
وقرنوا مع الشياطين (١). ومضى الكلام في هذا عند قوله: ﴿مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾ [إبراهيم: ٤٩]
١٤ - ﴿لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا﴾ دعوا بالويل على أنفسهم والهلاك. قاله ابن عباس (٢) والمفسرون (٣). وقال ابن قتيبة: هذا كما يقول القائل: واهلاكاه (٤). وفي الحديث: "إن إبليس يكسى حُلة من النار فيسحبها وذريته مِنْ خَلْفِهِ، وهو يقول: يا ثبوراه وينادون: يا ثبورهم، حتى يَرِدوا النَّارَ فيُقالُ لهم: ﴿لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا﴾ " (٥).
(٢) أخرجه البخاري، كتاب التفسير، معلقاً بصيغة الجزم. ونصه: ﴿ثُبُورًا﴾ ويلاً. الفتح ٨/ ٤٩٠. ووصله ابن جرير ١٨/ ١٨٧، وابن أبي حاتم ٨/ ٢٦٦٩، من طريق علي بن أبي طلحة. وذكره الثعلبي ٨/ ٩٣ ب.
(٣) "تفسير مقاتل" ص ٤٣. و"تفسير هود الهوّاري" ٣/ ٢٠٣. و"تفسير الثعلبي" ٨/ ٩٣ ب. و"تفسير الماوردي" ٤/ ١٣٤. و"معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٥٩. وأخرج ابن جرير ١٨/ ١٨٨، عن الضحاك: (الثبور) الهلاك.
(٤) "غريب القرآن"، لابن قتيبة ص ٣١٠. أخرج ابن أبي حاتم ٨/ ٢٦٦٩، عن الضحاك: دعوا بالهلاك؛ فقالوا: واهلاكاه، واهلاكاه.
(٥) الحديث أخرجه مطوّلاً ابن جرير ١٨/ ١٨٨، من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-، وفي إسناده: علي بن زيد بن جُدْعان، وهو ضعيف.
وأخرجه ابن أبي حاتم ٨/ ٢٦٦٩، من الطريق نفسه. وكذا الثعلبي في تفسيره ٨/ ٩٣ ب. وأخرجه الإمام أحمد في مسنده ٤/ ٣٠٤، رقم ت ١٢٥٣٨، من طريق علي بن زيد أيضًا، عن أنس -رضي الله عنه-.
وقال الهيثمي ١٠/ ٢٩٢: رواه أحمد والبزار، ورجالهما رجال الصحيح، غير علي ابن زيد، وقد وُثق. لكن أكثر أهل العلم على تضعيفه، من جهة حفظه، واختلاطه =

قال المفسرون: ادعوا ويلًا كثيرًا لأنها دائمة لهم أبدًا (١).
وقال أبو إسحاق: أي: هلاككم أكثر من أن تدعوا مرة واحدة (٢).
وقال المبرد: الثبور هلاك على هلاك، ولا يكون لمرة واحدة، ومنه قولهم: ثابَر فلان على كذا، أي: دام عليه. وذكرنا الكلام في هذا عند قوله: ﴿مَثْبُورًا﴾ [الإسراء: ١٠٢] (٣).
وهذا الحديث يقابل ما أخرجه البخاري، كتاب التفسير، رقم: ٤٦٢٥، "الفتح" ٨/ ٢٨٦. ومسلم ٤/ ٢١٩٤، كتاب الجنة، وصفة نعيمها وأهلها، رقم: ٢٨٦٠، مِنْ أن أول من يكسى من أهل الجنة نبي الله إبراهيم -صلى الله عليه وسلم-. ولفظه عندهما: من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهمَا قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ إِلَى الله حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً ثُمَّ قَالَ: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ إِلَى آخِرِ الآيَةِ ثُمَّ قَالَ: أَلَا وَإِنَّ أَوَّلَ الْخَلَائِقِ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ.. ".
(١) "تفسير مقاتل" ص ٤٣. و"تفسير هود الهوّاري" ٣/ ٢٠٣. وأخرج ابن أبي حاتم ٨/ ٢٦٦٩، بسنده عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: لا تدعوا اليوم ويلاً واحداً. ونحوه عن الضحاك، وقتادة.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٥٩.
(٣) قال الواحدي في تفسير هذه الآية: وقوله تعالى: ﴿وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا﴾ قال الكلبي: وإني لأعلمك يا فرعون، ﴿مَثْبُورًا﴾ قال ابن عباس: ملعوناً، وقال قتادة: مهلكاً، وقال مجاهد: هالكاً، قال الفراء: المثبور الملعون المحبوس عن الخير، والعرب تقول ما ثَبَرك عن هذا؟ أي ما منعك منه وما صرفك، وروى أبو عبيد عن أبي زيد: ثَبَرْت فلاناً عن الشيء: رَدَدْتُه عنه، وروى ثعلب عن ابن الأعرابي: المثْبُور: الملْعُون المطْرود المُعَذَّب، هذا وجه قول ابن عباس، وأما وجه قول =