
الجناح في سورة بني إسرائيل (١). قال ابن عباس: يريد أكرم من اتبعك من المصدقين بتوحيد الله وألِنْ لهم القول وأظهر لهم المحبة والكرامة.
٢١٦ - ﴿فَإِنْ عَصَوْكَ﴾ قال ابن عباس: يريد عشيرتك. وقال مقاتل: يعني بني هاشم وبني المطلب ﴿فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾ أي: من الكفر وعبادة غير الله (٢).
والآية دليل على أن موالاة المشرك حرام بكل حال؛ ألا ترَى كيف أمر الله رسوله في عشيرته الأقربين.
٢١٧ - ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ﴾ قال الكلبي: فوض إليه جميع أمرك. وقال مقاتل: ثق باللهِ ﴿الْعَزِيزِ﴾ في نقمته (٣) ﴿الرَّحِيمِ﴾ بهم حين لم يعجل عليهم بالعقوبة (٤).
٢١٨، ٢١٩ - قوله تعالى: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ أي: للصلاة وإلى الصلاة. قاله ابن عباس والكلبي (٥). وقال مقاتل: حين تقوم وحدك إلى الصلاة (٦). وقال مجاهد: الذي يراك أينما كنت، يعني: يراك حين تقوم أينما كنت (٧).
(٢) "تفسيير مقاتل" ٥٥ أ.
(٣) "تنوير المقباس" ٣١٤.
(٤) "تفسير مقاتل" ٥٥ ب.
(٥) أخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٢٧، عن ابن عباس. و"تنوير المقباس" ٣١٥. واقتصر في الوجيز ٢/ ٧٩٨، على قول: "إلى صلاتك".
(٦) "تفسير مقاتل" ٥٥ ب. وأخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٢٨، عن الحسن.
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٢٨، وأخرج نحوه عن: الضحاك، وعكرمة، وقتادة.

فعلى قول مجاهد: ﴿تَقُومُ﴾ عام في كل شيء قام إليه، وهو الظاهر؛ لأنه بمرأى من الله إلى أي شيء قام (١). وعلى قول الآخرين: هذا القيام يختص بالقيام إلى الصلاة، وفائدته: التنبيه على تعظيم الصلاة، كما يقول القائل لغيره: راقب مَنْ يراك إذا صليت، والله تعالى يراه إذا لم يكن مصليًا.
قوله: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ قال مقاتل: يعني: ويرى ركوعك وسجودك وقيامك. وهو التقلب في الساجدين يعني: مع المصلين في الجماعة (٢). والمعنى: يراك إذا صليت وحدك ويراك إذا صليت في الجماعة راكعًا وساجدًا وقائمًا. وهو قول عكرمة، والكلبي، وقتادة، وابن زيد، ورواية عن عطية وعطاء الخراساني، عن ابن عباس (٣)؛كل هؤلاء فسروا التقلب في الساجدين بالتصرف مع المصلين قائمًا وراكعًا وساجدًا، وهو اختيار الفراء؛ قال: تقلبه: قيامه وركوعه وسجوده وقعوده (٤).
وقال ابن عباس في رواية جويبر، عن الضحاك عنه: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ في أصلاب الآباء؛ آدم ونوح وإبراهيم. ونحو هذا روى عطاء وعكرمة عنه: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ يريد: في أصلاب الموحدين من نبي إلى نبي حتى أخرجك. في هذه الآية قال عطاء عنه: ما زال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
(٢) "تفسير مقاتل" ٥٥ ب و"تنوير المقباس" ٣١٤. قال مجاهد: "في المصلين". "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٦٦.
(٣) أخرجه عبد الرزاق ٢/ ٧٧، عن قتادة، وعكرمة وأخرجه ابن حرير ١٩/ ١٢٣، عن ابن عباس، وعكرمة. وذكره الثعلبي ٨/ ١١٨ أ، عن عكرمة، وعطية، وعطاء عن ابن عباس، وقتادة، وابن زيد، ومقاتل والكلبي.
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٨٥. واقتصر عليه في الوجيز ٢/ ٧٩٨.

يتقلب في أصلاب الأنبياء حتى ولدته أمه (١).
وقال الحسن: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ يعني: ذهابك ومجيئك في أصحابك المؤمنين (٢). وقال مجاهد في هذه الآية: كان النبي-صلى الله عليه وسلم- إذا قام في الصلاة أبصر مَنْ خلفه من الصفوف كما يرى مَنْ بين يديه (٣). وعلى هذا معنى: ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ إبصارك منهم (٤) مَنْ هو خلفك كما تبصر مَن هو أمامك. يدل على هذا ما روى قتادة عن أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
_________
(١) "تنوير المقباس" ٣١٤. وأخرجه ابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٢٨، من طريق عكرمة، وعطاء. وذكره كذلك الثعلبي ٨/ ١١٩ب. قال الطوسي: "وقال قوم من أصحابنا: إنه أراد تقلبه من آدم إلى أبيه عبد الله في ظهور الموحدين، لم يكن فيهم من يسجد لغير الله". التبيان للطوسي ٨/ ٦٨. ولم يعترض ابن كثير على ذلك. وهذا يعارضه كون أبوي النبي -صلى الله عليه وسلم- كافرين، بدليل: حديث أَنَسٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ الله أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: (في النَّارِ فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ فَقَالَ: إِنَّ أبِي وَأَبَاكَ في النَّارِ) أخرجه مسلم ١/ ١٩١، كتاب الإيمان، رقم: ٢٠٣. وأبو داود ٥/ ٩٠، كتاب السنة، رقم: ٤٧١٨. وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: (اسْتَاذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي) أخرجه مسلم ٢/ ٦٧١، كتاب الجنائز، رقم: ٩٧٦. وأبو داود ٣/ ٥٥٧، كتاب الجنائز، رقم: ٣٢٣٤.
وقد رد هذا القول الشنقيطي من وجه آخر فقال: "في الآية قرينة تدل على عدم صحة هذا القول، وهي قوله تعالى قبله مقترناً به: ﴿الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ﴾ فإنه لم يقصد به أنه يقوم في أصلاب الآباء إجماعاً، وأول الآية مرتبط بآخرها، أي: الذي يراك حين تقوم إلى صلاتك، وحين تقوم من فراشك ومجلسك، ويرى تقلبك في الساجدين، أي: المصلين، على أظهر الأقوال. أضواء البيان ٦/ ٣٨٨.
(٢) أخرجه ابن جرير ١٩/ ١٢٤، بلفظ: " ﴿وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ﴾ قال: في الناس".
(٣) "تفسير مجاهد" ٢/ ٤٦٦. وأخرجه ابن جرير ١٩/ ١٢٤. وابن أبي حاتم ٩/ ٢٨٢٩. وذكره الهواري ٣/ ٢٤٣، ولم ينسبه.
(٤) منهم. في نسخة (ج).