آيات من القرآن الكريم

وَكُلًّا ضَرَبْنَا لَهُ الْأَمْثَالَ ۖ وَكُلًّا تَبَّرْنَا تَتْبِيرًا
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽﯾﯿ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ ﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸ ﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐ ﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙ ﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ

والأعراض عن إجابة الدعوة ومقول القول «إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ» الذي أنزلته لخيرهم وصلاحهم وأمرتني أن آمرهم به وأنهاهم لمنفعتهم «مَهْجُوراً» ٣٠ متروكا لا يلتفتون إليه ولا يؤمنون بهديه ولا ينظرون لرشده. ومعنى الهجر القول السيء، وذلك أنهم وصموه بالسحر والشعر والكهانة وخرافات الأولين، فجعلوه بمثابة الهجر، وفي هذه الآية تخويف لقريش لأن الأنبياء إذا شكوا أقوامهم إلى ربهم أو شك أن يحلّ بهم عذابه ويكدون أن لا يمهلوا
قال تعالى «وَكَذلِكَ» كما جعلنا لك يا محمد أعداء من قومك «جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ» أمثالهم، وهذا كالتسلية له ﷺ لئلا يكبر عليه ما جبهه به قومه وليصبر عليهم كما صبر أولئك الرسل على أقوامهم حتى يأتي وعد الله فيهم «وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً» لعباده إلى ما خلقوا له «وَنَصِيراً» ٣١ لك عليهم. ثم ذكر جل شأنه نوعا آخر من أباطيل المشركين فقال «وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ» الذي يدعي إنزاله عليه من ربه «جُمْلَةً واحِدَةً» كالتوراة والإنجيل والزبور المنزلة على من قبله «كَذلِكَ» كمثل ما أنزلنا على من قبلك الكتب جملة واحدة لأنهم يحسنون القراءة والكتابة فلا يعزب عنهم شيء منه ويسهل عليهم تلاوته، وبما أنك أمي فقد جمعنا لك الأمرين فأنزلناه أولا جملة واحدة من اللوح إلى بيت العزّة، ثم أنزلناه عليك مفرقا «لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ» فنقرّه به أولا بأول لنعيه وتحفظه، لأنه نظم بديع عظيم، ولو لم نقو قلبك بقوة منا لما قدرت على حفظه لأن القوى البشرية لا تقوى على حفظه دفعة واحدة فضلا عن أنه يتلى عن ظهر الغيب بخلاف الكتب الأخرى فإنّها تتلى بالصحف وحتى الآن لا تجد من يستظهر الإنجيل أو التوراة، وهذا من معجزات القرآن إذ تجد الآلاف تستظهره فضلا عن أن الكتب القديمة لا تضاهيه ولا تحتوي على ما فيه وهو شامل لما كان ويكون مما فيها وفي غيرها من الصحف المنزلة على بقية الأنبياء ومما يحدث بعد إلى يوم القيامة وما يقع فيها من أحوال أهل الجنة والنار وما بعد ذلك، ولهذا ولكونك أمّيّا أنزلناه مفرّقا ليسهل عليك تلقيه وحفظه، وإن

صفحة رقم 84

إنزاله هكذا بحسب الحوادث والوقائع أبلغ في النفوس وأوقع بالأسماع «وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلًا» ٣٢ بيناه تبيانا واضحا بتثبيت وترسّل آية فاية وخمسا فخمسا وسورة فسورة، ولولا هذه الأسباب لأنزلناه عليك جملة واحدة، لان هذا في مصلحتك مما هو موافق لما في علمنا فكنت من حيث الإنزال جملة كمن قبلك ومن حيث إنزاله مفرقا زيادة على غيرك من هؤلاء الكفرة على ربهم الذي لا يسأل عما يفعل وما يفعل إلا لحكمة ومن جهلهم عن مراده يعترضون عليه وليس لهم ذلك لانه ليس من خصائصهم قال تعالى «وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ» من أسئلتهم الواهية وتدخلهم فيما لا يعنيهم وما ليس لهم به علم «إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ» الواضح والجواب القاطع لتبطل به شبههم الباطلة بقول فصل لا محيد عنه ولا مرد له «وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً» ٣٣ بيانا وكشفا لأن برهانك قوي وحجتهم قاصرة ضعيفة وجوابك قاطع، وأسئلتهم لا شأن لها وكلمة تفسيرا لم تكرر في القرآن. ثم ذكر ما يؤول إليه أمرهم في الآخرة التي يجب أن يسألوا عنها ويعملوا لأجلها لأن مصيرهم إليها فقال «الَّذِينَ يُحْشَرُونَ» سحبا تحقيرا لهم «عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ» وأمثالهم «شَرٌّ مَكاناً» من غيرهم «وَأَضَلُّ سَبِيلًا» ٣٤ أخطأ طريقا، لأن جهنم دركات كل واحدة شرّ من الأخرى وأشد عذابا من التي فوقها، كما أن الجنة درجات وكل درجة أحسن من التي تحتها. روى الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف: صنفا مشاة وصنفا ركبانا وصنفا على وجوههم، قيل يا رسول الله وكيف يمشون على وجوههم؟ قال إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم، أما إنهم يتقون بوجوههم كل حدب وشوك. وهذا يحتمل أنهم حينما يسحبون على وجوههم يصيبهم ذلك، ويحتمل أنهم ينكسون نكسا فتكون رؤوسهم التي فيها وجوههم مما يلي الأرض، والأول أولى لموافقته ظاهر القرآن ولهذا البحث صلة بتفسير الآية ٩٧ من سورة الإسراء الآتية. ثم شرع يقصّ على رسوله أخبار من تقدم من الرسل، وما لا قوه من أقوامهم ليهون عليه ما يرى

صفحة رقم 85

من قومه تسلية له فقال «وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ» المعهود وهو التوراة «وَجَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً» ٣٥ معينا له لأن الوزير من يؤازر غيره ويعينه على تنفيذ ما يريده، وإن الشريعة خاصة لموسى بدليل تخصيصه بالكتاب، وهرون تابع له فيها اتباع الوزير لسلطانه، «فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ» القبط الذين يرأسهم فرعون «الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا» التسع العظام وغيرها وأرشدهم إلى طريقنا فذهبا، ولم يجد معهم إرشادهما نفعا وكذبوهما «فَدَمَّرْناهُمْ تَدْمِيراً» ٣٦ إهلاكا هائلا
عجيبا لا يدرك كنهه البشر «وَقَوْمَ نُوحٍ لَمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ» قبله وهم إدريس وشيث وأتباعهم المؤمنين ثم كذبوا نوحا أيضا، ولهذا جاء بلفظ الجمع إيذانا بأن من كذب رسولا واحدا فكأنما كذب الرسل كلها، وهو كذلك، ولهذا فلا مقال على مجيء الآية بلفظ الجمع بسبب أن المذكور واحد «أَغْرَقْناهُمْ وَجَعَلْناهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً» عظيمة ليعتبروا بها هم ومن بعدهم «وَأَعْتَدْنا» هيأنا «لِلظَّالِمِينَ» منهم في الآخرة «عَذاباً أَلِيماً» ٣٧ مبرحا شديدا غير عذاب الدنيا، وإنما وصفه بالأليم لأن عذابه لا يقادر قدره في الشدة، أجارنا الله منه «وَعاداً» قوم هود «وَثَمُودَ» قوم صالح «وَأَصْحابَ الرَّسِّ» قوم شعيب أهلكناهم كلهم لمخالفتهم أو أمرنا وعدم انقيادهم لرسلنا وإصرارهم على الكفر. وقد تقدمت قصصهم في الآية ٥٨ فما بعدها من سورة الأعراف المارة وسيأتي لقصصهم صلة في الآية فما بعدها من سورة هود في ج ٢ «وَقُرُوناً» دمرناهم أيضا «بَيْنَ ذلِكَ» بين نوح وشعيب «كَثِيراً» ٣٨ منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص كما سيأتي في الآية ٧١ من سورة المؤمن في ج ٢ أيضا «وَكُلًّا» من الجاحدين والمعاندين المار ذكرهم والآتي، لأن التنوين في كلا للعرض أي لكل منهم «ضَرَبْنا لَهُ الْأَمْثالَ» في إقامة الحجة عليهم من أخبار الأولين «وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً» ٣٩ مزقناهم تمزيقا هائلا يتعجب منه لا تتصوره عقول البشر لعدم إجابتهم الدعوة أيضا «وَلَقَدْ أَتَوْا» أي طائفة من قومك يا محمد «عَلَى الْقَرْيَةِ» التي كانت مسكنا لقوم لوط المسماة سذوما باسم قاضيها

صفحة رقم 86
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية