آيات من القرآن الكريم

وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣ ﰿ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ ﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ ﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖ ﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡ ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ

اللغَة: ﴿بُرُوجاً﴾ البروج: منازل الكواكب السيارة سميت بالبروج لأنها تشبه القصور العالية وهي للكواكب كالمنازل للسكان وقيل: هي الكواكب العظيمة ﴿غَرَاماً﴾ لازماً دائماً غير مفارق ومنه الغريم لملازمته ﴿الغرفة﴾ الدرجة الرفيعة في الجنة وهي في اللغة العلية، وكل بناءٍ عالٍ فهو غرفة ﴿يَعْبَأُ﴾ يبالي ويهتمُّ قال أبو عبيدة: ما أعبأ به أي وجودُه وعدمه عندي سواء، والعبء في اللغة الثقل ﴿لِزَاماً﴾ ملازماً لكم.
التفسِير: ﴿تَبَارَكَ الذي جَعَلَ فِي السمآء بُرُوجاً﴾ أي تمجَّد وتعظَّم الله الذي جعل في السماء تلك الكواكب العِظام المنيرة ﴿وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً﴾ أي وجعل فيها الشمس المتوهجة

صفحة رقم 338

في النهار، والقمر المضيء بالليل ﴿وَهُوَ الذي جَعَلَ اليل والنهار خِلْفَةً﴾ أي يخلف كلٌّ منهما الآخر ويتعاقبان، فيأتي النهار بضيائه ثم يعقبه الليل بظلامه ﴿لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ﴾ أي لمن اراد أن يتذكَّر آلاء الله، ويتفكر في بدائع صنعه ﴿أَوْ أَرَادَ شُكُوراً﴾ أي أراد شكر الله على إِفضاله ونعمائه قال الطبري: جعل الله الليل والنهار يخلف كل واحدٍ منهما الآخر، فمن فاته شيء من الليل أدركه بالنهار، ومن فاته شيء من النهار أدركه بالليل ﴿وَعِبَادُ الرحمن الذين يَمْشُونَ على الأرض هَوْناً﴾ الإِضافة للتشريف أي العباد الذين يحبهم الله وهم جديرون بالانتساب إليه هم الذين يمشون على الأرض في لين وسكينة ووقار، لا يضربون بأقدامهم أشراً ولا بطراً، ولا يتبخترون في مشيتهم ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً﴾ أي وإذا خاطبهم السفهاء بغلظةٍ وجفاءٌ قالوا قولاً يسْلًمون فيه من الإِثم قال الحسن: لا يجهلون على أحد، وإِن جُهل عليهم حَلُموا ﴿وَالَّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً﴾ أي يُحيْون الليل بالصلاة ساجدين لله على جباههم، أو قائمين على أقدامهم كقوله ﴿كَانُواْ قَلِيلاً مِّن الليل مَا يَهْجَعُونَ﴾ [الذاريات: ١٧] قال الرازي: لما ذكر سيرتهم في النهار ومن وجهين: ترك الإِيذاء، وتحمل الأذى بيَّن هنا سيرتهم في الليالي وهو اشتغالهم بخدمة الخالق ﴿والذين يَقُولُونَ رَبَّنَا اصرف عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ﴾ أي يدعون ربهم أن ينجيهم من عذاب النار، ويبتهلون إليه أن يدفع عنهم عذابها ﴿إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً﴾ أي لازماً دائماً غير مفارق ﴿إِنَّهَا سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً﴾ أي بئست جهنم منزلاً ومكان إقامة قال القرطبي: المعنى بئس المستقر وبئس المقام، فهم مع طاعتهم مشفقون خائفون من عذاب الله، وقال الحسن: خشعوا بالنهار وتعبوا بالليل فرَقاً من عذاب جهنم ﴿والذين إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ﴾ هذا هو الوصف الخامس من أوصاف عباد الرحمن والمعنى: ليسوا مبذرين في إِنفاقهم في المطاعم والمشارب والملابس، ولا مقصِّرين ومضيّقين بحيث يصبحون بخلاء ﴿وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً﴾ أي وكان إنفاقُهم وسطاً معتدلاً بين الإِسراف والتقتير كقوله تعالى
﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البسط﴾ [الإسراء: ٢٩] الآية وقال مجاهد: «لو أنفقت مثل جبل أبي قُبيس ذهباً في طاعة الله ما كان سرَفاً» ﴿والذين لاَ يَدْعُونَ مَعَ الله إلها آخَرَ﴾ أي لا يعبدون معه تعالى إلهاً آخر، بل يوحّدونه مخلصين له الدين ﴿وَلاَ يَقْتُلُونَ النفس التي حَرَّمَ الله إِلاَّ بالحق﴾ أي لا يقتلون النفس التي حرَّم الله قتلها إلا بما يحقُّ أن تُقتل به النفوس من كفرٍ بعد إيمان، أو زنىً بعد إحصان، أو القتل قِصاصاً ﴿وَلاَ يَزْنُونَ﴾ أي لا يرتكبون جريمة الزنى التي هي من أفحش الجرائم ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذلك يَلْقَ أَثَاماً﴾ أي ومن يقترف تلك الموبقات العظيمة من الشرك والقتل والزنى يجد في الآخرة النكال والعقوبة ثم فسَّرها بقوله ﴿يُضَاعَفْ لَهُ العذاب يَوْمَ القيامة﴾ أي يُضاعف عقابُه ويُغلَّظ بسبب الشرك وبسبب المعاصي ﴿وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً﴾ أي يُخلد في ذلك العذاب حقيراً ذليلاً أبد الآبدين ﴿إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً﴾ أي إلاّ من

صفحة رقم 339

تاب في الدنيا التوبة النصوح وأحسن عمله ﴿فأولئك يُبَدِّلُ الله سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ أي يكرمهم الله في الآخرة فيجعل مكان السيئات حسنات وفي الحديث «إيني لأعلم آخر أهل الجنة دخولاً الجنة، وآخر أهل النار خروجاً منها، رجلٌ يُؤتى به يوم القيامة فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه وارفعوا عنه كبارها، فتعرض عليه صغار ذنوبه فيقال: عملتَ يوم كذا وكذا وكذا فيقول نعم لا يستطيع أن ينكر وهو مشفقٌ من كبار ذنوبه فيقال له: فإِنَّ لك مكانَ كل سيئةٍ حسنة فيقول يا رب: قد عملتُ أشياء لا أراها هاهنا، قال فضحك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حتى بدتْ نواجذه» ﴿وَكَانَ الله غَفُوراً رَّحِيماً﴾ أي واسع المغفرة كثير الرحمة ﴿وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى الله مَتاباً﴾ أي ومن تاب عن المعاصي وأصلح سيرته فإن الله يتقبل توبته ويكون مرضياً عند الله تعالى ﴿والذين لاَ يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾ هذا هو الوصف السابع من أوصاف عباد الرحمن أي لا يشهدون الشهادة الباطلة - شهادة الزور - التي فيها تضييعٌ لحقوق الناس ﴿وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً﴾ أي وإ ِذا مرُّوا بمجالس اللغو - وهي الأماكن التي يكون فيها العمل القبيح كمجالس اللهو، والسينما، والقمار، والغناء المحرَّم - مرُّوا معرضين مكرمين أنفسهم عن أمثال تلك المجالس قال الطبري: واللغوُ كلُّ كلامٍ أو فعلٍ باطل وكلُّ ما يُستقبح كسبّ الإِنسان، وذكر النكاح باسمه في بعض الأماكن، وسماعِ الغناءِ مما هو قبيح، كلُّ ذلك يدخل في معنى اللغو الذي يجب أن يجتنبه المؤمن ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ﴾ أي إِذا وُعظوا بآيات القرآن وخُوّفوا بها ﴿لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً﴾ أي لم يُعرضوا عنها بل سمعوها بآذانٍ واعية وقلوبٍ وجلة ﴿والذين يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ أي اجعل لنا في الأزواجِ والبنين مسرةً وفرحاً بالتمسك بطاعتك، والعمل بمرضاتك ﴿واجعلنا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً﴾ أي اجعلنا قُدوة يقتدي بنا المتقون، دعاةً إلى الخير هُداة مهتدين قال ابن عباس: أي أئمة يقتدى بنا في الخير ﴿أولئك يُجْزَوْنَ الغرفة بِمَا صَبَرُواْ﴾ أي أولئك المتصفون بالأوصاف الجليلة السامية ينالون الدرجات العالية، بصبرهم على أمر الله وطاعتهم له سبحانه ﴿وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَماً﴾ أي ويُتلقَّون بالتحية والسلام من الملائكة الكرام كقوله تعالى
﴿وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ﴾ [الرعد: ٢٣] الآية ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي مقيمين في ذلك النعيم لا يموتون ولا يُخْرجون من الجنَّة لأنها دار الخلود ﴿حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً﴾ أي ما أحسنها مقراً وأطيبها منزلاً لمن اتقى الله ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ﴾ أي قل لهم يا محمد: لا يكترثُ ولا يحفلُ بكم ربي لولا تضرعكم إليه واستغاثتكم إيّاه في الشدائد ﴿فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً﴾ أي فقد كذبتم أيها الكافرون بالرسول والقرآن فسوف يكون العذاب ملازماً لكم في الآخرة.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات وجوهاً من البلاغة والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الإِضافة للتشريف والتكريم ﴿وَعِبَادُ الرحمن﴾.
٢ - الطباق بين السجود والقيام ﴿سُجَّداً وَقِيَاماً﴾ وكذلك بين الإِسراف والتقتير ﴿أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ﴾.
٣ -

صفحة رقم 340

المقابلة اللطيفة بين نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار ﴿حَسُنَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً﴾ مقابل قوله عن أهل النار ﴿سَآءَتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً﴾.
٤ - الاستعارة البديعة ﴿لَمْ يَخِرُّواْ عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً﴾ أي لم يتغافلوا عن قوارع النذر حتى يكونوا بمنزلة من لا يسمع ولا يبصر وهذا من أحسن الاستعارات.
٥ - الكناية ﴿قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾ كناية عن الفرحة والمسرَّة كما أن ﴿الغرفة﴾ كناية عن الدرجات العالية في الجنة.
تنبيه: قال القرطبي: وصف تعالى «عباد الرحمن» بإِحدى عشرة خصلة هي أوصافهم الحميدة من التحلِّي، والتخلِّي وهي «التواضع، والحلم، والتهجد، والخوف، وترك الإسراف والإِقتار، والبعد عن الشرك، والنزاهة عن الزنى والقتل، والتوبة، وتجنب الكذب، وقبول المواعظ، والابتهال إلى الله» ثم بين جزاءهم الكريم وهو نيل الغرفة أي الدرجة الرفيعة وهي أعلى منازل الجنة وأفضلها كما أن الغرفة أعلى مساكن الدنيا.

صفحة رقم 341
صفوة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد علي بن الشيخ جميل الصابوني الحلبي
الناشر
دار الصابوني للطباعة والنشر والتوزيع - القاهرة
الطبعة
الأولى، 1417 ه - 1997 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية