آيات من القرآن الكريم

لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا
ﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬ ﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻ ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷ

وأوحى الله سبحانه وتعالى الى جنة عدن أن تدلي غصنا من أغصانها عليه عذق عليه غرقة من زبرجدة خضراء لها سبعون ألف من ياقوتة حمراء، فقال جبرئيل: يا محمد ارفع بصرك فرفع فرأى منازل الأنبياء وغرفهم وإذا منازله فوق منازل الأنبياء فضلا له خاصة ومناد ينادي: أرضيت يا محمد؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلّم: «رضيت، فاجعل ما أردت أن تعطيني في الدنيا ذخيرة عندك في الشفاعة يوم القيامة» «١» [٧٧].
ويروون أنّ هذه الآية أنزلها رضوان (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً).
[سورة الفرقان (٢٥) : الآيات ١١ الى ٢٠]
بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً (١١) إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً (١٢) وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً (١٣) لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً (١٤) قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً (١٥)
لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلاً (١٦) وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ (١٧) قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكانُوا قَوْماً بُوراً (١٨) فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ فَما تَسْتَطِيعُونَ صَرْفاً وَلا نَصْراً وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً (١٩) وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً (٢٠)
بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً أي غليانا وفورانا كالغضبان إذا غلا صدره من الغضب وَزَفِيراً ومعنى قوله: سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً أي صوت التغيّظ من التلهّب والتوقّد، وقال قطرب: التغيظ لا يسمع وإنّما المعنى:
رأوا لها تغيّظا وسمعوا لها زفيرا. قال الشاعر:

ورأيت زوجك في الوغى متقلّدا سيفا ورمحا «٢»
أي حاملا رمحا.
أخبرني أبو عبد الله بن فنجويه قال: حدّثنا أبو بكر بن خرجة قال: حدّثنا أبو جعفر بن أبي شيبة قال: حدّثني عمي أبو بكر قال: حدّثنا محمد بن يزيد عن الأصبغ بن زيد الورّاق عن خالد بن كثير عن خالد بن دريك عن رجل من أصحاب رسول الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم:
(١) أسباب نزول الآيات- الواحدي النيسابوري: ٢٢٥. [.....]
(٢) جامع البيان للطبري: ١/ ٩٢.

صفحة رقم 125

«من كذب عليّ متعمّدا فليتبّوأ بين عيني جهنم مقعدا فقال: يا رسول الله وهل لها من عينين؟ قال:
نعم ألم تسمع إلى قول الله سبحانه إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً»
«١» [٧٨].
وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً قال ابن عباس: يضيق عليهم كما يضيق الزجّ في الرمح.
وأخبرني الحسين بن محمد بن الحسين الثقفي قال: حدّثنا الفضل بن الفضل الكندي قال:
حدّثنا عبد الرّحمن بن أبي حاتم قال: قرئ على يونس بن عبد الأعلى قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني نافع عن يحيى بن أبي أسيد يرفع الحديث الى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنّه سئل عن قول الله سبحانه وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ قال: «والذي نفسي بيده إنّهم يستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط، مقرّنين مصفّدين، قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال» «٢» [٧٩].
ومنه قيل للحبل قرن، وقيل: مع الشياطين في السلاسل والأغلال.
دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً ويلا عن ابن عباس، هلاكا عن الضحّاك.
روى حمّاد عن علي بن زيد عن أنس بن مالك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: أوّل من يكسى حلّة من النار إبليس فيضعها على حاجبيه ويسحبها من خلفه، وذريته من خلفه وهو يقول: يا ثبوره وهم ينادون يا ثبورهم حتى يصفّوا «٣» على النار فيقال لهم لا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً واحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً قُلْ أَذلِكَ الذي ذكرت من صفة النار وأهلها خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَمَصِيراً لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ خالِدِينَ كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلًا وذلك أنّ المؤمنين سألوا ربّهم ذلك في الدنيا حين قالوا رَبَّنا وَآتِنا ما وَعَدْتَنا عَلى رُسُلِكَ «٤» فقال الله سبحانه كان إعطاء الله المؤمنين جنة الخلد وعدا وعدهم على طاعته إيّاه في الدنيا ومسألتهم إيّاه ذلك «٥».
وقال بعض أهل العربية: يعني وعدا واجبا وذلك أنّ المسؤول واجب وإن لم يسئل كالّذين قال: ونظير ذلك قول: العرب لأعطينّك ألفا وعدا مسؤولا بمعنى أنه واجب لك فتسأله.
وأخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا أبو علي بن حنش «٦» المقري قال: حدّثنا أبو القاسم بن الفضل المقري قال: حدّثنا علي بن الحسين قال: حدّثنا جعفر بن مسافر قال: حدّثنا يحيى بن حسان قال: حدّثنا رشد بن عمرو بن الحرث، عن محمد بن كعب القرظي في قوله سبحانه وتعالى كانَ عَلى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُلًا

(١) تفسير القرطبي: ١٣/ ٧.
(٢) تفسير ابن كثير: ٣/ ٣٢٣.
(٣) في النسخة الثانية: يقفوا.
(٤) سورة آل عمران: ١٩٤.
(٥) مسند أحمد: ٣/ ١٥٢.
(٦) في النسخة الثانية: حبيش.

صفحة رقم 126

قال: الملائكة تسأل لهم ذلك قولهم وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ «١».
وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ بالياء أبو جعفر وابن كثير ويعقوب وأيوب وأبو عبيد وأبو حاتم وحفص، والباقون بالنون وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ من الملائكة والإنس والجنّ عن مجاهد، وقال عكرمة والضحّاك: يعني الأصنام. فَيَقُولُ بالنون ابن عامر، غيره: بالياء، لهؤلاء المعبودين من دون الله أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ قالُوا سُبْحانَكَ ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ أي ما كان ينبغي لنا أن نوالي أعداءك بل أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ، وقرأ الحسن وأبو جعفر: أَنْ نَتَّخَذَ بضم النون وفتح الخاء.
قال أبو عبيد: هذا لا يجوز لأنّ الله سبحانه ذكر (من) مرّتين، ولو كان كما قالوا لقال:
أن نتّخذ من دونك أولياء. وقال غيره: (من) الثاني صلة.
وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآباءَهُمْ في الدنيا بالصحة والنعمة حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ أي تركوا القرآن فلم يعملوا بما فيه، وقيل: الرسول، وقيل: الإسلام، وقيل: التوحيد، وقيل: ذكر الله سبحانه وتعالى.
وَكانُوا قَوْماً بُوراً أي هلكى قد غلب عليهم الشقاية والخذلان، وقال الحسن وابن زيد:
البور: الذي ليس فيه من الخير شيء، قال أبو عبيد: وأصله من البوار وهو الكساد والفساد ومنه بوار الأيم وبوار السلعة، وهو اسم مصدر كالزور يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمؤنث والمذكر. قال ابن الزبعرى:

يا رسول المليك إنّ لساني راتق ما فتقت إذ أنا بور «٢»
وقيل: هو جمع البائر، ويقال: أصبحت منازلهم بورا أي خالية لا شيء فيها، فيقول الله سبحانه لهم عند تبرّي المعبودين منهم فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ أنّهم كانوا آلهة فَما تَسْتَطِيعُونَ قرأه العامة بالياء يعني الآلهة، وقرأ حفص بالتاء يعني العابدين صَرْفاً وَلا نَصْراً أي صرف العذاب عنهم ولا نصر أنفسهم.
وقال يونس: الصرف: الحيلة ومنه قول العرب: إنه ليتصرف أي يحتال.
وقال الأصمعي: الصرف: التوبة والعدل: الفدية.
وَمَنْ يَظْلِمْ أي يشرك مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ يا محمد مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ قال أهل المعاني: إلّا قيل أنّهم لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْواقِ
(١) سورة غافر: ٨.
(٢) تاج العروس: ٣/ ٦٠.

صفحة رقم 127
الكشف والبيان عن تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي أو الثعالبي
راجعه
نظير الساعدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان
سنة النشر
1422 - 2002
الطبعة
الأولى 1422، ه - 2002 م
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية