آيات من القرآن الكريم

وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا
ﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡ ﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ ﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ ﯟﯠﯡﯢﯣ ﰿ ﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰ ﯲﯳﯴﯵ ﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰ ﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂ

على وتيرة واحدة، وسؤالهن هذا من تجاهل العارف لأنه مذكور في الكتب المتقدمة بالعبرانية بلفظ رحمان كما ذكر موسي (موشى). وقالوا على طريق الاستفهام الإنكاري «أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا» يا محمد؟ كلا لا نفعل أبدا «وَزادَهُمْ» طلب السجود والأمر به «نُفُوراً» ٦٠ عن الإيمان بالله ورسوله وجاهروه بعدم الامتثال.
واعلم أن هذه السجدة من عزائم السجود فتجب على القارئ والسامع، وقدمنا ما يتعلق بالسجود لله في الآية الأخيرة من سورة الأعراف وص والنجم المارات فراجعها.
مطلب البروج وأقسامها وما يتعلق بقضاء الورد:
قال تعالى «تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً» قال ابن عباس هي منازل الكواكب السيارات السبع وقد بيناها أول سورة البروج المارة وسميت بروجا تشبيها لها بالمنازل لمنازل هذه الكواكب، ومعناها القصور، فالأسد بيت الشمس، والسرطان بيت القمر، والحمل والعقرب بيتا المريخ، والثور والميزان بيتا الزهرة، والجوزاء والسنبلة بيتا عطارد، والقوس والحوت بيتا المشتري، والجدي والدلو بيتا زحل، وهي مقسومة على الطبائع الأربع فالحمل والأسد والقوس مثلثة ناريّة، والثور والسنبلة والجدي مثلثة أرضية، والجوزاء والميزان والدلو مثلثة هوائية، والسرطان والعقرب والحوت مثلثة مائية، وقسمنا في الآية ٣٨ من سورة يس المارة ما يتعلق بالمنازل مفصلا فراجعها، ولهذين البحثين صلة في الآية ١٦ من سورة الحجر في ج ٢ تستكمل به ما يتعلق بها ان شاء الله «وَجَعَلَ فِيها سِراجاً» شمسا «وَقَمَراً مُنِيراً» ٦١ مضيئا راجع الآية ١٣ من سورة الإسراء الآتية تجد تمام هذا البحث «وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ خِلْفَةً» لبعضهما يعقب الواحد الآخر ويقوم مقامه بالعمل، فإذا فات الإنسان عمله بالليل قضاه بالنهار، وإذا فاته بالنهار أتى به بالليل، والمراد هنا اختلافها في الزيادة والنقصان أيضا والسواد والبياض وذهاب أحدهما ومجيء الآخر دون فاصلة، وانما جعلهما يخلف كل منهما الآخر لمقتضى الحكمة والمصلحة «لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ» في عبادة ربه فيهما وما فاته من ذكره أو نسيه في أحدهما أو لم يتمكن من إتمام

صفحة رقم 97

الأذكار المأثورة التي رتّبها على نفسه في الليل قضاه في النهار، وكذلك بالعكس روى الطيالسي وابن أبي حاتم أن عمر رضي الله عنه أطال صلاة الفجر، فقيل له صنعت شيئا لم تكن تصنعه؟ قال إنه بقي عليّ من وردي شيء فأحببت أن أتمه أو قال أقضيه. وتلا هذه الآية. ومن التذكر المأجور عليه أن يتفكر في كيفية تسخيرهما واختلافهما وانتظام سيرهما، ويستدل بذلك على عظمة مبدعهما ومدبرهما، ويستفاد من ظاهر الآية أن الأوراد التي قد اعتادها السادة الصوفية بارك الله فيهم لها أصل في النوع مقتبس من هذه الآية المؤيدة بفعل عمر رضي الله عنه، وفيهما دليل على تقننها وأن قضاء ما فات منها لازم على النفوس الطاهرة التي ترى ما التزمته على نفسها من الذكر واعتادته لازما عليها قضاؤه استنباطا من الأصول الفقهية مثل من شرع في نفل وأبطله وجب عليه قضاؤه، مع أنه نفل «أَوْ أَرادَ شُكُوراً» ٦٢ بأداء نوع من العبادة وردا خاصا له شكرا لنعم ربه وإفضاله عليه لانه لو استغرق زمنه كله في شكر ربه لم يؤد حقه ورحم الله الشيخ بشيرا الغزي إذ يقول في مقدمته منظومة الشمسية في علم المنطق:

لو أن كل الكائنات ألسنة تثني على علاه طول الأزمنه
لم تقدر الرحمن حق قدره ولم تؤد موجبات شكره
ويؤذن عطف إرادة الشكر على التذكر إرادة فعل النافلة بعد الفريضة وتلاوة الأذكار المأثورة بعدها والتفكر في بدايع صنع الله مما ينور القلب ويطلعه على علم ما لم يعلم. فاغتنم أيها العاقل واستكثر من الذكر المشروع ولا تنظر لأقوال المتطفلين على الدين الذين (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غافِلُونَ) الآية ٧ من سورة الروم في ج ٢ أجارنا الله من الغفلة وحمانا من العطلة، ووفقنا لما به الفلاح والنجاح هذا وقد قرأ زيد بن علي وطلحة وغيرهما (أَنْ يَذَّكَّرَ) بالتخفيف مضارع ذكر وهي قراءة جائزة وتؤيد ما ذكرناه، ومما يوثقه أيضا وصف الله تعالى عباده بقوله «وَعِبادُ الرَّحْمنِ» الذين دأبهم ذكره وشكره العارفون به «الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً» بالسكينة والوقار متواضعين

صفحة رقم 98

لا يمرحون ولا يختالون ولا يتبخترون. راجع الآية ٣٦ من الإسراء الآتية، وقد أضافهم جل شأنه لنفسه للعلم بأنهم المخصوصون بإفضاله المنعم عليهم بصفة كماله، لأن العبودية فعل المأمورات وترك المنهيات، لا لرجاء الثواب والنجاة من العقاب الذين تقتضيهما معنى العبادة، بل لمجرد إحسان الله تعالى ومطلق أمره ونهيه، استحقاقا لذاته المقدسة «وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً» ٦٣ أي ومن صفاتهم أيضا يقولون قولا يدل على المتاركة والإغضاء عند ما يجابههم السفيه وقليل الأدب والساخر والمستهزئ بما لا ينبغي أن يقال لمثلهم، ولفظ الجاهل يدخل فيه ما ذكرنا إذ لم يرد فيه في هذه الآية من هو دون البلوغ ولا عديم العلم، وهذا الجواب الذي علمه الله لخيرة خلقه على نهاية من الاستحسان أدبا ومروءة، وأسلم للغرض، وأوفق للورع، ولا وجه لقول من قال أن المراد به السلام المعروف لأنه جاء في الآية ٩٢ من سورة النساء مع أن سورة النساء مدنية وهذه مكية ولم يؤمر فيها بعد بالسلام بل هو سلام متاركة وتوديع لا سلام تحية واستقبال مثله قول سيدنا إبراهيم لأبيه (سلام عليك) الآية ٤٨ من سورة مريم الآتية وفسره بعضهم «بسداد» أي أراد قولا من سداد القول ولينه، وهو داخل فيما ذكرته أي أنهم يحلمون ولو تعدى عليهم ولا يسفهون وإن تسوفه عليهم، ولا يجهلون وإن جهل عليهم، ولا يتمثلون بقول صاحب المعلقة عمرو بن كلثوم:
ألا لا يجهلن أحد علينا... فنجهل فؤق جهل الجاهلينا
وذلك لأنهم تركوا نفوسهم وأقبلوا على ربهم فلم تبق عندهم أنفة الجاهلية، ولهذا نهي عن مخالطة الجهال بذلك المعنى لئلا يكون في عدادهم قال علي كرم الله وجهه:
فلا تصحب أخا الجهل... وإياك وإياه
فكم من جاهل أردى... حليما حين آخاه
يقاس المرء بالمرء... إذا ما هو ماشاه
وللقلب على القلب... دليل حين يلقاه

صفحة رقم 99

وقال الآخر:

عن المرء لا تسأل وأبصر قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
مطلب إحياء الليل والآيات المدنيات وكلمات لغوية:
وهكذا كان شأنهم بالنهار، وانظر كيف وصفهم ربهم بما يكون منهم بالليل بقوله جل قوله «وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً» ٦٤ أي أنهم يجعلون بدل النوم الصلاة، لأنهم يتلذذون بالتشوق إلى المعبود أكثر من التذاذهم بالنوم، والبيتوتة لا تختص بالنوم، بل إن يدركك الليل تمت أو لم تنم وقيام الليل من السنن التي دأب عليها الصالحون، لأنه وقت اجتماع المحب بالمحبوب، والطالب بالمطلوب، وإحياء الليل أنواع أفضلها إحياؤه كله بالصلاة والذكر، ثم الاقتصار على ثلثيه، فعلى ثلثه، فسدسه، فعلى ما يتيسر منه، كما مر في آخر سورة المزمل قال الفقهاء: من قرأ شيئا من القرآن في الليل في صلاته فقد بات ساجدا. روى مسلم عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف الليل، ومن صلى الفجر بجماعة كان كقيام ليله كله.
وقريء سجودا على وزن قعودا، وهي أوفق بالنسبة لذكر قياما من حيث اللغة، إلا إن سجدا يدل على التكثير أكثر من سجودا فهو أنسب بالمقام وأبلغ في المعنى. ومن أراد الوقوف على الأوراد وأوقاتها وفضلها فليراجع الباب الأول من كتاب عين العلم للأستاذ الملا علي القاري رحمه الله، ففيه كل ما يريده ويتصوره، قال تعالى في وصف دعائهم «وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً» ٦٥ لازما دائما لا ينفك، وهذا الغرام يراد منه الامتداد والاستمرار، فيختص بالكفار أجارنا الله منه، مثله مثل ملازمة الغريم مدينه، ومعناه الجزاء بأكثر مما يستحق. ثم وصف الله تعالى جهنم بقوله «إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً» ٦٦ فبئس الموضع موضعها وبئس المقام مقامها وأنت الضمير لتأويل المستقر بجهنم أو لأجل المطابقة للمخصوص بالذم، ثم وصف الله صدقاتهم فقال «وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا» أي بأن

صفحة رقم 100

يتجاوزوا بها قدرتهم أو يعطوها لغير مستحقيها، فإن هاتين الخصلتين من الإسراف، فكيف بمن ينفق ماله في معصية الله إذا جيء به يوم يؤخذ بالنواصي، يوم يفوز الطائع ويهلك العاصي، يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله، أما نفقات الرياء والسمعة فسيأتي ذكرهما في الآية ٢٦٤ من سورة البقرة في ج ٣ إن شاء الله «وَلَمْ يَقْتُرُوا» على الفقراء مما أنعم به الله عليهم فيعطوهم حقهم وافيا مما افترضه الله عليهم لهم وقريء بكسر التاء مع فتح الياء، وبضم الياء وكسر التاء، وبضم الياء وفتح القاف، وتشديد التاء وكسرها وعلى كل، فمعنى التقتير التضييق على الفقراء بمنع الحق الذي فرض لهم على الأغنياء «وَكانَ» إنفاقهم «بَيْنَ ذلِكَ» الإسراف والتقتير «قَواماً» ٦٧ وسطا وهذا مما يدل على أن الإسراف مجاوزة الحد لأن يصل به إلى حد التبذير، وبالإقتار التقصير عما لا بد منه حتى يصل إلى منع عيال الله وعياله من حقهم، وهو أوفق لسياق الآية، ولهذا البحث صلة في تفسير الآيات ٢٦ و ٣١ من سورة الإسراء الآتية والآيات ٢٦٠ فما بعدها من البقرة، أخرج الإمام أحمد عن أبي الدرداء أن النبي ﷺ قال: من فقه الرجل رفقه في معيشته. واعلم أن معنى هذه الآية عام في نفقة الرجل على نفسه وأهله ومن هو تحت وصايته وولايته وغيرهم، ومعنى القوام غير الوسط العدل، وقوام الرجل قامته، وبكسر القاف ما أقامك من الرزق، ومن هذا القبيل حجام بالفتح الفرس، وبالضم المكوك، وحصان بالفتح العفة من النساء، وبالكسر الجواد، والذل بالكسر ضد الصعوبة، وبالضم ضد العز، والطعم بالفتح الشهوة، وبالضم الطعام، والجرم بالكسر البدن، وبالضم الذنب، والسلم بالكسر الصلح وبالفتح الاستسلام، والأرب بالفتح الحاجة، وبسكون الراء الدهاء. وقد بينا شيئا من هذا في تفسير الآية ١٧ من سورة التكوير والآية ١٦٩ من سورة الأعراف وله صلة في تفسير الآية ٥٩ من سورة مريم الآتية، وكلمة قوام لم تكرر في القرآن وهذه الآيات المدنيات قال تعالى «وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ» أي أن صفتهم في تنزيه معبودهم عدم إشراكهم أحدا معه في

صفحة رقم 101

دعائهم ووصفهم في عدم التعدي على الغير بقوله «وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ» المزيل لحرمتها وعصمتها كالكفر بعد الإيمان والزنى بعد الإحصان والقصاص «وَلا يَزْنُونَ» أي أنهم مبرّءون من هذه الخبائث التي كان عليها الجاهليون وأنهم مطهرون من كل سوء، وهذا تعريض بالمشركين الذين كانوا يعملون الكبائر القبيحة كهذه «وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ» كله أو شيئا منه بأن يزني أو يقتل بغير حق أو يرتد عن دينه والعياذ بالله «يَلْقَ أَثاماً» ٦٨ عقابا كثيرا لا يقادر قدره وقري يلق بضم الياء وتشديد القاف وفتح اللام، وقريء ابن مسعود أيامى بالياء أي شدائد يقال إلى يوم أيام أي شديدا عظيما، ويلقى بالألف المقصورة، كأنه نوى حذف الضمة المقدرة على الألف فأقرّت الألف، وقد ذكرنا غير مرة أن هذه القراءات التي لا زيادة فيها ولا نقص من حيث الحروف جائزة، روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال قال رجل يا رسول الله أي الذّنب أكبر عند الله؟ قال أن تدعو مع الله ندا وهو خلقك.
قال ثم؟ قال أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك. قال ثم؟ قال تزني بحليلة جارك. فأنزل الله هذه الآية تصديقا لقوله صلى الله عليه وسلم. والأثام قد يأتي بمعنى الجزاء قال عامر بن الطفيل:

وروينا الأسنة من صداء ولاقت حمير منها أثاما
هذا وإن من يفعل هذه الأشياء «يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ» بحسب مضاعفته عصيان ربه وتعدد المعاصي «وَيَخْلُدْ فِيهِ» أي العذاب لأن الكفر والشرك واستحلال قتل النفس والزنى تقتضي التخليد بالنار إذا لم يتب ومات مصرا على ذلك كما سيأتي، وقرىء فيه بإشباع الهاء بالكسر ولا يوجد في القرآن مثله وكذلك كلمة «مُهاناً» ٦٩ أي ذليلا حقيرا مخزيا «إِلَّا» استثناء من الجنس في موضع النصب لا استثناء المؤمن قد بدل اعتبار الكفر في المستثنى منه «مَنْ تابَ» ومات على توبته «وَآمَنَ» بربه وكتابه ورسوله إيمانا صادقا «وَعَمِلَ عَمَلًا صالِحاً» فيما بينه وبين ربه وبين الناس بعد توبته.

صفحة رقم 102
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية