آيات من القرآن الكريم

وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ

وقوله: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) أي: لا تضربن إحدى رجليها على الأخرى ليقرع الخلخال بالخلخال.
(لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) أي: ما يواري الثياب من الزينة وهو الخلخال قد أخفاه الثياب؛ نهيت المرأة عن ضرب رجلها؛ ليعلم الرجال ما تخفي من زينتها، وذلك محظور عليها، لما يخرج ذلك مخرج ترغيب الناس وحثهم عليها، فالزينة في الأصل ما جعلت إلا للترغيب والتحريض على أنفسهم، وهي الداعية إلى النظر والشهوة، وفي ترك ذلك وترك المرأة الزينة صيانتها، وصيانة الرجال، وإبعادهم جميعًا من الزينة، والرغبة، فكشف الشابة عن وجهها، ونظر الرجل بشهوة إليها أحرى أن يكون محظورا عليه، منهيًّا عنه، واللَّه أعلم بالصواب.
وقوله: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) هذا يحتمل وجهين:
يحتمل قوله: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ) أي: ارجعوا إلى اللَّه بالطاعة له والخضوع؛ لتكونوا مفلحين.
أو أن يكون قوله: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ) ارجعوا عما قدمتم من المعاصي والمساوئ، واجعلوا مكان ذلك طاعة له؛ ليعفوا عنكم ما قدمتم من المعاصي، واللَّه أعلم.
* * *
قوله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٣٢) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٣) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٣٤)
وقوله: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) الأمر بالإنكاح وإن خرج مخرج أمر واحد في الظاهر فهو في الحقيقة على أقسام:
الأمر في تزويج الإماء والعبيد يخرج مخرج الترغيب والتحريض.
وفي الأحرار يخرج مخرج المعونة والتقوية؛ لأن من بلغ ولده النكاح ذكرًا أو أنثى استثار أقرباءه، وأهل أنسابه، والمتصلين به في ذلك، واستعانهم على ذلك، ولا كذلك السادات في المماليك؛ دل أن الأمر في أحدهما يخرج على المعونة، وفي الآخر على

صفحة رقم 553

الترغيب.
ثم تزويج العبد يخرج كأنه فعل المعروف؛ إذ في ذلك إلزام مؤن بلا عوض يحصل له؛ ألا ترى أنه لا يملكه إلا من يملك المعروف من نحو الوصي والأب والمكاتب والعبد المأذون له في التجارة؟ ولا كذلك تزويج الإماء؛ إذ يملك هَؤُلَاءِ ذلك، وكل مكتسب خير له لنفسه أو لغيره.
ثم جرى الوفاق بينهم: أن للولي أن يزوج أمته شاءت هي أو أبت، واختلفوا في تزويج العبد امرأة:
قَالَ بَعْضُهُمْ: ليس له ذلك إلا برضاء العبد.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: له ذلك شاء أو أبى.
ثم الناس اختلفوا في قوله: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ) قَالَ بَعْضُهُمْ: الأيامى منهن: الإناث من الأحرار دون الذكور، واستدلوا ببطلان النكاح وفساده إذا كان بغير إذن الولي بهذه الآية؛ لأن اللَّه تعالى أمر الأولياء وخاطبهم أن يزوجوهن؛ كما أمر المولى بتزويج أمته، فأوجب للمولى الولاية كما أوجبها للولي وإن كانا مختلفين في الولاية.
لكن عندنا لو كانت الآية خرجت على التفسير على ما يقول خصومنا (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ) الإناث - لم يكن فيه دليل على ما قالوا هم، ويخرج ذلك على وجوه:
أحدها: على الترغيب في إنكاحهن لما لا يتولى هن النكاح بأنفسهن حياء، ويستحيين التكلم بذلك حتى من فعلت ذلك منهن بنفسها صارت مطعونة عندهن.
أو أن يخرج ذلك مخرج المعونة لهن على ما ذكرنا؛ ألا ترى إلى ما روي عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " أنه من بلغ ولده النكاح وعنده ما ينكحه فأحدث، فالإثم بينهما "، فهذا يدل - واللَّه أعلم - على وجه المعونة في تزويج الأب الابن البالغ، فإذا كان الأب مأمورًا من جهة التأديب على المعونة بتزويج ابنه، ولا يوجب ذلك عليه ولاية إذا كره ذلك؛ فكذلك يكون مأمورًا بتزويج ابنه من طريق المعونة، أو جهة الحياء، أو أن يخرج ذلك على ما قال خصومنا من إيجاب الولاية له عليها.
ثم رأينا أنها إذا رغبت في النكاح ورضيت به وكره وليها ذلك، جبر الولي على الإنكاح، وإن هي كرهت النكاح وأبت، ورغب الولي في ذلك وشاء، لم تجبر هي على ذلك؛ دل ذلك على أن الحق لها عليه دون أن يكون الحق في ذلك له عليها، فإذا كان

صفحة رقم 554

الحق لها عليه جاز ذلك إذا تولت بنفسها؛ لما ذكرنا أن الخطاب للأولياء يخرج على الوجوه التي ذكرنا، واللَّه أعلم.
هذا إذا كان في الآية ذكر الإناث دون الذكور، فكيف أن ليس في الآية ذكر تخصيص الإناث دون الذكور، واسم " الأيم " يقع على الإناث والذكور جميعًا؛ ألا ترى أنه روي عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: " لما نزلت هذه الآية ما رأيت مثل ما يلتمس بعد هذه الآية إنما التمسوا الغَناء في الباءة ".
وما روي عن نجدة: أن عمر دعانا إلى أن ينكح من أيمنا وفي الشعر:
لله در بني علي... أيم منهم وناكح
وفي بعضها:
وأيم تأبى من القوم أيماه.
جمع فيها اسم " الأيم ": الرجال والنساء.
ومن الدليل -أيضًا- على ذلك قوله: (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ) فدل ذلك على أنه حث على تزويج البالغين من الأحرار رجالهم ونسائهم.
فَإِنْ قِيلَ: فما وجه أمره بتزويج الرجال والأمر إليهم؟
فجواب ذلك ما ذكرنا من المعونة، والترغيب فيه.
ثم قوله: (وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ) جائز أن يكون قوله: (وَالصَّالِحِينَ) أي: المؤمنين.
وجائز أن يكون الصالحين: من طلب منكم الصلاح والعفة.
أو ذكر الصالحين لما كانت العادة في الملوك أنهم يخاطبون أهل الصلاح منهم والأخيار، لا على إخراج غيرهم من حكم ذلك الخطاب، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) من الناس من استدل بهذه الآية على أن العبد يملك؛ لأنه ذكر العبيد والأحرار جميعًا، ثم ذكر في آخره الغناء دل أنه يملك.
ويستدل بقوله: (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)، أضاف الأجور والإيتاء إليهن؛ دل أنهن يملكن، لكن عندنا أن المماليك يملكون ملك التوسيع، وملك التصرف، ويقع لهم غناء التوسيع وغناء التصرف، ولا يقع لهم التمليك، ولا حقيقة الملك، والدلالة على ذلك قوله: (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ

صفحة رقم 555
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية