آيات من القرآن الكريم

وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ
ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ

[سُورَة النَّمْل (٢٧) : آيَة ١٧]

وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٧)
وَهَبَ اللَّهُ سُلَيْمَانَ قُوَّةً مِنْ قُوَى النُّبُوءَةِ يُدْرِكُ بِهَا مِنْ أَحْوَالِ الْأَرْوَاحِ وَالْمُجَرَّدَاتِ كَمَا يُدْرِكُ مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَدَلَالَةَ النَّمْلِ وَنَحْوَهَا. وَيَزَعُ تِلْكَ الْمَوْجُودَاتِ بِهَا فَيُوزَعُونَ تَسْخِيرًا كَمَا سَخَّرَ بَعْضَ الْعَنَاصِرِ لِبَعْضٍ فِي الْكِيمْيَاءِ وَالْكَهْرَبَائِيَّةِ. وَقَدْ وَهَبَ اللَّهُ هَذِهِ الْقُوَّةَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَرَفَ إِلَيْهِ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ، وَيُخَاطِبُونَهُ. وَإِنَّمَا أَمْسَكَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهَا وَيَزَعَهَا كَرَامَةً لِأَخِيهِ سُلَيْمَانَ إِذْ سَأَلَ اللَّهَ مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ فَلَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهَا النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ الْمُكْنَةِ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ مَحَّضَهُ لِمَا هُوَ أَهَمُّ وَأَعْلَى فَنَالَ بِذَلِكَ فَضْلًا مِثْلَ فَضْلِ سُلَيْمَانَ، وَرَجَّحَ بِإِعْرَاضِهِ عَنِ التَّصَرُّفِ تَبْرِيرًا لِدَعْوَةِ أَخِيهِ فِي النُّبُوءَةِ لِأَنَّ جَانِبَ النُّبُوءَةِ فِي رَسُولِ اللَّهِ أَقْوَى مِنْ جَانِبِ الْمُلْكِ، كَمَا قَالَ لِلرَّجُلِ الَّذِي رُعِدَ حِينَ مَثُلَ بَيْنَ يَدَيْهِ: «إِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ وَلَا جَبَّارٍ». وَقَدْ
وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: «أَنَّهُ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ نَبِيئًا عَبْدًا أَوْ نَبِيئًا مَلِكًا فَاخْتَارَ أَنْ يَكُونَ نَبِيئًا عَبْدًا»
، فَرُتْبَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُتْبَةُ التَّشْرِيعِ وَهِيَ أَعْظَمُ مِنْ رُتْبَةِ الْمُلْكِ، وَسُلَيْمَانُ لَمْ يَكُنْ مُشَرِّعًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِرَسُولٍ، فَوَهَبَهُ اللَّهُ مُلْكًا يَتَصَرَّفُ بِهِ فِي السِّيَاسَةِ، وَهَذِهِ الْمَرَاتِبُ يَنْدَرِجُ بَعْضُهَا فِيمَا هُوَ أَعْلَى مِنْهُ فَهُوَ لَيْسَ بِمَلِكٍ، وَهُوَ يَتَصَرَّفُ فِي الْأُمَّةِ تَصَرُّفَ الْمُلُوكِ تَصَرُّفًا بَرِيئًا مِمَّا يَقْتَضِيهِ الْمُلْكُ مِنَ الزُّخْرُفِ وَالْأُبَّهَةِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ «النَّقْدِ» عَلَى كِتَابِ الشَّيْخِ عَلِيٍّ عَبْدِ الرَّازِقِ الْمِصْرِيِّ الَّذِي سَمَّاهُ «الْإِسْلَامَ وَأُصُولَ الْحُكْمِ» (١).
وَالْحَشْرُ: الْجَمْعُ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ جُنُودَهُ كَانَتْ مُحْضَرَةً فِي حَضْرَتِهِ مسخّرة لأَمره حَيْثُ هُوَ.
وَالْجُنُودُ: جَمْعُ جُنْدٍ، وَهُوَ الطَّائِفَةُ الَّتِي لَهَا عَمَلٌ مُتَّحِدٌ تُسَخَّرُ لَهُ. وَغَلَبَ إِطْلَاقُ الْجُنْدِ عَلَى طَائِفَةٍ مِنَ النَّاسِ يُعِدُّهَا الْمَلِكُ لِقِتَالِ الْعَدُوِّ وَلِحِرَاسَةِ الْبِلَادِ.
_________
(١) انْظُر صفحة ٧٦ من كتاب «الْإِسْلَام وأصول الحكم» طبع مطبعة مصر سنة ١٣٤٣ هـ، وصفحة ١٣، ١٤ من كتاب «النَّقْد العلمي» طبع المطبعة السلفية بِالْقَاهِرَةِ سنة ١٣٤٤ هـ.

صفحة رقم 239
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية