آيات من القرآن الكريم

وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ
ﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ

قال مقاتل وغيره (١): نزلت في بشر المنافق كان يخاصم يهوديًّا في أرض، فجعل اليهودي يجره إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وجعل المنافق يجره إلى كعب بن الأشرف، ويقول: إن محمدًا يحيف علينا. فقال الله ﴿وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ يعني الذي يعرضون عن حكم الله ورسوله.
٤٨ - ﴿وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ﴾ إلى كتاب الله ﴿وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ﴾ الرسول فيما اختصموا فيه ﴿إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ﴾ (٢) عما يُدعون إليه من حكم الله ورسوله.
وقال الفراء: إنَّما قال: ﴿لِيَحْكُمَ﴾، ولم يقل: ليحكما؛ لأن المعنى: للرَّسول، وإنَّما بُدئ (٣) بذكر الله إعظامًا لله (٤).
وذكرنا مثل هذا فيما تقدم (٥).
٤٩ - ﴿وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ﴾ قال ابن عباس (٦)،

(١) قول مقاتل في "تفسيره" ٢/ ٤٠ أ.
وذكره الثعلبي ٣/ ٨٨ أمن غير سند.
وذكر الواحدي في "أسباب النزول" ص ١٣٣ من رواية الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس نحو هذا في سبب نزول قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ﴾ [النساء: ٦٠]. ومقاتل والكلبي وأمثالهما لا يعتمد عليهم في الرواية.
(٢) في (أ)، (ظ): (فإذا)، وهو خطأ.
(٣) في (أ): (بدأ).
(٤) "معاني القرآن" للفراء ٢/ ٢٥٨ مع تقديم وتأخير.
(٥) انظر: "البسيط" عند قوله تعالى ﴿وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [التوبة: ٦٢].
(٦) روى الطبري ١٨/ ١٥٦ مثل هذا القول عن مجاهد، ورواه ابن أبي حاتم ٧/ ٥٨ أ، ب عن ابن زيد، وذكره النحاس في "معاني القرآن" ٤/ ٥٤٧ عن عطاء. وحكاه الماوردي ٤/ ١١٥ والقرطبي ١٢/ ٢٩٣ عن مجاهد.

صفحة رقم 332

ومقاتل (١): مسرعين.
وقال الكلبي: طائعين (٢).
وقال الزَّجَّاج: الإذعان في اللغة: الإسراع مع الطَّاعة. تقول: قد أذعن لي بحقي، أي: طاوعني لما كنت التمسه منه، وصار يسرع إليه (٣).
وقال ابن الأعرابي: مذعنين: مقِّرين خاضعين (٤).
وقال المبرد: طائعين غير ممتنعين كما تقول: أذعن فلان بحقي، إذا أقرَّ به ولم يمتنع (٥).
أخبر الله تعالى أنَّ المنافقين يعرضون عن حكم الرسول لعلمهم بأنه (٦) يحكم بالحق ولا يداهن، فإذا كان الحق لهم على غيرهم أسرعوا إلى حكمه لثقتهم بأنَّه كما يحكم عليهم بالحق يحكم لهم أيضًا بالحق وينتصف لهم ممَّن لهم الحق عليه.
قال ابن عباس: ثم أخبر بما في قلوبهم من المرض والشك فقال: ﴿أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾.
قال مقاتل: يعني الكفر (٧).

(١) "تفسير مقاتل" ٢/ ٤٠ أ.
(٢) روى ابن أبي حاتم ٧/ ٥٨ ب مثل هذا القول عن الحسن، وذكره الماوردي ٤/ ١١٥ وقال: حكاه ابن عيسى.
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٤/ ٥٠.
(٤) قول ابن الأعرابي في "تهذيب اللغة" للأزهري ٢/ ٣٢٠ (ذعن).
(٥) انظر نحو هذا عند الطبري ١٨/ ١٥٦، وانظر: "لسان العرب" ١٣/ ١٧٢ (ذعن).
(٦) في (ظ)، (ع): (أنَّه).
(٧) "تفسير مقاتل" ٢/ ٤٠ أ.

صفحة رقم 333

﴿أَمِ ارْتَابُوا﴾ أم شكوا في القرآن.
وإنَّما جاء بلفظ الاستفهام؛ لأنَّه أشد في الذم والتوبيخ، أي أنَّ هذا أمرٌ قد ظهر حتى لا يحتاج فيه إلى البيّنة (١)، كما جاء في نقيضه على طريق الاستفهام لأنَّه أشد مبالغة وهو قول جرير:
ألستم خير من ركب المطايا (٢)
أي أنتم كذلك (٣).
وبنحو (٤) هذا فسر ابن عباس فقال: أخبر الله تعالى بما في قلوبهم من المرض والشك.
فجعل معنى هذا الاستفهام: الإخبار.
قوله تعالى: ﴿أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ﴾ قال ابن عباس والمفسرون (٥): أن يجور الله عليهم.

(١) في (ع): حتى لا يحتاج فيه إلَّا إلى التنبيه.
(٢) هذا صدر بيت من قصيدة يمدح بها عبد الملك بن مروان، وعجزه:
وأندى العالمين بطون راح
وهو في "ديوانه" ١/ ٨٩، و"مجاز القرآن" لأبي عبيدة ١/ ٣٦، ١٨٤، و"أمالي ابن الشَّجري" ١/ ٢٦٥، و"لسان العرب" ٧/ ١٠ (نقص)، "مغني اللبيب" لابن هشام ١/ ٢٤.
قال السيوطي في "شرح شواهد المغني" ١/ ٤٤: المطايا: جمع مطية، وهي الدابة تمطو في مشيها أي: تسرع، وأندى: أسخى، والراح: جمع راحة وهو الكف. اهـ.
(٣) من قوله: وإنما جاء بلفظ الاستفهام.. إلى هنا. هذا قول الثعلبي في "تفسيره" ٣/ ٨٨ أمع اختلاف يسير في العبارة. وقد ذكره ابن الجوزي ٦/ ٥٥، والقرطبي ١٢/ ٢٩٤، وأبو حيان ٦/ ٤٦٧ من غير نسبة.
(٤) في (أ): (ونحو).
(٥) انظر: "الطبري" ١٨/ ١٥٦.

صفحة رقم 334
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية