آيات من القرآن الكريم

وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ
ﮖﮗﮘﮙﮚ

جاء الحق تبارك وتعالى هنا بصفة ﴿العزيز﴾ [الشعراء: ٩] بعد أن قال ﴿وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: ٨] لنعلم أن الذين كفروا لم يكفروا رَغْماً عن الله، إنما كفروا بما أودع الله فيهم من الاختيار.
فهو سبحانه الذي أعانهم عليه لَمَّا أحبوه وأصروا عليه؛ لأنه تعالى ربُّهم، بدليل أنه تعالى لو تركهم مجبرين مرغمين ما فعلوا شيئاً يخالف منهج الله أبداً، وبدليل أنهم مجبرون الآن على أشياء ومقهورون في حياتهم في مسائل كثيرة، ومع ذلك لا يستطيع أحد منهم أن يخرج على شيء من ذلك.
فمع إِلْفهم العناد والتمرد على منهج الله، أيستطيع أحدهم أنْ يتأبَّى على المرض، أو على الموت، أو على الأقدار التي تنزل به؟ أيختار أحد منهم يوم مولده مثلاً، أو يوم وفاته؟ أيختار طوله أو قوته أو ذكاءه؟
لكن لما أعطاهم الله الصلاحية والاختيار اختاروا الكفر، فأعانهم الله على ما أحبُّوا، وختم على قلوبهم حتى لا يخرج منها كفر، ولا يدخلها إيمان.
وكلمة ﴿العزيز﴾ [الشعراء: ٩] تعني: الذي لا يُغلَب ولا يُقْهر، لكن هذه الصفة لا تكفي في حقَّه تعالى؛ لأنها تفيد المساواة للمقابل، فلا بُدَّ أنْ نزيد عليها أنه سبحانه هو الغالب أيضاً.

صفحة رقم 10543

لذلك يقول سبحانه وتعالى: ﴿والله غَالِبٌ على أَمْرِهِ﴾ [يوسف: ٢١] فالله تعالى عزيز يَغْلِب ولا يُغْلَب.
ومثال ذلك قوله تعالى: ﴿يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ﴾ [الأنعام: ١٤].
وقوله تعالى: ﴿قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجْيِرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ﴾ [المؤمنون: ٨٨].
ثم يذكر سبحانه بعدها صفة الرحمة، فهو سبحانه مع عزته رحيم، إنه تعالى رحيم حين يَغْلب، ألم يتابع لهم الآيات ويَدْعُهم إلى النظر والتأمل، لعلَّهم يثوبون إلى رُشْدهم فيؤمنوا؟ فلما أصرُّوا على الكفر أمهلهم، ولم يأخذهم بعذاب الاستئصال، كما أخذ الأمم الأخرى حين كذَّبتْ رسلها.
كان الرسل قبل محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يُبلِّغون الدعوة، ويُظهرون المعجزة، فمَنْ لم يؤمن بعد ذلك يعاقبه الله، كما قال سبحانه: ﴿فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصيحة وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرض وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا﴾ [العنكبوت: ٤٠].
أمَّا أمة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فقد قال تعالى في شأنها: ﴿وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ [الأنفال: ٣٣].
وقال هنا: ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العزيز الرحيم﴾ [الشعراء: ٩] فالحق تبارك وتعالى في كل هذه الآيات يُسلِّي رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، ويعطيه عبرةً من الرسل الذين سبقوه، فليس محمد بِدْعاً في ذلك، ألم يقل

صفحة رقم 10544

له ربه: ﴿ياحسرة عَلَى العباد مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ [يس: ٣٠] فالمسألة إذن قديمة قِدَم الرسالات.
لذلك، يأخذنا السياق بعد ذلك إلى موكب النبوات، فيذكر الحق سبحانه لرسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ طرفاً من قصة نبي الله موسى: ﴿وَإِذْ نادى رَبُّكَ موسى﴾

صفحة رقم 10545
تفسير الشعراوي
عرض الكتاب
المؤلف
محمد متولي الشعراوي
الناشر
مطابع أخبار اليوم
سنة النشر
1991
عدد الأجزاء
20
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية