
«شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ» ١٥٥ لكم يوم ولها يوم فلا تزاحموها عليه وهي آية على نبوتي «وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ» من ضرب أو نهر أو منع عن الورود والمرعى، فإذا فعلتم شيئا من ذلك «فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ» ١٥٦ فلم يعبأوا بقوله فعمدوا إليها «فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ» ١٥٧ إذ شاهدوا العذاب أظلهم.
مطلب في إيمان اليأس والتأدب بآداب القرآن وآداب المنزل عليه:
وكان ندمهم ندم خوف لا ندم توبة، والتوبة لا تنفع عند نزول العذاب، راجع قوله تعالى (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) إلخ الآية ١٨ من سورة النساء في ج ٣، وقال في بدء الأمالي:
وما إيمان يأس حال يأس | بمقبول لقصد الامتثال |
لا يسألون أخاهم حين يندبهم | في النائبات على ما قال برهانا |
إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ١٦٢ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ١٦٣ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ» ١٦٤ الذي أرسلني إليكم، لأرشدكم الى ما فيه صلاحكم، وقال لهم على طريق الاستفهام الانكاري «أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ» ١٦٥ عبر بالإتيان عن اجراء الفحش ليعلم قومه الأدب في المخاطبات، ولينبههم على ان هذا الفعل قبيح بنفسه ولفظه ليتحاشوا عنه وعن ذكره. هذا، وان الله تعالى عبر صفحة رقم 284

عن الوطء الحلال بالحرث في الآية ٢٢٢ من البقرة في ج ٣، وعن الجماع بالغشيان في الآية ١٨٨ من الأعراف المارة، وعن الفعل القبيح بالإتيان كما هنا، وفي الآية ٧٣ من الأنبياء بالخبث في ج ٢ وفي الآية ١٧٩ من الأعراف المارة وذلك ليتأدب العباد بتأديب القرآن ويصونوا ألسنتهم عن ذكر الألفاظ المستهجنة، قال صلّى الله عليه وسلم إذا أتى أحدكم أهله، وكثير من أقوال الرسول تأمر بالآداب في المخاطبة بالإشارة والقول والفعل تباعدا عن سوء الأدب والجهر بما هو فاحش والجنوح الى الكنى والمعاريض في كل ما يستقبح ذكره، ومن هذا قوله تعالى «وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ» مما أحله لكم وهو محل الحرث والبذر الذي منعكم الله عن إتيانه أيام الحيض لقذارته، فكيف تميل أنفسكم الى ذلك المحل مخرج القذر دائما «بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عادُونَ» ١٦٦ متجاوزون متعدون الحل الى الحرمة قالوا كانوا يفعلون هذا الفعل القبيح بأزواجهم أيضا: وقيل إن ابن مسعود قرأ (وتذرون ما أصلح لكم ربكم من أزواجكم) هو تفسير الآية لا قراءة وقد أخطأ من جعلها قراءة لما فيها من الزيادة على ما في المصاحف من تبديل خلق بأصلح، وقد ذكرنا غير مرة بأن كل قراءة فيها تبديل كلمة أو حرف أو زيادة أو نقص عما أثبت في المصاحف لا عبرة بها وليست بقراءة، وانما هي شروح كتبوها على مصاحفهم تفسيرا لبعض الكلمات، لأنها أنزلت كذلك، وقد أكثرنا من التحرز عن مثل هذا لينتبه القارئ فيحذر من الإقدام على القول بشيء منه، إذ لا يجوز اعتباره ولا نقله الا تأويلا أو تفسيرا، وبحرم اعتقاد قرآنيته، لأن من يعتقد قرآنا ما ليس بقرآن قد يؤديه الى الكفر والعياذ بالله، إذ لا قرآن الا ما هو ثابت بين الدفتين البتة، وفي هذه الآية دلالة على تحريم إتيان النساء والجواري بأدبارهن حتى أن بعض العلماء كفر فاعله مبالغة في التحريم، وقد جاء في الحديث من أتى امرأة في دبرها فهو بريء مما أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلم، ولا ينظر الله اليه، ولهذا أفتى من أفتى بكفره، لأن من كان بريئا مما انزل على محمد فهو كافر، تدبر هذا، وراجع الآية ٨٠ فما بعدها من سورة الأعراف المارة تجد تفصيلا شافيا كافيا، والحكم الشرعي فيه، والقصة بتمامها ايضا «قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ» عن مقالتك هذه وتتركنا
صفحة رقم 285