجله، تأتون ذلك الفعل المنكر للشهوة فقط لا لشيء آخر، وهذا تفسير للفاحشة التي ذكرت أولا، بل أنتم قوم تجهلون حقيقة ما خلقت المرأة له، وتجهلون أنفسكم ومكانكم في المجتمع الإنسانى، وتجهلون خطر ما أقدمتم عليه، ومقدار دعوة نبيكم الذي أرسل رحمة لكم.
فما كان جواب قومه على هذا إلا أن قالوا: أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون! يا للعجب يأمرون بإخراج لوط ومن آمن به من القرية لأنهم أناس يتطهرون!! يا للعجب العاجب. من الناس من ينقمون على إخوانهم، لأنهم آمنوا بربهم، ودعوا غيرهم إلى الدين الحق!! ولكن هل يغفل الحق- تبارك وتعالى- أمر هؤلاء وهؤلاء؟ لا. أبدا.. لن يكون ذلك، فهذا لوط مع قومه العتاة العصاة المتجبرين. قد نجاه الله وأهله الذين آمنوا معه إلا امرأته فقد قضى عليها أن تكون من الهالكين، ولم ينفعها قربها من لوط، ما دامت تستحق الهلاك لكفرها وأمطر الله على العصاة المتكبرين مطر السوء فأبادهم وخسف بهم الأرض، فساء وقبح مطر المنذرين، وتلك عاقبة العصاة الفاسقين.
الشواهد الدالة على الوحدانية والقدرة [سورة النمل (٢٧) : الآيات ٥٩ الى ٦٦]
قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩) أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (٦٠) أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٦١) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٦٢) أَمَّنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ تَعالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٣)
أَمَّنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦٤) قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٦٥) بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْها بَلْ هُمْ مِنْها عَمُونَ (٦٦)

صفحة رقم 798

المفردات:
اصْطَفى اختار حَدائِقَ جمع حديقة وهي البستان عليه سور وحائط لأن الحائط أحدق بها بَهْجَةٍ البهجة: حسن المنظر يَعْدِلُونَ يميلون. يقال: عدل عنه أى مال عنه قَراراً مكانا يقر عليه الإنسان وغيره بمعنى يستقر خِلالَها أى: بين جهاتها المختلفة حاجِزاً مانعا الْمُضْطَرَّ الذي أصابه الضر بُشْراً مخفف بشرا جمع بشير، والمراد مبشرات ادَّارَكَ أصله تدارك بمعنى تلاحق عَمُونَ جمع أعمى.
ولما فرغ من قصص تلك السورة عاد إلى خطاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، إذ هو المقصود الأول، وكأن أمر المصطفى صلّى الله عليه وسلّم بالحمد والتسليم صدر خطبة لما يلقى بعد ذلك من البراهين والشواهد الدالة على الوحدانية والعلم والقدرة الكاملة.

صفحة رقم 799

المعنى:
قل يا محمد: الحمد لله، الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون، نحمده- سبحانه- الذي منّ على الأمة المحمدية، بنور القرآن، وشرفها بأن منع عنها عذاب الاستئصال وهلاك الأمم السابقة، وأبقى لها المعجزة الكبرى على مر الأيام والعصور، وهي معجزة القرآن، وسلام من الله وتحية من عنده مباركة طيبة، على عباده المؤمنين ورسله المصطفين الأخيار، الذين صبروا وصابروا على مشاق الرسالة، وتكاليف النبوة، فكان لهم من الله الأجر والثواب الجزيل.
أيها الناس: آلله خير أم ما يشركون؟ آلله خير لمن عبده أم الأصنام لمن عبدها؟ وفي هذا تبكيت للمشركين وتأنيب لهم لأنهم آثروا عبادة الأصنام على عبادة الواحد القهار ففي هذا الكلام تنبيه لهم على نهاية الضلال والجهل،
روى عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه كان إذا قرأها قال: «بل الله خير وأبقى وأجلّ وأكرم».
ثم إنه- تعالى- ذكر ما يفيد أنه المستحق للعبادة دون سواه، إذ هو الخالق للسماء والأرض، والذي يجيب المضطر إذا دعاه وهو الهادي في ظلمات البر والبحر، وهو عالم الغيب والشهادة، ولا يطلع على علمه أحدا، وسيعلم الذين ظلموا كل هذا، يوم لا تنفعهم معذرتهم في شيء، وفي هذا من دلائل القدرة، وكمال الوحدانية، وتمام العلم ما لا يخفى.
أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ؟!!، والمعنى بل من خلق السماء وما فيها والأرض وما عليها، وأنزل لكم من السماء ماء فأنبت بسببه حدائق وبساتين وزروعا وأشجارا ذات لون بهيج، ورواء جميل، ما كان لكم أيها الناس أن تنبتوا شجرها؟ أمن خلق هذا كله كمن لم يخلق شيئا؟ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ؟ أَفَلا تَذَكَّرُونَ؟ أغير الله يقرن به في العبادة، ويجعل شريكا له في القداسة؟!! بل هم قوم يعدلون عن هذا الحق الظاهر، ويجعلون لله عدلا وشريكا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [سورة الأنعام آية ١].

صفحة رقم 800

بل من جعل الأرض قرارا يستقر عليها الإنسان وغيره، ويعيش عليها، فقد جعل الله الأرض رغم كرويتها ودورانها السريع صالحة للاستقرار والمعيشة عليها بهذا النظام الدقيق، وما كانت الزلازل التي تصيب الأرض في بعض الظروف إلا ليشعر العالم أجمع بما هو فيه من نعمة الاستقرار على الأرض، وقد جعل الأنهار تجوس خلالها غادية ورائحة ليتمتع الإنسان الحي بتلك النعم، وقد جعل لها رواسى من الجبال والهضاب لئلا تميد بنا وتضطرب مع ما في تلك الجبال من منافع، فحقا صدق الله خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً، وقد خلق الله على الأرض البحرين العذب الفرات، والملح الأجاج، وجعل بينهما حاجزا من اليابس لئلا يطغى أحدهما على الآخر إذ في كل منهما خير ومنفعة لك يا ابن آدم؟ أمن جعل لك كل هذا كمن لم يجعل لك ولا لنفسه شيئا؟! أيليق أن يكون مع صاحب هذه النعم والقدر إله يعبد؟ بل أكثر الناس لا يعلمون الحق فيتبعونه..
الله- سبحانه- خلق لنا السماء والأرض والبحار والأنهار، والزروع والأشجار، وهل تركنا بعد ذلك؟ لا. إننا محتاجون إليه، وهو- سبحانه- يكشف عنا الضر إذا نزل.
بل أمن يجيب المضطر إذا دعاه [والمضطر من أصابه ضر من فقر أو مرض أو حاجة دعته إلى الالتجاء والاضطرار] ويكشف عنه السوء إذا التجأ إلى ربه حقا ودعاه، وهو الذي جعلكم أيها الناس خلفاء في الأرض لغيركم، فكل منا وارث لأبيه وسيرثه ابنه، والدنيا كالمنزل يأوى إليه جماعة من الناس ليلا ثم يفارقونه نهارا، ويخلفهم آخرون؟ أمن يفعل هذا كمن لا يفعل شيئا؟ أيكون مع الله إله آخر تدعونه، وهو لا ينجيكم من البحر، ولا ينقذكم من الضر، ولا يدفع عنكم سوءا؟!! ما تذكرون ذلك إلا ذكرا قليلا.
الله يحرسنا بعين لا تنام، ويحفظنا بقدرة لا ترام، ويكلؤنا ويهدينا في ظلمات البر والبحر حتى ننجو بسلام. وسبحانه وتعالى عما يشركون.
بل من يهديكم أيها الناس في ظلمات البر والبحر؟ حيث أودع فيكم عقلا وفكرا، وهداكم إلى العلم والمعرفة التي بها تعرفون اتجاهكم وسيركم بمقاييس مضبوطة، نعم هو

صفحة رقم 801
التفسير الواضح
عرض الكتاب
المؤلف
محمد محمود حجازي
الناشر
دار الجيل الجديد
سنة النشر
1413
الطبعة
العاشرة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية