آيات من القرآن الكريم

قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ
ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣ ﮥﮦﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫ ﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷﯸﯹ ﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄ ﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱ ﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ ﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈ ﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛ ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤ ﮦﮧﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡ

بختويه قال: حدّثنا عمرو بن ثور وإبراهيم بن أبي يوسف «١» قالا: حدّثنا محمد بن يوسف الغزالي قال: حدّثنا سفيان عن رجل عن الشعبي في قوله أَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ قال:
الناس من نبات الأرض فمن دخل الجنّة فهو كريم، ومن دخل النار فهو لئيم.
إِنَّ فِي ذلِكَ الذي ذكرت لَآيَةً لدلالة على وجودي وتوحيدي وكمال قدرتي وحكمتي وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ لما سبق من علمي فيهم، قال سيبويه: كانَ هاهنا صلة، مجازه:
وما أكثرهم مؤمنين وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ بالنقمة من أعدائه الرَّحِيمُ ذو الرحمة بأوليائه.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٠ الى ٣٣]
وَإِذْ نادى رَبُّكَ مُوسى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (١١) قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (١٢) وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلا يَنْطَلِقُ لِسانِي فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ (١٣) وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (١٤)
قالَ كَلاَّ فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ (١٥) فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦) أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ (١٧) قالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ (١٨) وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (١٩)
قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (٢٠) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٢١) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (٢٢) قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (٢٣) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ (٢٤)
قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ (٢٥) قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٢٦) قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ (٢٧) قالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (٢٨) قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (٢٩)
قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (٣٠) قالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣١) فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ (٣٢) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ (٣٣)
وَإِذْ نادى واذكر يا محمد إذ نادى رَبُّكَ مُوسى حين رأى الشجرة والنار أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ لأنفسهم بالكفر والمعصية ولبني إسرائيل باستعبادهم وسومهم سوء العذاب.
قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ وقرأ عبيد بن عمير بالتاء أي قل لهما: ألا تتّقون؟ قالَ رَبِّ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ وَيَضِيقُ صَدْرِي من تكذيبهم إيّاي وَلا يَنْطَلِقُ ولا ينبعث لِسانِي بالكلام والتبليغ للعقدة التي فيه، قراءة العامة برفع القافين على قوله أَخافُ ونصبها يعقوب على معنى وأن يضيق ولا ينطلق فَأَرْسِلْ إِلى هارُونَ ليؤازرني ويظاهرني على تبليغ الرسالة، وهذا كما تقول: إذا نزلت بي نازلة أرسلت إليك، أي لتعينني وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ يعني القتل الذي قتله منهم واسمه ماثون، وكان خباز فرعون، وقيل: على معنى: عندي ولهم عندي ذنب فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ به قالَ الله سبحانه كَلَّا أي لن يقتلوك فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ

(١) في النسخة الثانية: بن أبي سفيان.

صفحة رقم 159

سامعون ما يقولون وما تجابون، وإنّما أراد بذلك تقوية قلبيهما وإخبارهما أنّه يعينهما ويحفظهماأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ
ولم يقل رسولا لأنه أراد المصدر أي رسالة ومجازه: ذو رسالة رب العالمين، كقول كثيّر:

لقد كذب الواشون ما بحت عندهم بسرّ ولا أرسلتهم برسول «١»
أي برسالة. وقال العباس بن مرداس:
إلّا من مبلغ عنّا خفافا رسولا بيت أهلك منتهاها «٢»
يعني رسالة فلذلك انتهاء، قاله الفرّاء.
وقال أبو عبيد: يجوز أن يكون الرسول في معنى الواحد والاثنين والجمع، تقول العرب:
هذا رسولي ووكيلي، وهذان رسولي ووكيلي، وهؤلاء رسولي ووكيلي، ومنه قوله فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي «٣» وقيل: معناه كل واحد منا رسول ربّ العالمين.
أَنْ أي بأن أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ إلى فلسطين ولا تستعبدهم وكان فرعون استعبدهم أربعمائة سنة وكانوا في ذلك الوقت ستمائة وثلاثين ألفا فانطلق موسى إلى مصر، وهارون بها وأخبره بذلك فانطلقا جميعا الى فرعون، فلم يؤذن لهما سنة في الدخول عليه، فدخل البوّاب فقال لفرعون: هاهنا إنسان يزعم أنّه رسول رب العالمين، فقال فرعون: ايذن له لعلّنا نضحك منه، فدخلا عليه وأدّيا إليه رسالة الله سبحانه وتعالى فعرف فرعون موسى لأنّه نشأ في بيته فقال له أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً صبيّا وَلَبِثْتَ فِينا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ وهي ثلاثون سنة وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ يعني قتل القبطي.
أخبرنا ابن عبدوس قال: حدّثنا محمد بن يعقوب قال: حدّثنا محمد بن الجهم قال: حدّثنا الفرّاء قال: حدّثني موسى الأنصاري عن السري بن إسماعيل عن الشعبي انه قرأ وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي بكسر الفاء ولم يقرأ بها غيره.
وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ الجاحدين لنعمتي وحق تربيتي، ربيناك فينا وليدا فهذا الذي كافأتنا أن قتلت منّا وكفرت بنعمتنا، وهذه رواية العوفي عن ابن عباس، وقال: إنّ فرعون لم يكن يعلم ما الكفر بالربوبية.
فقال موسى قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ أي الجاهلين قبل أن يأتيني عن الله شيء، هذا قول أكثر المفسّرين وكذلك هو في حرف ابن مسعود وأنا من الجاهلين.
(١) لسان العرب: ١١/ ٢٨٣.
(٢) لسان العرب: ١١/ ٢٨٣.
(٣) سورة الشعراء: ٧٧.

صفحة رقم 160

وقيل: مِنَ الضَّالِّينَ عن العلم بأن ذلك يؤدي الى قتله.
وقيل: مِنَ الضَّالِّينَ عن طريق الصواب من غير تعمّد كالقاصد الى أن يرمي طائرا فيصيب إنسانا.
وقيل: من المخطئين نظيره إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ «١» إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ «٢» وقيل: من الناسين، نظيره أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما «٣».
فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ إلى مدين فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً فهما وعلما وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ.
اختلف العلماء في تأويلها، ففسّرها بعضهم على إقرار وبعضهم على الإنكار، فمن قال:
هو إقرار قال: عدّها موسى نعمة منه عليه حيث ربّاه ولم يقتله كما قتل غلمان بني إسرائيل، ولم يستعبده كما استعبد وتركني فلم يستعبدني «٤» وهذا قول الفرّاء، ومن قال هو إنكار قال: معناه وتلك نعمة على طريق الاستفهام «٥» كقوله هذا رَبِّي «٦» وقوله فَهُمُ الْخالِدُونَ وقول الشاعر:
...... هم هم
«٧»، وقال عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة:
لم أنس يوم الرحيل وقفتها... ودمعها في جفونها عرق
وقولها والركب سائرة... تتركنا هكذا وتنطلق «٨»
وهذا قول مجاهد، ثم اختلفوا في وجهها فقال بعضهم: هذا ردّ من موسى على فرعون حين امتنّ عليه بالتربية فقال: لو لم تقتل بني إسرائيل لربّاني أبواي فأىّ نعمة لك عليّ؟
وقيل: ذكره إساءته إلى بني إسرائيل فقال: تمنّ عليّ أن تربّيني وتنسى جنايتك على بني إسرائيل.

(١) سورة يوسف: ٩٥.
(٢) سورة يوسف: ٨.
(٣) سورة البقرة: ٢٨٢.
(٤) في النسخة الثانية: استعبد بني إسرائيل، مجاز الآية: وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ وتركتني فلم تستعبدني.
(٥) في النسخة الثانية زيادة: معناه أو تلك نعمة.
(٦) سورة الأنعام: ٧٦- ٧٨.
(٧) في النسخة الثانية زيادة: أي: أهم هم؟
(٨) تفسير القرطبي: ١٣/ ٩٦. والعبارة:
لم أنس يوم الرحيل وقفتها... وجفنها من دموعها شرق
وقولها والركاب واقفة... تركتني هكذا وتنطلق

صفحة رقم 161

وقيل: معناه كيف تمنّ علي بالتربية وقد استعبدت قومي؟ ومن أهين قومه ذلّ، فتعبيدك بني إسرائيل قد أحبط إحسانك إليّ.
وقال الحسن: يقول: أخذت أموال بني إسرائيل وأنفقت منها عليّ واتّخذتهم عبيدا.
وقوله سبحانه أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ أي اتّخذتهم عبيدا، يقال: عبّدته وأعبدته، وأنشد الفرّاء:

علام يعبّدني قومي وقد كثرت فيهم أباعر ما شاؤوا وعبدان «١»
وله وجهان: أحدهما: النصب بنزع الخافض مجازه: بتعبيدك بني إسرائيل والثاني: الرفع على البدل من النعمة.
قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ وأيّ شيء ربّ العالمين الذي تزعم أنّك رسوله إليّ؟
قالَ موسى (عليه السلام) رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ إنّه خلقها عن الكلبي.
وقال أهل المعاني: إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ أي ما تعاينونه كما تعاينونه فكذلك فأيقنوا أنّ ربّنا هو ربّ السموات والأرض.
قالَ فرعون لِمَنْ حَوْلَهُ من أشراف قومه، قال ابن عباس: وكانوا خمسمائة رجل عليهم الأسورة محيلا لقوم موسى معجبا لقومه أَلا تَسْتَمِعُونَ فقال موسى مفهما لهم وملزما للحجة عليهم رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ قالَ فرعون إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ يتكلّم بكلام لا يعقله ولا يعرف صحته. فقال موسى رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ فقال فرعون حين لزمته الحجّة وانقطع عن الجواب تكبّرا عن الحق وتماديا في الغي لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ المحبوسين.
قال الكلبي: وكان سجنه أشدّ من القتل لأنه كان يأخذ الرجل إذا سجنه فيطرحه في مكان وحده فردا لا يسمع ولا يبصر فيه شيئا، يهوى به في الأرض.
فقال له موسى حين توعده بالسجن أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ يبيّن صدق قولي، ومعنى الآية: أتفعل ذلك إن أتيتك بحجّة بيّنة، وإنما قال ذلك موسى لأن من أخلاق الناس السكون الى الإنصاف والإجابة الى الحق بعد البيان.
فقال له فرعون فَأْتِ بِهِ فإنّا لن نسجنك حينئذنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ
(١) لسان العرب: ٣/ ٢٧٥.

صفحة رقم 162
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية