
سورة الشعراء
في السورة تقريع للكفار وحملة عليهم وتسلية للنبي ﷺ إزاء مواقفهم. وفيها سلسلة طويلة في قصص الأنبياء وأممهم، فيها العبرة والموعظة والمثل والإنذار والتثبيت. وفيها بعض صور السيرة النبوية وبيئة النبي عليه السلام وعهده وبعض أقوال الكفار وعقائدهم.
وهي ثاني سورة من القرآن من حيث عدد الآيات. وفصولها مترابطة منسجمة وأواخر آياتها متوازنة. ومع أن أسلوبها مسجع بشكل ما فهو أقرب إلى الترسل المطلق مع التوازن.
وقد لحق أكثر فصولها لازمة مكررة مما يجعلها ذات خصوصية سبكية كسورة المرسلات وجملة فصول السورة تسوغ القول إنها نزلت متلاحقة حتى تمت.
وقد روى المصحف الذي اعتمدنا عليه أن الآيات [٩٧ و ٢٢٤- ٢٢٧] مدنيات. وعدا الآية [٢٢٧] الآيات الأخرى منسجمة مع سياقها سبكا وموضوعا مما يحمل على الشك في صحة الرواية. أما الآية [٢٢٧] فإن مضومنها يؤيد صحة مدنيتها وقد ألحقت بالآيات [٢٢٤- ٢٢٦] للمناسبة والاستدراك على ما سوف يأتي شرحه.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١ الى ٩]بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (٤)وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٦) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٩) صفحة رقم 241

(١) المبين: الموضّح.
(٢) باخع نفسك: مهلك نفسك. وأصل البخع الذبح حتى يبلغ البخاع الذي هو عرق في العنق، على ما جاء في الكشاف.
(٣) محدث: جديد.
(٤) زوج: صنف أو نوع.
تعليقات على الآيات التسع الأولى من السورة
تعددت روايات المفسرين عن أهل التأويل الأولين في (طسم) منها أنها اسم للقرآن. أو اسم لله تعالى، أو قسم أقسمه الله بطوله وسنائه وملكه. وكما رجحنا بالنسبة للحروف المماثلة في مطالع السور نرجح هنا أنها جاءت لاسترعاء السمع، وقد احتوت الآية التالية إشارة إلى آيات القرآن جريا على النظم القرآني في معظم السور المماثلة. وينطوي في الإشارة معنى التوكيد بالخطورة والتنويه. ووصف المبين فيها هو بسبيل بيان ما في القرآن من إبانة وتوضيح ووضوح. وقد تكرر هذا الوصف لآيات القرآن والقرآن. والوصف يحتمل أن يكون بقصد بيان وضوح المعاني والدلالات كما يحتمل أن يكون بقصد بيان ما احتوته الآيات القرآنية من تبيين لسبل الحق والرشاد والهدى. وكلا الاحتمالين وارد وصادق. بل إن الاحتمالين واردان وصادقان. ففي الآيات القرآنية وضوح من حيث المعاني والدلالات كما فيها بيان لسبل الحق والرشاد والهدى.
والآية الثالثة بسبيل تسلية النبي ﷺ فيما يثيره جحود قومه في نفسه من غمّ

وحزن. وأسلوبها ينطوي على العطف والتحبب. فلا ينبغي له أن يهلك نفسه غمّا وحزنا لعدم إيمانهم واستجابتهم إلى دعوته وتصديقهم بآيات الله وقرآنه. وقد يكون في الآية قرينة على صحة نزولها بعد سورة الواقعة التي ظللت فصولها تحكي تكذيبهم وجحودهم.
والآية الرابعة هي بسبيل التطمين من جهة وإنذار الكفار من جهة أخرى حيث تقرر أن الله تعالى لو أراد لأنزل عليهم آية من السماء فتظل أعناقهم خاضعة لها. ومن المفسرين من أول جملة فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (٤) في الآية بأن الله لو أراد لأجبرهم على الإيمان بآية ينزلها عليهم من السماء»
. ومنهم من أولها بأن الله لو أراد لأنزل عليهم نازلة تذلّ لها أعناقهم «٢». ومع ما في القول الأول من وجاهة فإن الآيات التالية ترجح القول الثاني حيث احتوت وصف عناد الكفار واستهزائهم وأنذرتهم بعذاب الله وعقابه.
وفي الآية الخامسة تنديد بالكفار الذين كلما جاءهم قرآن جديد من الله أعرضوا عنه وكذبوه.
وقد قال المفسرون في تأويل الآية السادسة إنها بسبيل إنذار الكفار ووعيدهم بالعقاب على استهزائهم بآيات الله وتكذيبهم لها. وقد خطر لبالنا احتمال انطوائها على بشرى وتطمين من الله تعالى للنبي عليه السلام استلهاما من ألفاظها واستئناسا بآيات أخرى، حيث تقرر أن الدعوة المحمدية التي يستهزئون بها ستنتصر، ويرون أعلام ذلك ويسمعون أنباءه. ومن الآيات التي يمكن أن يستأنس بها على هذا التأويل آية سورة ص هذه قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (٨٦) إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (٨٧) وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ
(٨٨).
وفي الآية السابعة سؤال استنكاري وتنديدي عمّا إذا كانوا لم يروا ما أنبته الله تعالى من الأرض من أصناف النباتات الكريمة مما فيه برهان على ربوبيته وعظمته واستحقاقه وحده للعبادة والخضوع.
(٢) انظر تفسيرها في الطبري مثلا.

وفي الآية الثامنة تعقيب على هذا السؤال بأن في ذلك الحجة الدامغة برغم أن أكثرهم لا يؤمنون.
أما الآية التاسعة فهي موجهة إلى النبي ﷺ عودا على بدء بسبيل تسليته. فربّه هو العزيز القاهر الذي لا يعجزه شيء، والرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء.
وكأنما انطوت على تقرير كونه قادرا على سحق الكفار وإخضاعهم غير أن حكمته ورحمته اقتضتا عدم التعجيل بذلك وإفساح رحمته لهم لعلهم يرعوون. ولقد ارعوت أكثريتهم الساحقة حقّا بعد أن هاجر النبي ﷺ إلى المدينة وأيده الله ونصره.
وقد غدت الآيتان لازمة لمعظم فصول السورة حيث تكررتا عقب كل فصل لنفس القصد والهدف. وفي ذلك أيضا صورة من صور النظم القرآني التي تكررت في بعض سور أخرى.
ولقد أورد الزمخشري في كشافه والمفسر الشيعي الطبرسي في تفسيره في سياق تفسير الآيات رواية عن ابن عباس مفادها أن بعض هذه الآيات وخاصة إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (٤) في بني هاشم وبني أمية حيث انطوت على البشرى للأولين ضد الآخرين، والتكلف وأثر الحزبية السياسية المتأخرة كثيرا عن عهد رسول الله ﷺ ظاهران في الرواية. ولا نرتاب في أنها مكذوبة على ابن عباس رضي الله عنه. ولا سيما إن الآيات نزلت قبل أن يؤمن من عشيرة النبي ﷺ الأقربين إلّا أفراد قلائل جدّا، كما أن أسلوبها مماثل للأساليب المتكررة في صدد تسلية النبي ﷺ وإنذار الكفار. ومن المؤسف أن أصحاب الأهواء وخاصة شيعة العلويين ومفسريهم أكثروا من رواية مثل هذه الروايات وتأويل كثير من الآيات بما يتفق مع أهوائهم برغم ما يكون في التأويل من مفارقة ومباينة للوقائع وفحوى الآيات وسياقها ومناسبتها.
تعليق على كلمة «محدث» في الآيات
ويقف علماء الكلام عند كلمة (محدث) فيتخذها بعضهم دليلا على حدوث القرآن ويؤولها بعضهم بما يجعل هذا الاستدلال في غير محلّه لأنه يؤدي في رأيهم