آيات من القرآن الكريم

لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ
ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ

واستعدّوا لتلقى أحكام الدين وآدابه وكذلك يجعل وسائلها على ضروب شتى بحسب اختلاف أحوال عباده، لتقوم له الحجة عليهم.
وفى هذا وعد وبشارة لمن تدبر الأمثال ووعاها، ووعيد وإنذار لمن لم يتفكر فيها ولم يكترث بها، فإنه لا يصل إلى الحق ولا يهتدى لطريقه.
وخلاصة ذلك ما قاله ابن عباس: هذا مثل نور الله وهداه فى قلب المؤمن، فكما يكاد الزيت الصافي يضىء قبل أن تمسه النار، فإذا مسته ازداد ضوءا على ضوء- يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاءه ازداد هدى على هدى ونورا على نور.
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٣٦ الى ٣٨]
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (٣٧) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٨)
تفسير المفردات
المراد بالبيوت: المساجد، وأذن: أمر، أن ترفع: أي أن تعظم وتطهّر عن الأنجاس وعن اللغو من الأقوال، يسبح: أي ينزّه ويقدّس، الغدو والغداة: أول النهار، والآصال: واحدها أصيل وهو العشى: أي آخر النهار، تلهيهم: أي تشغلهم وتصرفهم، تجارة: أي نوع من هذه الصناعة، ولا بيع: أي فرد من أفراد البياعات وخصه بالذكر لأنه أدخل فى الإلهاء، وإقام الصلاة: أي إقامتها لمواقيتها، وإيتاء الزكاة:

صفحة رقم 109

أي المال الذي فرض إخراجه للمستحقين، واليوم: هو يوم القيامة، وتتقلّب فيه القلوب والأبصار: أي تضطرب وتتغير من الهول والفزع.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر- جلّت آلاؤه- نوره لعباده وهدايته إياهم على أتم الوجوه- بين هنا حال من حصلت لهم الهداية بذلك النور، وذكر بعض أعمالهم القلبية والحسية.
الإيضاح
(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) أي كمشكاة فى بيوت أمر الله بتطهيرها من الأنجاس الحسية والمعنوية، كاللغو ورفث الحديث وأمر بذكره فيها وإخلاص العبادة له.
روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: «المساجد بيوت الله فى الأرض، تضىء لأهل السماء كما تضىء النجوم لأهل الأرض».
وعن عمرو بن ميمون قال: «أدركت أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهم يقولون: المساجد بيوت الله، وحقّ على الله أن يكرم من زاره فيها».
(يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ) أي ينزه الله ويقدسه فى أول النهار وآخره، رجال لا تشغلهم الدنيا وزخرفها ولا بيوعهم وتجاراتهم عن ذكر ربهم وهو خالقهم ورازقهم، إذ يعلمون أن ما عنده خير لهم وأنفع مما بأيديهم، فما عندهم ينفد، وما عند الله باق، ويؤدون الصلاة فى مواقيتها على الوجه الذي رسمه الدين، ويؤتون الزكاة المفروضة عليهم تطهيرا لأنفسهم من الأرجاس.
ونحو الآية قوله: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ» الآية. وقوله: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ».

صفحة رقم 110

ثم ذكر السبب فى شغل أنفسهم بالعبادة فقال:
(يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) أي إنهم يخافون عقاب يوم تضطرب فيه الأفئدة من الهول والفزع، وتشخص فيه القلوب والأبصار من الهلع والحيرة والرعب والخوف ونحو الآية قوله: «وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ» وقوله:
«إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ».
ثم بين مآل أمرهم وحسن عاقبتهم فقال:
(لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) أي يفعلون هذه القربات من التسبيح والذكر وإيتاء الزكاة مع الخوف من عذاب يوم القيامة- ليثيبهم الله على حسناتهم التي فعلوها، فرضها ونفلها، واجبها ومستحبها.
ونحو الآية قوله: «إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً، فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً، وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً».
وفى قوله (أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) إيماء إلى أنه لا يجازيهم على مساوئ أعمالهم بل يغفرها لهم.
(وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أي يجزيهم بأحسن الأعمال، ويضاعف لهم ما يشاء كما قال: «مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها» وقال: «لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ»
وقال صلّى الله عليه وسلّم حكاية عن ربه: «أعددت لعبادى الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر».
ثم نبه إلى كمال قدرته وعظيم جوده وسعة إحسانه فقال:
(وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ) أي إنه تعالى يعطيهم غير أجزية أعمالهم من الخيرات ما لا يفى به الحساب، فهم لما اجتهدوا فى الطاعة، وخافوا ربهم أشد الخوف- جازاهم بالثواب العظيم على طاعتهم وزادهم الفضل الذي لا غاية له، لخوفهم من قهره وشديد عذابه.

صفحة رقم 111
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية