آيات من القرآن الكريم

فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ
ﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵ ﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊ ﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔ ﮖﮗﮘﮙﮚ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١ الى ٩]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

طسم (١) تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٣) إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ (٤)
وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ (٥) فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٦) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (٧) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٩)
طسم اختلف القرّاء فيها وفي أختيها فكسر الطاء فيهن على الإمالة حمزة والكسائي وخلف وعاصم في بعض الروايات. وقرأ أهل المدينة بين الكسر والفتح وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم وقرأ غيرهم بالفتح على التضخيم، وأظهر النون في السين هاهنا وفي سورة القصص أبو جعفر وحمزة للتبيين والتمكين، وأخفاها الآخرون لمجاورتها حروف الفم. وأمّا تأويلها فروى الوالبي عن ابن عباس قال: طسم قسم وهو من اسماء الله سبحانه، عكرمة عنه: عجزت العلماء عن علم تفسيرها. مجاهد: اسم السورة. قتادة وأبو روق: اسم من أسماء القرآن أقسم الله عزّ وجلّ به، القرظي أقسم الله سبحانه بطوله وسنائه وملكه.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حنش «١» قال: حدّثني أحمد بن عبيد الله بن يحيى الدارمي قال: حدّثني محمد بن عبده المصّيصي قال: حدّثنا إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي قال: حدّثنا محمد بن بشر الرقّي قال: حدّثنا أبو عمر حفص بن ميسرة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية طسم قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: «الطاء طور سيناء والسين الاسكندرية والميم مكة» «٢» [٩٤].
وقال جعفر الصادق (عليه السلام) : الطاء طوبى والسين سدرة المنتهى والميم محمد المصطفى صلى الله عليه وسلّم.
تِلْكَ آياتُ أي هذه آيات الْكِتابِ الْمُبِينِ لَعَلَّكَ باخِعٌ قاتل نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وذلك حين كذّبه أهل مكة فشق ذلك عليه فأنزل الله سبحانه هذه الآية، نظيرها في الكهف.
إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ ذليلين قال: لو شاء الله سبحانه لأنزل عليهم آية يذلّون بها فلا يلوي أحد منهم عنقه إلى معصية الله عزّ وجل، ابن جريج: لو شاء لأراهم أمرا من أمره لا يعمل أحد منهم بمعصية.
(١) في النسخة الثانية: حبش المقري. [.....]
(٢) زاد المسير: ٦/ ٣٠.

صفحة رقم 156

وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا ابن حبّان قال: حدّثنا إسحاق بن محمد قال: حدّثنا أبي قال: حدّثنا إبراهيم بن عيسى «١» قال: حدّثنا علي بن علي قال: حدّثني أبو حمزة الثمالي في هذه الآية قال: بلغنا- والله أعلم- أنّها صوت يسمع من السماء في النصف من شهر رمضان يخرج له العواتق من البيوت.
وبه عن أبي حمزة قال: حدّثني الكلبي عن أبي صالح مولى أم هاني أنّ عبد الله بن عباس حدّثه قال: نزلت هذه الآية فينا وفي بني أميّة قال: سيكون لنا عليهم الدولة فتذلّ لنا أعناقهم بعد صعوبة، وهوان بعد عزة. وأمّا قوله سبحانه خاضِعِينَ ولم يقل خاضعة وهي صفة الأعناق ففيه وجوه صحيحة من التأويل: أحدها: فظل أصحاب الأعناق لها خاضعين فحذف الأصحاب وأقام الأعناق مقامهم لأنّ الأعناق إذا خضعت فأربابها خاضعون، فجعل الفعل أوّلا للأعناق ثم جعل خاضعين للرجال، كقول الشاعر:

على قبضة مرجوة ظهر كفّه فلا المرء مستحي ولا هو طاعم «٢»
فأنّث فعل الظهر لأنّ الكفّ تجمع الظهر وتكفى منه كما أنّك مكتف بأن تقول: خضعت للأمر أن تقول: خضعت لك رقبتي، ويقول العرب: كلّ ذي عين ناظر إليك وناظرة إليك لأنّ قولك: نظرت إليك عيني ونظرت بمعنى واحد، وهذا شائع في كلام العرب أن يترك الخبر عن الأول ويعمد الى الآخر فيجعل له الخبر كقول الراجز:
طول الليالي أسرعت في نقضي طوين طولي وطوين عرضي «٣»
فأخبر عن الليالي وترك الطول، قال جرير:
أرى مرّ السنين أخذن منّي كما أخذ السرار من الهلال «٤»
وقال الفرزدق:
نرى أرماحهم متقلّديها إذا صدئ الحديد على الكماة «٥»
فلم يجعل الخبر للأرماح وردّه الى هم لكناية القوم وإنما جاز ذلك لأنه لو أسقط من وطول والأرماح من الكلام لم يفسد سقوطها معنى الكلام، فكذلك رد الفعل الى الكناية في قوله أعناقهم لأنه لو أسقط الأعناق لما فسد الكلام ولأدّى ما بقي من الكلام عنها وكان فظلوا خاضعين لها واعتمد الفرّاء وأبو عبيد على هذا القول.
(١) في النسخة الثانية: ابراهيم بن إسحاق.
(٢) جامع البيان للطبري: ١٩/ ٧٨.
(٣) تفسير القرطبي: ١٣/ ٩٠.
(٤) تفسير القرطبي: ٧/ ٢٦٤.
(٥) جامع البيان للطبري: ١ ٩/ ٧٧.

صفحة رقم 157

وقال قوم: ذكر الصفة لمجاورتها المذكر وهو قوله هم، على عادة العرب في تذكير المؤنث إذا أضافوه الى مذكر، وتأنيث المذكر إذا أضافوه الى مؤنّث، كقول الأعشى:
وتشرق بالقول الذي قد أذعته... كما شرقت صدر القناة من الدم «١»
وقال العجاج:
لما رأى متن السماء أبعدت.
وقيل: لما كان الخضوع وهو المتعارف من بني آدم أخرج الأعناق مخرج بني آدم كقوله وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ «٢» وقوله سبحانه يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ «٣» ومنه قول الشاعر:
تمززتها والديك يدعو صباحه... إذا ما بنو نعش دنوا فتصوّبوا «٤»
وقيل: إنما قال خاضِعِينَ «٥» فعبّر بالأعناق عن جميع الأبدان، والعرب تعبّر ببعض الشيء عن كله كقوله بِما قَدَّمَتْ يَداكَ «٦» وقوله أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ «٧» ونحوهما.
قال مجاهد: أراد بالأعناق هاهنا الرؤساء والكبراء، وقيل: أراد بالأعناق الجماعات والطوائف من الناس، يقال: جاء القوم عنقا أي طوائف وعصبا كقول الشاعر:
انّ العراق وأهله عنق... إليك فهيت هيتا «٨»
وقرأ ابن أبي عبلة: فظلّت أعناقهم لها خاضعة.
وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ أي وعظ وتذكير مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ في الوحي والتنزيل إِلَّا كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا أخبار وعواقب وجزاء ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ وهذا وعيد لهم أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ لون وصنف من النبات ممّا يأكل الناس والأنعام كَرِيمٍ حسن يكرم على الناس، يقال: نخلة كريمة إذا طاب حملها وناقة كريمة إذا كثر لبنها.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا عبد الله بن يوسف قال: حدّثنا الحسن بن محمد بن

(١) تفسير القرطبي: ٩/ ١٣٢.
(٢) سورة يوسف: ٤.
(٣) سورة النمل: ١٨.
(٤) لسان العرب: ٦/ ٣٥٥.
(٥) في النسخة الثانية زيادة: لأجل رؤوس الآي ليكون على نسق واحد، وقيل: أراد: فظلّوا خاضعين.
(٦) سورة الحج: ١٠.
(٧) سورة الإسراء: ١٣.
(٨) لسان العرب: ١٠/ ٢٧٣. [.....]

صفحة رقم 158
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية