آيات من القرآن الكريم

وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ ۖ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا
ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ

مُوسَى وَهَارُونَ إِلَيْهِمْ بَلْ بَعْدَ مُدَّةٍ مَدِيدَةٍ، قلنا: التعقيب محمول هاهنا عَلَى الْحُكْمِ لَا عَلَى الْوُقُوعِ، وَقِيلَ: إِنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ اخْتِصَارَ الْقِصَّةِ فَذَكَرَ حَاشِيَتَيْهَا أَوَّلَهَا وَآخِرَهَا لِأَنَّهُمَا الْمَقْصُودُ مِنَ الْقِصَّةِ بِطُولِهَا أَعْنِي إِلْزَامَ الحجة بِبَعْثَةِ الرُّسُلِ وَاسْتِحْقَاقِ التَّدْمِيرِ بِتَكْذِيبِهِمْ.
المسألة الرَّابِعَةُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنْ حَمَلْنَا تَكْذِيبَ الْآيَاتِ عَلَى تَكْذِيبِ آيَاتِ الْإِلَهِيَّةِ فَلَا إِشْكَالَ، وَإِنْ حَمَلْنَاهُ عَلَى تَكْذِيبِ آيَاتِ النُّبُوَّةِ فَاللَّفْظُ، وَإِنْ كَانَ لِلْمَاضِي إِلَّا أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْمُسْتَقْبَلُ.
[سورة الفرقان (٢٥) : آية ٣٧]
وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ عَذاباً أَلِيماً (٣٧)
القصة الثانية- قصة نوح عليه السلام
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا قَالَ: كَذَّبُوا الرُّسُلَ إِمَّا لِأَنَّهُمْ كَانُوا مِنَ الْبَرَاهِمَةِ الْمُنْكِرِينَ لِكُلِّ الرُّسُلِ أَوْ لِأَنَّهُ كَانَ تَكْذِيبُهُمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ تَكْذِيبًا لِلْجَمِيعِ، لِأَنَّ تَكْذِيبَ الْوَاحِدِ مِنْهُمْ لَا يُمْكِنُ إِلَّا بِالْقَدْحِ فِي الْمُعْجِزِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَكْذِيبَ الْكُلِّ، أَوْ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالرُّسُلِ وَإِنْ كَانَ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ وَحْدَهُ وَلَكِنَّهُ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ يَرْكَبُ الْأَفْرَاسَ.
أَمَّا قَوْلُهُ: أَغْرَقْناهُمْ فَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أَمْطَرَ اللَّه عَلَيْهِمُ السَّمَاءَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَخْرَجَ مَاءَ الْأَرْضِ أَيْضًا فِي تِلْكَ الْأَرْبَعِينَ فَصَارَتِ الْأَرْضُ بَحْرًا وَاحِدًا وَجَعَلْناهُمْ أَيْ وَجَعَلْنَا إِغْرَاقَهُمْ أَوْ قِصَّتَهُمْ آيَةً، وَأَعْتَدْنا لِلظَّالِمِينَ أَيْ لِكُلِّ مَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ فِي تَكْذِيبِ الرُّسُلِ عَذَابًا أَلِيمًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ قوم نوح.
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ٣٨ الى ٣٩]
وَعاداً وَثَمُودَ وَأَصْحابَ الرَّسِّ وَقُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً (٣٨) وَكُلاًّ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَكُلاًّ تَبَّرْنا تَتْبِيراً (٣٩)
الْقِصَّةُ الثَّالِثَةُ- قِصَّةُ عَادٍ وَثَمُودَ وَأَصْحَابِ الرَّسِّ
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: عطف عاداً عَلَى (هُمْ) فِي وَجَعَلْناهُمْ أَوْ عَلَى (الظَّالِمِينَ) لِأَنَّ الْمَعْنَى وَوَعَدْنَا الظَّالِمِينَ.
المسألة الثَّانِيَةُ: قُرِئَ وثَمُودَ عَلَى تَأْوِيلِ الْقَبِيلَةِ، وَأَمَّا عَلَى الْمُنْصَرِفِ فَعَلَى تَأْوِيلِ الْحَيِّ أَوْ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِلْأَبِ الْأَكْبَرِ.
المسألة الثَّالِثَةُ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ الرَّسُّ هُوَ الْبِئْرُ غَيْرُ الْمَطْوِيَّةِ، قَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: فِي الْبِلَادِ مَوْضِعٌ يُقَالُ لَهُ الرَّسُّ فَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْوَادِي سَكَنًا لَهُمْ، وَالرَّسُّ عِنْدَ الْعَرَبِ الدَّفْنُ، وَيُسَمَّى بِهِ الْحَفْرُ يُقَالُ رُسَّ الْمَيِّتُ إِذَا دُفِنَ وَغُيِّبَ فِي الْحُفْرَةِ، وَفِي التَّفْسِيرِ أَنَّهُ الْبِئْرُ، وَأَيُّ شَيْءٍ كَانَ فَقَدْ أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى عَنْ أَهْلِ الرَّسِّ بِالْهَلَاكِ انْتَهَى.
المسألة الرَّابِعَةُ: ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ فِي أَصْحَابِ الرَّسِّ وُجُوهًا: أَحَدُهَا: كَانُوا قَوْمًا مِنْ عَبَدَةِ الْأَصْنَامِ أَصْحَابَ آبَارٍ وَمَوَاشٍ، فَبَعَثَ اللَّه تَعَالَى إِلَيْهِمْ شُعَيْبًا عَلَيْهِ السَّلَامُ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَتَمَادَوْا فِي طُغْيَانِهِمْ وَفِي إِيذَائِهِ فَبَيْنَمَا

صفحة رقم 459

هُمْ حَوْلَ الرَّسِّ خَسَفَ اللَّه بِهِمْ وَبِدَارِهِمْ وَثَانِيهَا: الرَّسُّ قَرْيَةٌ بِفَلَجِ الْيَمَامَةِ قَتَلُوا نَبِيَّهُمْ فَهَلَكُوا وَهُمْ بَقِيَّةُ ثَمُودَ وَثَالِثُهَا: أَصْحَابُ النَّبِيِّ حنظلة بْنِ صَفْوَانَ كَانُوا مُبْتَلَيْنَ بِالْعَنْقَاءِ، وَهِيَ أَعْظَمُ مَا يَكُونُ مِنَ الطَّيْرِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِطُولِ عُنُقِهَا وَكَانَتْ تَسْكُنُ جَبَلَهُمُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ فتح وَهِيَ تَنْقَضُّ عَلَى صِبْيَانِهِمْ فَتَخْطَفُهُمْ إِنْ أَعْوَزَهَا الصَّيْدُ فَدَعَا عَلَيْهَا حَنْظَلَةُ فَأَصَابَتْهَا الصَّاعِقَةُ، ثُمَّ إِنَّهُمْ قَتَلُوا حَنْظَلَةَ فَأُهْلِكُوا وَرَابِعُهَا: هُمْ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، وَالرَّسُّ هُوَ الْأُخْدُودُ وَخَامِسُهَا: الرَّسُّ أَنْطَاكِيَةُ قَتَلُوا فِيهَا حَبِيبًا النَّجَّارَ، وَقِيلَ (كَذَّبُوهُ) «١» وَرَسُّوهُ فِي بِئْرٍ أَيْ دَسُّوهُ فِيهَا وَسَادِسُهَا:
عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا يَعْبُدُونَ شَجَرَةَ الصَّنَوْبَرِ وَإِنَّمَا سُمُّوا بِأَصْحَابِ الرَّسِّ لِأَنَّهُمْ رَسُّوا نَبِيَّهُمْ فِي الْأَرْضِ
وَسَابِعُهَا: أَصْحَابُ الرَّسِّ قَوْمٌ كَانَتْ لَهُمْ قُرًى عَلَى شَاطِئِ نَهْرٍ يُقَالُ لَهُ الرَّسُّ مِنْ بِلَادِ الْمَشْرِقِ فَبَعَثَ اللَّه تعالى إليهم نبيا من ولد يهودا بْنِ يَعْقُوبَ فَكَذَّبُوهُ فَلَبِثَ فِيهِمْ زَمَنًا فَشَكَى إِلَى اللَّه تَعَالَى مِنْهُمْ فَحَفَرُوا بِئْرًا وَرَسُّوهُ فِيهَا وَقَالُوا نَرْجُو أَنْ يَرْضَى عَنَّا إِلَهُنَا وَكَانُوا عَامَّةَ يَوْمِهِمْ يَسْمَعُونَ أَنِينَ نَبِيِّهِمْ يَقُولُ: إِلَهِي وَسَيِّدِي تَرَى ضِيقَ مَكَانِي وَشِدَّةَ كَرْبِي وَضَعْفَ قَلْبِي وَقِلَّةَ حِيلَتِي فَعَجِّلْ قَبْضَ رُوحِي حَتَّى مَاتَ، فَأَرْسَلَ اللَّه تَعَالَى رِيحًا/ عَاصِفَةً شَدِيدَةَ الْحُمْرَةِ فَصَارَتِ الْأَرْضُ مِنْ تَحْتِهِمْ حَجَرَ كِبْرِيتٍ مُتَوَقِّدٍ وَأَظَلَّتْهُمْ سَحَابَةٌ سَوْدَاءُ فَذَابَتْ أَبْدَانُهُمْ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ وَثَامِنُهَا:
رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ اللَّه بَعَثَ نَبِيًّا إِلَى أَهْلِ قَرْيَةٍ فَلَمْ يُؤْمِنْ بِهِ مِنْ أَهْلِهَا أَحَدٌ إِلَّا عَبْدٌ أَسْوَدُ ثُمَّ عَدَوْا عَلَى الرَّسُولِ فَحَفَرُوا لَهُ بِئْرًا فَأَلْقَوْهُ فِيهَا، ثُمَّ أَطْبَقُوا عَلَيْهِ حَجَرًا ضَخْمًا، وَكَانَ ذَلِكَ الْعَبْدُ يَحْتَطِبُ فَيَشْتَرِي لَهُ طَعَامًا وَشَرَابًا وَيَرْفَعُ الصَّخْرَةَ وَيُدْلِيهِ إِلَيْهِ فَكَانَ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّه فَاحْتَطَبَ يَوْمًا فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَحْمِلَهَا وَجَدَ نَوْمًا فَاضْطَجَعَ فَضَرَبَ اللَّه عَلَى أُذُنِهِ سَبْعَ سِنِينَ نَائِمًا، ثُمَّ انْتَبَهَ وَتَمَطَّى وَتَحَوَّلَ لِشِقِّهِ الْآخَرِ فَنَامَ سَبْعَ سِنِينَ أُخْرَى، ثُمَّ هَبَّ فَحَمَلَ حُزْمَتَهُ فَظَنَّ أَنَّهُ نَامَ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ فَجَاءَ إِلَى الْقَرْيَةِ فَبَاعَ حُزْمَتَهُ وَاشْتَرَى طَعَامًا وَشَرَابًا وَذَهَبَ إِلَى الْحُفْرَةِ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا، وَكَانَ قَوْمُهُ قَدِ اسْتَخْرَجُوهُ وَآمَنُوا بِهِ وَصَدَّقُوهُ، وَكَانَ ذَلِكَ النَّبِيُّ يَسْأَلُهُمْ عَنِ الْأَسْوَدِ، فَيَقُولُونَ لَا نَدْرِي حَالَهُ حَتَّى قَبَضَ اللَّه النَّبِيَّ وَقَبَضَ ذَلِكَ الْأَسْوَدَ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنَّ ذَلِكَ الْأَسْوَدَ لَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ»
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْلَ مَا قَالَهُ أَبُو مُسْلِمٍ وَهُوَ أَنَّ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ غَيْرُ مَعْلُومٍ بِالْقُرْآنِ، وَلَا بِخَبَرٍ قَوِيِّ الْإِسْنَادِ، وَلَكِنَّهُمْ كَيْفَ كَانُوا فَقَدْ أَخْبَرَ اللَّه تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ أُهْلِكُوا بِسَبَبِ كُفْرِهِمْ.
المسألة الْخَامِسَةُ: قَالَ النَّخَعِيُّ: الْقَرْنُ أَرْبَعُونَ سَنَةً، وَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: بَلْ سَبْعُونَ سَنَةً، وَقِيلَ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ.
المسألة السَّادِسَةُ: قَوْلُهُ بَيْنَ ذلِكَ أَيْ بَيْنَ ذَلِكَ الْمَذْكُورِ وَقَدْ يَذْكُرُ الذَّاكِرُ أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةً ثُمَّ يُشِيرُ إِلَيْهَا بِذَلِكَ وَيَحْسِبُ الْحَاسِبُ أَعْدَادًا مُتَكَاثِرَةً، ثُمَّ يَقُولُ فَذَلِكَ كَيْتَ وَكَيْتَ عَلَى مَعْنَى فَذَلِكَ الْمَحْسُوبُ أَوِ الْمَعْدُودُ.
أَمَّا قَوْلُهُ: وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ فَالْمُرَادُ بَيَّنَّا لَهُمْ وَأَزَحْنَا عِلَلَهُمْ فَلَمَّا كَذَّبُوا تَبَّرْنَاهُمْ تَتْبِيرًا وَيَحْتَمِلُ وَكُلًّا ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ بِأَنْ أَجَبْنَاهُمْ عَمَّا أَوْرَدُوهُ مِنَ الشُّبَهِ فِي تَكْذِيبِ الرُّسُلِ كَمَا أَوْرَدَهُ قَوْمُكَ يَا مُحَمَّدُ، فَلَمَّا لَمْ يَنْجَعْ فِيهِ تَبَّرْنَاهُمْ تَتْبِيرًا، فَحَذَّرَ تَعَالَى بِذَلِكَ قَوْمَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاسْتِمْرَارِ عَلَى تَكْذِيبِهِ لِئَلَّا يَنْزِلَ بِهِمْ مِثْلُ الَّذِي نَزَلَ بِالْقَوْمِ عَاجِلًا وآجلا.
المسألة السابعة: (كلا) الْأَوَّلُ مَنْصُوبٌ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ وَهُوَ أَنْذَرْنَا أَوْ حَذَّرْنَا، وَالثَّانِي بِتَبَّرْنَا لأنه فارغ له.

(١) في الكشاف (كذبوا نبيهم) ٣/ ٩٢ ط. دار الفكر.

صفحة رقم 460
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية