آيات من القرآن الكريم

لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ
ﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ

ولقد أورد المفسرون تأويلات عديدة للآية منها أنها مثل ضربه الله لتبيين هدى نور الله وأثره. ومنها أنها مثل ضربه الله لنبيه. فالمشكاة صدره والزجاجة قلبه والمصباح النبوة والشجرة المباركة هي شجرة إبراهيم الحنيف المسلم، لا شرقية ولا غربية أي لا يهودية ولا نصرانية. ومنها أنها مثل ضربه الله لطاعته فسماها نورا وأضاف هذا النور إلى نفسه تفضلا. ونلمح في هذه التأويلات شيئا من التكلّف ونرجو أن يكون كما تبادر لنا هو الصواب «١».
وفي كتب تفسير الشيعة روايات معزوة إلى أئمتهم في تأويل الآية فعن الرضا قوله «نحن المشكاة والمصباح فيها محمد يهدي لو لايتنا من أحبّ» وعن أبي جعفر قوله «نور العلم في صدر النبي المصباح في زجاجة. والزجاجة صدر علي. فصار علم النبي إلى صدر علي. ومعنى يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار أي يكاد العالم من آل محمد يتكلم بالعلم قبل أن يسأل. ومعنى نور على نور أي إمام مؤيد بنور العلم والحكمة في إثر إمام من آل محمد مثله. فهؤلاء الأوصياء الذين جعلهم الله خلفاء في أرضه وحجته على خلقه لا تخلو الأرض في كل عصر من واحد منهم كما لا تخلو السماوات والأرض من نور الله» «٢». والتكلف والهوى الحزبي ظاهران في هذه الروايات.
[سورة النور (٢٤) : الآيات ٣٦ الى ٣٨]
فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (٣٧) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (٣٨).

(١) انظر الأقوال والتأويلات في كتب الطبري والبغوي والخازن وابن كثير والطبرسي. وهناك أقوال وتأويلات أخرى من بابها لم نر ضرورة لإيرادها.
(٢) انظر تفسير الطبرسي وهو من معتدليهم. [.....]

صفحة رقم 423

تعليق على الآية فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) والآيتين التاليتين لها وما ورد في صدد فضل المساجد وآدابها
قال بعض المفسرين: إن فِي متعلقة بمحذوف تقديره (سبحوا) أي سبحوا الله في بيوت أذن الله أن ترفع «١». وهذا يجعل الآيات فصلا جديدا متصلا بما بعده، غير أن معظم المفسرين قالوا إنها متعلقة بالمشكاة التي مثل الله نوره في الآية السابقة بنورها، على اعتبار أن مشاكي بيوت العبادة أكبر المشاكي ونورها أقوى الأنوار «٢». ونحن نرجح هذا على القول الأول لأنه متسق مع معنى الآيات ومداها. وبذلك تكون هذه الآيات بمثابة استطراد وانتقال لتقرر أن نور الله قوي هاد كنور المشكاة الكبيرة ذات النور الساطع التي تكون في بيوت العبادة التي أمر الله برفع أركانها وتكريمها بذكر اسمه والتي يسبح له فيها عباده المهتدون بنوره الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكره وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، حاسبين حساب اليوم الآخر الذي تضطرب فيه القلوب وتزيغ الأبصار. ولسوف يجزيهم الله جزاء يتكافأ مع أحسن أعمالهم ويزيدهم من فضله أيضا. وهو الواسع الفضل، إذا أعطى أحدا فإنه يعطيه بدون حساب.
والمعنى مستقيم بهذا الشرح كما هو واضح. ومع أن ذكر بيوت الله جاء إتماما لمدى تمثيل نور الله بالمشكاة فالمتبادر أن ذكر عباد الله قد جاء بمثابة استطراد. وليس هذا غريبا في النظم القرآني. وقد تضمن الاستطراد في الوقت نفسه تنويها ببيوت العبادة وإيجاب تكريمها وتطهيرها. وبعباد الله المخلصين واهتدائهم بنور الله وما يسّره لهم هذا النور من السير في الطريق القويم الذي نجحوا به وسعدوا.

(١) انظر الزمخشري والنسفي.
(٢) انظر الطبري والنيسابوري والبغوي والخازن وابن كثير. والزمخشري والنسفي قد أوردا القول الثاني أيضا.

صفحة رقم 424

ومن تحصيل الحاصل أن يقال: إن نصّ الآيات وروحها يلهمان أن المقصود من البيوت هي التي يذكر فيها اسم الله عز وجل ويعبد دون غيره ودون ما شائبة واختصاص أو تأويل أو غموض. وهذه الأوصاف عدت بعد البعثة المحمدية منحصرة في مساجد المسلمين التي يذكر فيها ويعبد ربّ العالمين جميعا، المتصف بجميع صفات الكمال الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد.
هذا ويحسن أن ننبه على أمر في هذا المقام وهو أن ما احتوته الآيات من التنويه بعباد الله الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله لا ينفي أن يؤخذ على أنه تنويه بالذين هم ينقطعون لذكر الله ولا يتعاطون تجارة ولا بيعا. ولا على أنه تنديد بالمشتغلين بالتجارة والبيع وأمور الدنيا. ففي العبارة القرآنية نفسها ما يفيد أن التنديد يكون لمن يشغله ذلك عن واجباته نحو الله والناس وحسب وأنه لا يتوجه إلى من يشتغل بأمور الدنيا دون أن يشغله ذلك عن هذه الواجبات. وفي القرآن آيات كثيرة مرّت أمثلة منها مكية ومدنية فيها تسويغ لابتغاء فضل الله وحثّ على السعي في مناكب الأرض. مما هو بديهي وفيه قوام الحياة. ومتسق مع مقاصد القرآن. وفي آية سورة الجمعة هذه فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠) تفسير صريح للمراد من هذا الشرح والتنبيه.
ولقد أورد المفسرون في سياق الآيات أحاديث عديدة في فضل بناء المساجد وآدابها منها ما ورد في الكتب الخمسة. فمن ذلك حديث رواه الخمسة إلّا أبا داود عن عثمان بن عفان قال «سمعت رسول الله ﷺ يقول من بنى مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنّة وفي رواية بيتا في الجنة» «١» وحديث رواه أبو داود والترمذي عن عائشة قالت «أمر رسول الله ﷺ ببناء المساجد في الدور وأن تنظّف وتطيّب» «٢»

(١) التاج ج ١ ص ٢٠٥ و ٢١٣.
(٢) المصدر نفسه، وحديث عائشة يفيد أنه يحسن بالمسلم أن يكون في بيته ركن خاص يكون بمثابة مسجد له ويعنى بنظافته وتطييبه.

صفحة رقم 425

وروى الشيخان وأبو داود عن أنس «أن النبيّ ﷺ رأى نخامة في القبلة فحكّها بيده ورؤي منه كراهية وقال إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنما يناجي ربّه فلا يبزقنّ في قبلته ثم أخذ طرف ردائه فبزق فيه وردّ بعضه على بعض وقال يفعل هكذا» «١» وروى مسلم عن أبي هريرة «أن النبي ﷺ قال من سمع رجلا ينشد ضالّة في المسجد فليقل لا ردّها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا» «٢». وروى الخمسة عن جابر عن النبي ﷺ قال «من أكل البصل والثوم والكراث فلا يقربنّ مسجدا وفي رواية فلا يقربنّ مساجدنا، حتى يذهب ريحها» «٣» وروى الترمذي والنسائي «أن النبي ﷺ نهى عن تناشد الأشعار في المسجد وعن البيع والشراء فيه وأن يتحلّق الناس يوم الجمعة قبل الصلاة» «٤». وروى أبو داود عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال «ما أمرت بتشييد المساجد». وروى البخاري وأبو داود عن ابن عباس «لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى» «٥». وروى مسلم والنسائي عن جندب عن النبي ﷺ قال «ألا وإنّ من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك» «٦» وروى الترمذي عن ابن عمر قال «إنّ النبي ﷺ نهى أن يصلّى في سبع مواطن في المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق وفي الحمام ومعاطن الإبل وفوق ظهر بيت الله الحرام» «٧» وروى أبو داود والترمذي والحاكم وصححه عن أبي سعيد عن النبي ﷺ قال «الأرض كلّها مسجد إلّا الحمّام والمقبرة» «٨». وروى الخمسة إلا أبا داود عن

(١) التاج ج ١ ص ٢٠٥ و ٢١٣.
(٢) المصدر نفسه ص ٢١٥- ٢١٩.
(٣) المصدر نفسه.
(٤) المصدر نفسه.
(٥) المصدر نفسه.
(٦) المصدر نفسه، وننبه على أن النهي هو عن أن يكون مكان ما قبرا لصالح أو نبي ثم يتخذ مسجدا وفرق بين هذا وبين أن يكون المكان في الأصل مسجدا ثم يدفن في طرف منه صالح أو نبي. وقبر النبي وصاحبيه من هذا الباب لا من الأول.
(٧) المصدر نفسه ص ٢٢٠.
(٨) التاج ج ١ ص ٢١٩.

صفحة رقم 426

أبي هريرة حديثا عن النبي جاء فيه «وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا» «١».
وروى الشيخان وأبو داود عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله. وزاد ولكن ليخرجن وهنّ تفلات» «٢». وروى الخمسة عن عباد بن تميم عن عمه «أنه رأى رسول الله مستلقيا في المسجد واضعا إحدى رجليه على الأخرى» «٣». وروى الثلاثة عن أبي هريرة قال «بعث رسول الله خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد» «٤» وروى ابن ماجه عن ابن عمر عن النبي ﷺ قال «لا تتخذ المساجد طريقا ولا يشهر فيها سلاح ولا ينبض فيها بقوس ولا ينثر فيها نبل ولا يضرب فيها حدّ ولا تتخذ سوقا» «٥» وروى الشيخان عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال «من غدا إلى المسجد أو راح أعدّ الله له في الجنّة نزلا كلّما غدا أو راح» «٦» وروى الخمسة إلا أبا داود عن أبي هريرة عن النبي ﷺ حديثا عن سبعة يظلّهم الله في ظلّه منهم «رجل قلبه معلّق في المساجد» «٧» وروى مسلم والنسائي والترمذي عن أبي هريرة كذلك عن النبي ﷺ قال «من تطهّر في بيته ثم مشى إلى بيت من بيوت الله ليقضي فريضة من فرائض الله كانت خطوتاه إحداهما تحطّ خطيئة والأخرى ترفع درجة» «٨».
وليس ما أوردناه هو كل ما هناك من أحاديث في المساجد فاكتفينا بما تقدم.

(١) التاج ج ١ ص ٢٠٥ وكلمة مسجد في هذا الحديث تعني مكان سجود حيث يجوز للمسلم أن يصلي في أي مكان طاهر.
(٢) المصدر نفسه ص ٢١١ ومعنى تفلات أي غير متعطرات. [.....]
(٣) المصدر نفسه ص ٢١٤.
(٤) المصدر نفسه.
(٥) من تفسير ابن كثير.
(٦) التاج ج ١ ص ٢٠٦ و ٢٠٧.
(٧) المصدر نفسه.
(٨) المصدر نفسه.

صفحة رقم 427
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية