
(لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (٣٨)
هذا الجزاء، هو للذين لَا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله تعالى، فمع عملهم الصالح يخافون لقاء الله ويرهبونه استصغارا لأعمالهم الصالحة، وخوفا من هناتهم، وكذلك الطاهرون دائما؛ لأن نفوسهم نظيفة يخافون أن تلوث، كما يخاف اللامس على ثوبه الطاهر؛ لأن أي دنس يشوه منظره، ويقبح مخبره، فالطيب المستقيم على حق دائما، وقوله تعالى: (لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا) اللام هي لام العاقبة، أي لتكون عاقبة هذا اليوم بالنسبة لهؤلاء الأطهار أن يكون جزاء حسنا لأحسن أعمالهم، وجعل سبحانه وتعالى الجزاء لأحسن الأعمال، والجزاء لهم على أعمالهم، وذكر الكلام بهذه الصيغة لبيان أن الجزاء مساو للعمل تماما، والله قد يزيد

على الأعمال رحمة منه وفضلا، ولذا قال تعالى: (وَاللَّه يَرْزُق مَن يَشَاءُ بِغيْرِ حِسَابٍ) الرزق هنا هو الثواب الذي يزيد عن العمل، وهو فيض من رحمته، وفضل منه سبحانه، وقوله (بِغَيْرِ حِسَابٍ) فيه إشارة إلى أنه عطاء غير مجذوذ.
* * *
أعمال الكفار ونتيجتها
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (٣٩) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (٤٠) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (٤١) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (٤٢) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ

وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (٤٣) يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (٤٤)
* * *
وصف الله تعالى أعمال الذين كفروا الخيرة في زعمهم وضرب لها مثلا، وأعمال الشر من عبادة الأوثان وما يتعلق بها من نيات، وقد قال تعالى في آية أخرى في وصف أعمال الخير في نظرهم، فقال: (مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١١٧).
وأن الله تعالى ضرب مثلا في هذه الآيات للأعمال التي يحسبونها خيرا كالعطاء عند الميسر وشرب الخمر، ويبنون عليها طلب الجزاء يوم القيامة، فإذا جاء لا يجدون، فشبهها سبحانه وتعالى بقوله: