آيات من القرآن الكريم

وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ ۚ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ

﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (٣٢) ﴾
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ "الْأَيَامَى": جَمْعُ أَيِّمٍ، وَهُوَ مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ [مِنْ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ، يُقَالُ: رَجُلٌ أَيِّمٌ وَامْرَأَةٌ أَيِّمَةٌ، وَأَيِّمٌ، وَمَعْنَى الْآيَةِ: زَوِّجُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ] (١) مَنْ لَا زَوْجَ لَهُ مِنْ أَحْرَارِ رِجَالِكُمْ وَنِسَائِكُمْ، ﴿وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾ وَهَذَا الْأَمْرُ أَمْرُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ.
يُسْتَحَبُّ لِمَنْ تَاقَتْ نَفْسُهُ إِلَى النِّكَاحِ وَوَجَدَ أُهْبَةَ النِّكَاحِ أَنْ يَتَزَوَّجَ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ أُهْبَةَ النِّكَاحِ يَكْسِرُ شَهْوَتَهُ بِالصَّوْمِ، لِمَا أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ الطُّوسِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بن إبراهيم الإسفرايني، [أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الْبَجَلِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ] (٢) عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغُضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ" (٣).
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تَنَاكَحُوا تَكَاثَرُوا فَإِنِّي أُبَاهِي بِكُمُ الْأُمَمَ حَتَّى بِالسَّقْطِ" (٤)

(١) ما بين القوسين ساقط من "أ".
(٢) ما بين القوسين ساقط من "أ".
(٣) أخرجه البخاري في النكاح، باب قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من استطاع الباءة فليتزوج": ٩ / ١٠٦، ومسلم في النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه، برقم (١٤٠٠) : ٢ / ١٠١٨-١٠١٩، والمصنف في شرح السنة: ٩ / ٣.
(٤) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف": ٦ / ١٧٣ عن سعيد بن أبي هلال مرسلا. قال الحافظ ابن حجر في "تلخيص الحبير" (٣ / ١١٦) :"أخرجه صاحب "مسند الفردوس" من طريق محمد بن الحارث عن محمد بن عبد الرحمن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:.. والمحمدان ضعيفان، وذكر البيهقي عن الشافعي أنه ذكره بلاغا.
وفي الباب عن أبي أمامة أخرجه البيهقي.. وفيه محمد بن ثابت وهو ضعيف، وعن أنس صححه ابن حبان.. وعن حرملة بن النعمان أخرجه الدارقطني في "المؤتلف والمختلف" وابن قانع في "الصحابة"، وفي مسند ابن مسعود من "علل الدارقطني" نحوه، وعن عياض بن غنم أخرجه الحاكم، وإسناده ضعيف.. وذكر ألفاظهم. وانظر: كشف الخفاء: ١ / ٣٨٠.

صفحة رقم 38

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مِنْ أَحَبَّ فِطْرَتِي فَلْيَسْتَنَّ بِسُنَّتِي، وَمِنْ سُنَّتِي النِّكَاحُ" (١). أَمَّا مَنْ لَا تَتُوقُ نَفْسُهُ إِلَى النِّكَاحِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَيْهِ فَالتَّخَلِّي لِلْعِبَادَةِ لَهُ أَفْضَلُ مِنَ النِّكَاحِ [عِنْدَ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَعِنْدَ أَصْحَابِ الرَّأْيِ النِّكَاحُ أَفْضَلُ] (٢).
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَبْدًا كَرَّمَهُ فَقَالَ: "وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ" (آلِ عِمْرَانَ-٣٩)، وَالْحَصُورُ الَّذِي لَا يَأْتِي النِّسَاءَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، وَذَكَرَ الْقَوَاعِدَ مِنَ النِّسَاءِ وَلَمْ يَنْدُبْهُنَّ إِلَى النِّكَاحِ. وَفِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَزْوِيجَ النِّسَاءِ الْأَيَامَى إِلَى الْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَهُمْ بِهِ، كَمَا أَنَّ تَزْوِيجَ الْعَبِيدِ وَالْإِمَاءِ إِلَى السَّادَاتِ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَائِشَةَ، وَبِهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَالْحَسَنُ، وَشُرَيْحٌ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الثَّوْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ. وَجَوَّزَ أَصْحَابُ الرَّأْيِ لِلْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ تَزْوِيجَ نَفْسِهَا.
وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَتِ الْمَرْأَةُ دَنِيئَةً يَجُوزُ لَهَا تَزْوِيجُ نَفْسِهَا، وَإِنْ كَانَتْ شَرِيفَةً فَلَا. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْوَلِيَّ شَرْطٌ مِنْ جِهَةِ الْأَخْبَارِ: مَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ الْمَلِيحِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْمَخْلَدِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ السَّرَّاجُ، أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ" (٣)

(١) أخرجه عبد الرزاق: ٦ / ١٦٩، وسعيد بن منصور: ١ / ١٣٨ عن عبيد بن سعد مرفوعا، والبيهقي عن أبي هريرة: ٧ / ٧٨. قال الهيثمي في المجمع (٤ / ٢٥٢) :"رواه أبو يعلى ورجاله ثقات إن كان عبيد بن سعد صحابيا وإلا فهو مرسل". وانظر: "المطالب العالية" لابن حجر: ٢ / ٣٦، "الكامل" لابن عدي: ٧ / ٢٥٤٩.
(٢) ما بين القوسين ساقط من "ب".
(٣) أخرجه أبو داود في النكاح، باب في الولي: ٣ / ٢٩، والترمذي في النكاح، باب ما جاء: لا نكاح إلا بولي: ٤ / ٢٢٦-٢٢٧، وابن ماجه في النكاح برقم (١٨٨١) : ١ / ٦٠٥، وصححه الحاكم: ٢ / ١٦٩، وابن حبان برقم (١٢٤٣) ص (٣٠٤)، وأخرجه الإمام أحمد في المسند: ٤ / ٣٩٤.
قال الترمذي (٤ / ٢٢٩-٢٣٤) :"وحديث أبي موسى حديث فيه اختلاف.. وساق الاختلاف في إسناده ثم قال: ورواية هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا نكاح إلا بولي" عندي أصح؛ لأن سماعهم من أبي إسحاق في أوقات مختلفة، وإن كان شعبة والثوري أحفظ وأثبت من جميع هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق هذا الحديث.." ثم قال: "والعمل في هذا الباب على حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا نكاح إلا بولي" عند أهل العلم من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، منهم عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، وأبو هريرة وغيرهم.
وهكذا روي عن بعض فقهاء التابعين أنهم قالوا: لا نكاح إلا بولي. منهم سعيد بن المسيب والحسن البصري، وشريح وإبراهيم النخعي، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم. وبهذا يقول سفيان الثوري والأوزاعي ومالك وعبد الله بن مبارك والشافعي وأحمد وإسحاق. وانظر: نصب الراية للزيلعي: ٣ / ١٨٢-١٨٤.

صفحة رقم 39
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
محمد عبد الله النمر
الناشر
دار طيبة للنشر والتوزيع
سنة النشر
1417
الطبعة
الرابعة
عدد الأجزاء
8
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية