
٣٩ - وقوله تعالى: ﴿وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ﴾ قال الزجاج: ﴿وَكُلًّا﴾ منصوب بفعل مضمر الذي ظهر تفسيره؛ المعنى: وأنذرنا كلًا ضربنا له الأمثال (١). قال قتادة: وكلًّا قد أعذر الله إليه ثم انتقم منه (٢). وقال مقاتل: وكلًا بيِّنا لهم أن العذاب نازل بهم إن لم يؤمنوا (٣).
﴿وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا﴾ أهلكنا بالعذاب إهلاكًا (٤). قال الزجاج: وكل شيء كسَّرتَه وفتَّتَّه فقد تبَّرْته، ومنه تبر الذهب (٥). وذكرنا معنى: التتبير، في سورة: سبحان (٦).
٤٠ - وقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَتَوْا﴾ يعني: كفار مكة (٧) ﴿عَلَى الْقَرْيَةِ﴾ يعني: قرية قوم لوط (٨) ﴿الَّتِي أُمْطِرَتْ مَطَرَ السَّوْءِ﴾ قال مقاتل، وغيره:
(٢) أخرجه بسنده عبد الرزاق ٢/ ٧٠. وعنه ابن جرير ١٩/ ١٥. وابن أبي حاتم ٨/ ٢٦٩٧. قال ابن كثير ٦/ ١١٢: أي بينا لهم الحجج، ووضحنا لهم الأدلة.
(٣) لم أجده في "تفسير مقاتل". وفي "تنوير المقباس" ص ٣٠٣: بينا لكل قرن عذاب القرون الذين قبلهم فلم يؤمنوا. وذكر أبو حيان ٦/ ٤٥٨، وجهاً غريبا في ذلك، واستبعده، وهو حري بذلك، وهو أن الضمير في ﴿لَهُ﴾ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
(٤) "تفسير الثعلبي" ٨/ ٩٩أ.
(٥) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٦٩.
(٦) قال الواحدي في تفسير قول الله تعالى: ﴿وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾ [الإسراء: ٧]: يقال تَبِرَ الشيءُ يَتْبَرُ تَباراً إذا هلك، وتَبَّرَه أهلكه، قال أبو إسحاق: وكل شيء كَسَرْتَه وفَتَّتَّهُ فقد تَبَّرْتَهُ، ومن هذا تِبْرُ الزجاج وتِبْرُ الذهب لِمُكَسَّره.
(٧) "تنوير المقباس" ص ٣٠٣. و"معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٦٩. و"تفسير السمرقندي" ٢/ ٤٦١. وتصدير قصة قوم لوط -صلى الله عليه وسلم- باللام، وقد، دليل على عظم إعراضهم عن الانتفاع بالمواعظ والزواجر. والله أعلم.
(٨) "تنوير المقباس" ص ٣٠٣. والزجاج ٤/ ٦٩. والسمرقندي ٢/ ٤٦١. وذكر الثعلبي ٨/ ٩٩ أ، والزمخشري ٣/ ٢٧٣، والرازي ٢٤/ ٨٤، وأبو حيان ٦/ ٤٥٨ ونسبه =

يعنى: الحجارة، كل حجر في العِظَم على قدر إنسان (١) ﴿أَفَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَهَا﴾ في أسفارهم إذا مروا بها فيخافوا ويعتبروا (٢).
قال ابن عباس: كانت قريش في تجارتها إلى الشام تمر بمدائن قوم لوط (٣). وذلك قوله: ﴿وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ﴾ [الصافات: ١٣٧].
ثم أعلم الله -عَزَّ وَجَلَّ- أن الذي جرأهم على التكذيب، وترك المبالاة بما شاهدوا من التعذيب في الدنيا أنهم كانوا لا يصدقون بالبعث، فقال: ﴿بَلْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ نُشُورًا﴾ [الفرقان: ٤٠] قال ابن عباس ومقاتل: لا يخافون بعثًا، ولا
(١) "تفسير مقاتل" ص ٤٥ ب. وذكره البرسوي ٦/ ٢١٤، ولم ينسبه. وهي حجارة السجيل، المذكورة في قوله تعالى: ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ﴾ [هود: ٨٢]. ووصف مقاتل لها بأنها في العظم على قدر الإنسان يحتاج إلى إثبات؛ ووصفها بالإمطار يدل على أنها شبيهة بالمطر في الكثرة، والتتابع، ولا يلزم من ذلك كبرها وعظمها، والله أعلم.
(٢) "تفسير الثعلبي" ٨/ ٩٩ أ. و"تفسير الماوردي" ٤/ ١٤٦.
(٣) ذكره البغوي ٦/ ٨٥، ولم يخسجه. ونسبه القرطبي ١٣/ ٣٤، لابن عباس رضي الله عنهما.