آيات من القرآن الكريم

أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا ۗ أَإِلَٰهٌ مَعَ اللَّهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ
ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿ ﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝ ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ

[سورة النمل (٢٧) : الآيات ٥٩ الى ٦٠]

قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩) أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (٦٠)
أمر رسوله ﷺ أن يتلو هذه الآيات الناطقة بالبراهين على وحدانيته وقدرته على كل شيء وحكمته، وأن يستفتح بتحميده والسلام على أنبيائه والمصطفين من عباده. وفيه تعليم حسن، وتوقيف على أدب جميل، وبعث على التيمن بالذكرين، والتبرك بهما، والاستظهار بمكانهما على قبول ما يلقى إلى السامعين وإصغائهم إليه، وإنزاله من قلوبهم المنزلة التي يبغيها المسمع. ولقد توارث العلماء والخطباء والوعاظ كابرا عن كابر هذا الأدب، فحمدوا الله عزّ وجل وصلوا على رسول الله ﷺ أمام كل علم مفاد وقبل كل عظة وتذكرة، وفي مفتتح كل خطبة، وتبعهم المترسلون فأجروا عليه أوائل كتبهم في الفتوح والتهاني وغير ذلك من الحوادث التي لها شأن. وقيل: هو متصل بما قبله، وأمر بالتحميد على الهالكين من كفار الأمم والصلاة على الأنبياء عليهم السلام وأشياعهم الناجين. وقيل: هو خطاب للوط عليه السلام، وأن يحمد الله على هلاك كفار قومه، ويسلم على من اصطفاه الله ونجاه من هلكتهم وعصمه من ذنوبهم. معلوم أن لا خير فيما أشركوه أصلا حتى يوازن بينه وبين من هو خالق كل خير ومالكه، وإنما هو إلزام لهم وتبكيت «١» وتهكم بحالهم، وذلك أنهم آثروا عبادة الأصنام على عبادة الله، ولا يؤثر عاقل شيئا على شيء إلا لداع يدعوه إلى إيثاره من زيادة خير ومنفعة، فقيل لهم، مع العلم بأنه لا خير فيما آثروه، وأنهم لم يؤثروه لزيادة الخير ولكن هوى وعبثا، لينبهوا على الخطإ المفرط والجهل المورط وإضلالهم التمييز ونبذهم المعقول وليعلموا أنّ الإيثار يجب أن يكون للخير الزائد. ونحوه ما حكاه عن فرعون أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ مع علمه أنه ليس لموسى مثل أنهاره التي كانت تجرى تحته. ثم عدّد سبحانه الخيرات والمنافع التي هي آثار رحمته وفضله، كما عدّدها في موضع آخر ثم قال: هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء. وقرئ: يشركون بالياء والتاء. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا قرأها يقول «بل الله خير وأبقى وأجل وأكرم «٢» ».
(١). قال محمود: «معلوم أن لا خير فيما أشركوه حتى يوازن بينه وبين من هو خالق كل خير ومالكه، وإنما هو إلزام لهم وتبكيت» قال أحمد: كلام مرضى بعد أن تضع خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ مكان قوله «خالق كل خير» فانه تخصيص قدرى: أو إشراك خفى. والتوحيد الأبلج: ما قلناه، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(٢). كذا ذكره الثعلبي بغير إسناد. وأخرجه البيهقي في الشعب في الباب التاسع من رواية جابر الجعفي عن أبى جعفر قال «كان على بن الحسين يذكر أن النبي ﷺ إذا ختم القرآن- فذكر حديثا طويلا- وفيه والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى آلله خير أم ما يشركون؟ بل الله خير وأجل وأبقى وأكرم وأعظم مما يشركون».

صفحة رقم 375

[سورة النمل (٢٧) : آية ٦٠]

أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (٦٠)
فإن قلت: ما الفرق بين أم وأم في أَمَّا يُشْرِكُونَ وأَمَّنْ خَلَقَ؟ قلت: تلك متصلة، لأنّ المعنى: أيهما خير. وهذه منقطعة بمعنى بل والهمزة، لما قال الله تعالى: آلله خير أم الآلهة؟
قال: بل أمّن خلق السماوات والأرض خير؟ تقريرا لهم بأن من قدر على خلق العالم خير من جماد لا يقدر على شيء. وقرأ الأعمش: أمن، بالتخفيف. ووجهه أن يجعل بدلا من الله، كأنه قال: أمّن خلق السماوات والأرض خير أم ما تشركون؟ فإن قلت: أى نكتة في نقل الإخبار عن الغيبة إلى التكلم عن ذاته في قوله فأنبتنا؟ قلت: تأكيد معنى اختصاص الفعل بذاته، والإيذان بأنّ إنبات الحدائق المختلفة الأصناف والألوان والطعوم والروائح والأشكال مع حسنها وبهجتها بماء واحد. لا يقدر عليه إلا هو وحده. ألا ترى كيف رشح معنى الاختصاص بقوله ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها ومعنى الكينونة: الانبغاء. أراد أن تأتى ذلك محال من غيره، وكذلك قوله بَلْ هُمْ بعد الخطاب: أبلغ في تخطئة رأيهم. والحديقة: البستان عليه حائط: من الإحداق وهو الإحاطة. وقيل ذاتَ، لأنّ المعنى: جماعة حدائق ذات بهجة، كما يقال: النساء ذهبت. والبهجة: الحسن، لأنّ الناظر يبتهج به أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ أغيره يقرن به ويجعل شريكا له. وقرئ: أإلها مع الله، بمعنى: أتدعون، أو أتشركون. ولك أن تحقق الهمزتين وتوسط بينهما مدّة، وتخرج الثانية بين بين يَعْدِلُونَ به غيره أو يعدلون عن الحق الذي هو التوحيد.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٦١]
أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٦١)
أَمَّنْ جَعَلَ وما بعده بدل من أَمَّنْ خَلَقَ فكان حكمهما حكم قَراراً دحاها وسوّاها بالاستقرار عليها حاجِزاً كقوله: برزخا.
[سورة النمل (٢٧) : آية ٦٢]
أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (٦٢)
الضرورة: الحالة المحوجة إلى اللجإ. والاضطرار: افتعال منها. يقال: اضطرّه إلى كذا.

صفحة رقم 376
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية