آيات من القرآن الكريم

وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ

قوله عز وجل:
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٦١ الى ٦٣]
تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً (٦١) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً (٦٢) وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً (٦٣)
لما جعلت قريش سؤالها عن الله تعالى وعن اسمه الذي هو الرحمن سؤالا عن مجهول نزلت هذه الآية مصرحة بصفاته التي تعرف به وتوجب الإقرار بربوبيته، و «البروج» هي التي علمتها العرب بالتجربة وكل أمة مصحرة وهي المشهورة عند اللغويين وأهل تعديل الأوقات وكل برج منها على منزلتين وثلث من منازل القمر التي ذكرها الله تعالى في قوله وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ [يس: ٣٩] والعرب تسمي البناء المرتفع المستغني بنفسه برجا تشبيها ببروج السماء. ومنه قوله تعالى: وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ [النساء: ٧٨]. وقال الأخطل: [البسيط]
كأنها برج روميّ يشيده... لز بجص وآجور وأحجار
وقال بعض الناس في هذه الآية التي نحن فيها «البروج» القصور في الجنة، وقال الأعمش: كان أصحاب عبد الله يقرؤونها «في السماء قصورا»، وقيل «البروج» الكواكب العظام حكاه الثعلبي عن أبي صالح، وهذا نحو ما بيناه إلا أنه غير ملخص، وأما القول بأنها قصور في الجنة فقول يحط غرض الآية في التنبيه على أشياء مدركات تقوم بها الحجة على كل منكر لله أو جاهل به. وقرأ الجمهور «سراجا» وهي الشمس، وقرأ حمزة والكسائي وعبد الله بن مسعود وعلقمة والأعمش «سرجا» وهو اسم جميع الأنوار ثم خص القمر بالذكر تشريفا، وقرأ النخعي وابن وثاب والأعمش «سرجا» بسكون الراء، قال أبو حاتم روى عصمة عن الحسن «وقمرا» بضم القاف ساكنة الميم ولا أدري ما أراد إلا أن يكون عنى جمعا كثمر وثمر وقال أبو عمرو وهي قراءة الأعمش والنخعي، وقوله خِلْفَةً أي هذا يخلف هذا، وهذا يخلف هذا، ومن هذا المعنى قول زهير: [الطويل]
بها العين والأرآم يمشين خلفة... وأطلاؤها ينهضن من كل مجثم
ومن هذا قول الآخر يصف امرأة تنتقل من منزل في الشتاء إلى منزل في الصيف دأبا [يزيد بن معاوية] :[المديد]
ولها بالماطرون إذا... أكل النمل الذي جمعا
خلفة حتى إذا ارتبعت... سكنت من جلق بيعا
في بيوت وسط دسكرة... حولها الزيتون قد ينعا
وقال مجاهد خِلْفَةً من الخلاف، هذا أبيض وهذا أسود، وما قدمناه أقوى، وقال مجاهد وغيره من النظار لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أي يعتبر بالمصنوعات ويشكر الله على نعمه عليه في العقل والفهم والفكر،

صفحة رقم 217

وقال عمر بن الخطاب والحسن وابن عباس معناه لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ ما فاته من الخير والصلاة ونحوه في أحدهما فيستدركه في الذي يليه، وقرأ حمزة وحده «يذكر» بسكون الذال وضم الكاف، وهي قراءة ابن وثاب وطلحة والنخعي، وقرأ الباقون «يذّكر» بشد الذال، وفي مصحف أبي بن كعب «يتذكر» بزيادة تاء، ثم قال تعالى لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرادَ شُكُوراً جاء بصفة عباده الذين هم أهل التذكر والشكور، و «العباد» والعبيد بمعنى إلا أن العباد يستعمل في مواضع التنويه، وسمي قوم من عبد القيس العباد لأن كسرى ملكهم دون العرب، وقيل لأنهم تألهوا مع نصارى الحيرة فصاروا عباد الله وإليهم ينسب عدي بن زيد العبادي، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «وعبد الرحمن»، ذكره الثعلبي، وقوله الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ عبارة عن عيشهم ومدة حياتهم وتصرفاتهم نذكر من ذلك العظم لا سيما وفي الانتقال في الأرض هي معاشرة الناس وخلطتهم ثم قال، هَوْناً، بمعنى أمره كله هون أي لين، قال مجاهد، بالحلم والوقار، وقال ابن عباس بالطاعة والعفاف والتواضع، وقال الحسن حلما إن جهل عليهم لم يجهلوا، وذهبت فرقة إلى أن هَوْناً مرتبط بقوله يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ أي المشي هو هون، ويشبه أن يتأول هذا على أن تكون أخلاق ذلك الماشي هَوْناً مناسبة لمشية فيرجع القول إلى نحو ما بيّناه وأما أن يكون المراد صفة المشي وحده فباطل لأنه رب ماش هَوْناً رويدا وهو ذئيب أطلس. وقد كان رسول الله ﷺ يتكفا في مشيه كأنما يمشي في صبب وهو عليه السلام الصدر في هذه الآية. وقوله ﷺ «من مشى منكم في طمع فليمش رويدا» إنما أراد في عقد نفسه ولم يرد المشي وحده، ألا ترى أن المبطلين المتحيلين بالدين تمسكوا بصورة المشي فقط حتى قال فيهم الشاعر ذما لهم [أبي جعفر المنصور] :[مجزوء الرمل]
كلهم يمشي رويدا... كلهم يطلب صيدا
وقال الزهري سرعة المشي تذهب ببهاء الوجه.
قال القاضي أبو محمد: يريد الإسراع الحثيث لأنه يخل بالوقار والخير في التوسط وقال زيد بن أسلم كنت أسأل عن تفسير قوله الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً فما وجدت في ذلك شفاء، فرأيت في النوم من جاءني فقال هم الذين لا يريدون أن يفسدوا في الأرض.
قال الفقيه الإمام القاضي: فهذا تفسير في الخلق، وهَوْناً معناه رفقا وقصدا، ومنه قول النبي ﷺ «أجب حبيبك هونا ما» الحديث وقوله وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً. اختلف في تأويل ذلك، فقالت فرقة ينبغي للمخاطب أن يقول للجاهل سلاما بهذا اللفظ أي سلمنا سلاما وتسليما ونحو هذا، فيكون العامل فيه فعلا من لفظه على طريقة النحويين، والذي أقول إن قالُوا هو العامل في سَلاماً لأن المعنى قالُوا هذا اللفظ، وقال مجاهد معنى سَلاماً قولا سديدا، أي يقول للجاهل كلاما يدفعه به برفق ولين ف قالُوا على هذا التأويل عامل في قوله سَلاماً على طريقة النحويين وذلك أنه بمعنى قولا، وهذه الآية كانت قبل آية السيف فنسخ منها ما يختص الكفرة وبقي أدبها في المسلمين إلى يوم القيامة، وذكر سيبويه النسخ في هذه الآية في كتابه وما تكلم على نسخ سواه، ورجح به أن المراد السلامة لا التسليم لأن المؤمنين لم يؤمروا قط بالتسليم على الكفار والآية مكية فنسختها آية السيف.

صفحة رقم 218
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية