آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ
ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋ ﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜ ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ ﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰ

ويطول بنا الحديث إن تقصينا ما ورد في هذا الباب فحسبنا من القلادة ما أحاط بالجيد.
٢- المبالغة أو الافراط في الصنعة:
وفي قوله «يكاد سنابرقه يذهب بالأبصار» فن سماه ابن المعتز الافراط في الصنعة، وسماه قدامة المبالغة، وسماه من بعدهما التبليغ، والناس على تسمية قدامة، وعرفه بقوله: «هو أن يذكر المتكلم حالا لو وقف عندها لأجزأت فلا يقف عندها حتى يزيد في معنى كلامه ما يكون أبلغ في معنى قصده» وقد قدمنا في مكان آخر من هذا الكتاب ضروب المبالغات في الكتاب العزيز فلا حاجة الى الإعادة، ونقف عند الضرب الخامس الذي منه هذه الآية وهو ما جرى مجرى الحقيقة وهو قسمان: قسم كان مجازا فصار بالقرينة حقيقة كهذه الآية فإن اقتران هذه الجملة بيكاد يصرفها الى الحقيقة فانقلبت من الامتناع الى الإمكان، وقسم أتى بصيغة اسم التفضيل وهو محض الحقيقة من غير قرينة كقوله تعالى «أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا» وقد تقدم القول فيه.
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٤٥ الى ٤٩]
وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٥) لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٤٦) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٧) وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩)

صفحة رقم 628

الإعراب:
(وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ) كلام مستأنف مسوق لبيان أصناف الخلق، والله مبتدأ وجملة خلق خبر وكل دابة مفعول به ومن ماء جار ومجرور متعلقان بخلق أي نطفة بحسب الأغلب. (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ) الفاء تفريعية ومنهم خبر مقدم ومن مبتدأ مؤخر وجملة يمشي صلة الموصول وعلى بطنه متعلقان بيمشي ومنهم من يمشي على رجلين عطف على ما سبقه. (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) عطف، وسيأتي سر ذكر من لغير العاقل في باب البلاغة.
(يَخْلُقُ اللَّهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) يخلق الله ما يشاء فعل مضارع وفاعل ومفعول به وجملة يشاء صلة وإن الله ان واسمها وعلى كل شيء متعلقان بقدير وقدير خبر إن. (لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) كلام مستأنف مسوق لذكر آياته سبحانه على طريق الالتفات كما سيأتي في باب البلاغة، واللام جواب

صفحة رقم 629

للقسم المحذوف وقد حرف تحقيق وأنزلنا فعل وفاعل وآيات مفعول به ومبينات صفة والله مبتدأ وجملة يهدي خبره ومن مفعول به وجملة يشاء صلة والى صراط متعلقان بيهدي ومستقيم صفة. (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا) كلام مستأنف مسوق للشروع في بيان حال المنافقين، ويقولون فعل مضارع مرفوع وفاعل وجملة آمنا مقول القول وآمنا فعل وفاعل وبالله متعلقان بآمنا وبالرسول عطف على بالله وأطعنا عطف على آمنا. (ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) ثم حرف عطف ويتولى فعل مضارع مرفوع وفريق فاعل ومنهم صفة ومن بعد ذلك حال، والاشارة الى القول المذكور، والواو حالية وما نافية حجازية وأولئك اسم اشارة في محل رفع اسم ما والباء حرف جر زائد والمؤمنين مجرور لفظا منصوب محلا خبر ما والجملة حالية. (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) الواو عاطفة وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط ودعوا فعل ماض مبني للمجهول والواو نائب فاعل والى الله متعلقان بدعوا ورسوله عطف على الله والمراد رسول الله كقولك أعجبني زيد وكرمه تريد كرم زيد، واللام للتعليل ويحكم فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل والجار والمجرور متعلقان بدعوا وبينهم ظرف متعلق بيحكم. (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ) إذا فجائية وقامت مقام الفاء في ربط الجواب بشرطه وهو إذا الأولى، وفريق مبتدأ ومنهم صفة وهي التي سوغت الابتداء به ومعرضون خبر فريق. (وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ) الواو عاطفة وإن شرطية ويكن فعل الشرط ولهم خبر يكن المقدم والحق اسمها المؤخر ويأتوا جواب الشرط واليه متعلقان بيأتوا ويجوز أن يتعلق

صفحة رقم 630

بمذعنين، قال الزمخشري: «وهذا أحسن لتقدم صلته ودلالته على الاختصاص والمعنى انهم لمعرفتهم انه ليس معك إلا الحق المر والعدل البحت يزورّون عن المحاكمة إليك إذا ركبهم الحق لئلا تنتزعه من أحداقهم بقضائك عليهم لخصومهم وإن ثبت لهم حق على خصم أسرعوا إليك ولم يرضوا إلا بحكومتك لتأخذ لهم ما ذاب لهم في ذمة الخصم» ومذعنين حال، قال الزجاج: الإذعان الاسراع مع الطاعة وفي القاموس:
«أذعن له خضع وذل وأقر وأسرع في الطاعة».
البلاغة:
١- صحة التفسير:
في قوله تعالى «وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ» الآية: فيها فن بديع من فنون البلاغة سماه علماؤها «صحة التفسير» وسماه ابن الأثير في المثل السائر «التناسب بين المعاني» وحدّه أن يأتي المتكلم في أول كلامه بمعنى لا يستقل الفهم بمعرفة فحواه، إما أن يكون مجملا يحتاج الى تفصيل أو موجها يفتقر الى توجيه أو محتملا يحتاج المراد منه الى ترجيح لا يحصل إلا بتفسيره وتبيينه ووقوع التفسير على أنحاء تارة يأتي بعد الشرط أو بعد ما فيه معنى الشرط وطورا بعد الجار والمجرور وآونة بعد المبتدأ الذي التفسير خبره. والآية التي نحن بصددها مما وقع بعد الجار والمجرور فقد ذكر سبحانه الجنس الأعلى مقدما له حيث قال: «كل دابة» فاستغرق أجناس كل ما دبّ ودرج ثم فسر هذا الجنس الأعلى بالأجناس المتوسطة والأنواع حيث قال «فمنهم» و «ومنهم» مراعيا الترتيب إذ قدم ما يمشي بغير آلة لكونه الآية سيقت

صفحة رقم 631

لبيان القدرة والتمدح بها وتعجب السامعين منها، وما يمشي بغير آلة أعجب مما يمشي بآلة فلذلك اقتضت البلاغة تقديمه، ثم ثنى بالأفضل فالأفضل فأتى بما يمشي على رجلين وهو الإنسان والطائر لتمام خلق الإنسان وكمال حسن صورته وهيئته وجمال تقويمه المقتضي تخصيصه بالعقل ولما في الطائر من عجب الطيران في الهواء الدال على غاية الخفة ونهاية اللطف مع ما فيه من كثافة، وثلث بما يمشي على أربع لأنه أحسن الحيوان البهيم وأقواه تغليبا على ما يمشي على أكثر من أربع من الحشرات فاستوعبت جميع الاقسام، وأحسن الترتيب بالاضافة الى الترتيب والاشارة والارداف وحسن النسق.
وعرفه صاحب العمدة بأنه أن يستوفي الشاعر شرح ما بدأ به مجملا، وقلما يجيء هذا إلا في أكثر من بيت واحد ومثل له ببيتين للفرزدق وهما:

لقد جئت قوما لو لجأت إليهم طريد دم أو حاملا ثقل مغرم
لألفيت منهم معطيا ومطاعنا وراءك شزرا بالوشيح المقوم
واشترط صاحب العمدة سلامته من سوء التضمين قال: ومن جيد التفسير قول حاتم الطائي ويروى لعتيبة بن مرداس:

صفحة رقم 632

متى ما يجىء يوما الى المال وارثي يجد جمع كف غير ملأى ولا صفر
يجد فرسا مثل العنان وصارما حساما إذا ما هزّ لم يرض لهبر
وأسمر خطيا كأن كعوبه نوى القسب قد أربى ذراعا على العشر
فهذا هو التفسير الصحيح السالم من التضمين لأنه لم يعلق كلامه ب «لو» كما فعل الفرزدق ومثله قول عروة بن الورد:
وإن امرأ يرجو تراثي وإن ما يصير له منه غدا لقليل
ومالي مال غير درع ومغفر وأبيض من ماء الحديد صقيل
وأسمر خطيّ القناة مثقّف وأجرد عريان السراة طويل
هكذا أنشدوه بالاقواء ويجوز أن يرفع على القطع والإضمار كأنه قال: هو صقيل، أو قال: ولي أبيض من ماء الحديد يعني سيفه.
وقال ذو الرمة في التفسير:

صفحة رقم 633

وليل كجلباب العروس ادّرعته بأربعة والشخص في العين واحد
أحمّ علا فيّ وأبيض صارم وأعيس مهري وأروع ماجد
ففسر الأربعة ما هي؟ ورفع على شرط ما قدمت من الإضمار كأنه قيل له: ما الأربعة التي شخصها في العين واحد؟ فقال كذا وكذا وكذا.
ومضى صاحب العمدة يورد نماذج من التفسير إلى أن قال:
«ومن التفسير ما يفسر فيه الأكثر بالأقل وذلك ما أتت فيه الجملة بعد الشرح نحو قول أبي الطيب:

صفحة رقم 634

نسقوا لنا نسق الحساب مقدما... وأتى فذلك إذ أتيت مؤخرا
فقوله: «نسقوا لنا نسق الحساب مقدما» البيت تفسير مليح قليل النظير في أشعار الناس» هذا وقال الواحدي في شرح البيت الأخير: «جمع لنا الفضلاء في الزمان ومضوا متتابعين متقدمين عليك في الوجود فلما أتيت بعدهم كان فيك من الفضل ما كان فيهم مثل الحساب يذكر تفاصيله ثم تجمع تلك التفاصيل فيكتب في آخر الحساب فذلك كذا وكذا فيجمع في الجملة ما ذكر في التفاصيل، كذلك أنت جمع فيك ما تفرق فيهم من الفضائل والعلم والحكمة».
وقال أبو الطيب أيضا في التفسير المستحسن:
إن كوتبوا أو لقوا أو حوربوا وجدوا... في الخط واللفظ والهيجاء فرسانا
ففسر وقابل كل نوع بما يليق به من غير تقديم ولا تأخير، ومن التفسير الحلو قول كشاجم واسمه محمود بن الحسين:
في فمها مسك ومشمولة... صرف ومنظوم من الدّر
فالمسك للنكهة والخمر للر... يقة واللؤلؤ للثغر
وجميل قول ابن هانىء الاندلسي:
المدنفات من البرية كلها... جسمي وطرف بابليّ أحور
والمشرقات النيرات ثلاثة... الشمس والقمر المنير وجعفر

صفحة رقم 635

٢- التنكير:
ونكر الماء في قوله «من ماء» وعرفه في قوله «وجعلنا من الماء كل شيء حي» لأن المقصد في الآية هنا اظهار أن شيئا واحدا تكونت منه بالقدرة أشياء مختلفة ذكر تفاصيلها في آية النور والرعد، والمقصد في آية «اقترب» أنه خلق الأشياء المتفقة في جنس الحياة من جنس الماء المختلف الأنواع فذكر معرفا ليشمل أنواعه المختلفة.
٣- الاستعارة:
الاستعارة في قوله «فمنهم من يمشي على بطنه» فقد سمى الزحف على البطن مشيا على سبيل الاستعارة المكنية كما قالوا في الأمر المستمر: قد مشى هذا الأمر، ويقال فلان لا يتمشى له أمر.
٤- التغليب:
وفي قوله «من يمشي على بطنه ومن يمشي على أربع» تغلبب للعاقل على غيره وقد مرت له نظائر كثيرة لأنه لما اختلط غير العاقل بالعاقل في الفصل بمن وكل دابة كان التعبير بمن أولى لتوافق اللفظ.
وقيل أوقع «من» على غير العاقل لما اختلط بالعاقل ويحتمل أن تكون من نكرة موصوفة بالجملة بعدها والتقدير فمنهم نوع يمشي على بطنه ونوع يمشي على رجلين ونوع يمشي على أربع على حد: ومن الناس من يعبد الله على حرف، قال ابن هشام: ويجوز في من أن تكون نكرة موصوفة بالجملة بعدها والتقدير ومن الناس ناس يعبدون الله.

صفحة رقم 636
إعراب القرآن وبيانه
عرض الكتاب
المؤلف
محيي الدين بن أحمد مصطفى درويش
الناشر
دار الإرشاد للشئون الجامعية - حمص - سورية ، (دار اليمامة - دمشق - بيروت) ، ( دار ابن كثير - دمشق - بيروت)
سنة النشر
1412 - 1992
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية
من مبلغ الأعراب أني بعدها جالست رسطاليس والاسكندرا
ومللت نحر عشارها فأضافني من ينحر البدر النضار لمن قرى
وسمعت بطيلموس دارس كتبه متملكا مبتديا متحضرا
ولقيت كل الفاضلين كأنما رد الإله نفوسهم والأعصرا