
ثم أمره أن يتعوذ من الشيطان ليسلم في دينه فقال:
٩٧ - ﴿وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ﴾ أي اطلب الاعتصام بك ﴿مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ﴾ الهمزات جمع همزة كقوله: تمرات (١) وتمرة. ومعنى الهمز في اللغة: الدفع (٢).
روى أبو عبيد عن الكسائي: همزته ولمزته ولهزته (٣) ونهرته إذا دفعته (٤).
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهمَّ إني أعوذ بك من هَمزْ الشيطان ونَفثه ونفخه" فقيل: كما رسول الله ما همزه ونفثه ونفخه؟ قال: "أما همزه فالموتة، وأما نفثه فالشِّعْرُ، وأما نفخه فالكبر" (٥).
(٢) انظر: "لسان العرب" ٥/ ٤٢٦ (همز)، "القاموس المحيط" ٢/ ١٩٦.
(٣) (ولهزته): ساقطة من (أ).
(٤) "تهذيب اللغة" للأزهري ٦/ ١٦٤ (همز) من رواية أبي عبيد عن الكسائي.
(٥) ذكره بهذا اللفظ أبو عبيد في "غريب الحديث" ٣/ ٧٧ ولم يذكر له إسنادًا، وكذا ذكره الأزهري في "تهذيب اللغة" ٦/ ١٦٥.
وقد رواه الإمام أحمد في "مسنده" ١/ ٤٠٣، وابن ماجه في "سننه" (أبواب إقامة الصلاة- باب الاستعاذة في الصلاة ١/ ١٤٥، وابن خزيمة في "صحيحه" ١/ ٢٤٠، وأبو يعلى الموصلي في مسنده ٩/ ٢٥٨، والحاكم في "مستدركه" ١/ ٢٠٧، من حديث عبد الله بن مسعود، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يتعوذ من الشيطان من همزه ونفثه ونفخه، قال: وهمزه: المُوتة، ونفثه: الشعر، ونفخه: الكبر.
وهذا الحديث ضعف إسناده البوصيري في "مصباح الزجاجة" ١/ ٢٨٥.
وحسَّن إسناده الحلامة أحمد شاكر في تعليقه على "المسند" ٥/ ٣١٨.
وله شاهدان مرسلان يتقوى بهما:
أولهما: ما رواه أحمد في "مسنده" ٥/ ١٥٦ من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن=

قال أبو عبيد (١): والموتة: المجنون. وإنَّما سمّاه همزًا؛ لأنَّه جعله من النخس والغمز، وكل شيء دفعته (٢) فقد همزته (٣).
وعلى هذا معنى (٤) ﴿هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ﴾ دفعهم بالإغواء إلى المعاصي. وهو معنى قول ابن عباس والحسن: نزغات الشياطين ووساوسهم (٥).
وذلك أنّه إنما يدفع الناس إلى (٦) المعاصي بما يوسوس إليهم من التسويل والتَّمنية (٧).
والثاني: ما رواه عبد الرزاق في مصنفه ٢/ ٨٤ عن الحسن: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول: اللهم إني أعوذ بك من الشيطان من همزه ونفثه ونفخه، فقالوا: ما أكثر ما نستعيذ من هذا! لمن هذا؟ قال: أمّا همزه فهو المجنون، وأما نفخه فالكبر، وأما نفثه فالشعر. وبمرسل أبي سلمة صحّحه الألباني في "صحيح ابن ماجه" ١/ ١٣٥.
وانظر: "إرواء الغليل" للألباني ٢/ ٥٣ - ٥٧.
والموتة: بضم الميم وفتح التاء بدون همز.
(١) في جميع النسخ: (أبو عبيدة)، وهو خطأ، والمثبت هو الصواب.
(٢) في (ظ): (رفعته)، وهو خطأ.
(٣) "تهذيب اللغة" للأزهري ٦/ ١٦٥ (همز) نقلاً عن أبي عبيد. وكلام أبي عبيد في كتابه "غريب الحديث" ٣/ ٧٨.
(٤) (معنى): ساقطة من (ع).
(٥) ذكره عنهما الثَّعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٦٤ أ.
(٦) (إلى): ساقطة من (ظ).
(٧) كما قال تعالى: ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾ [النساء: ١٢٠].

وقد يكون الهمز في اللغة بمعنى: العيب (١). ومنه قوله -عز وجل-: ﴿وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ﴾ [الهمزة: ١] وهو الذي يهمز أخاه في قفاه من خلفه (٢) أي (٣): يغتابه ويعيبه (٤).
قال المبرد: والهمز في كلام العرب: إنما هو أن (٥) يهمز الرجل بقول قبح من حيث لا يسمع، وسميت مكايدة (٦) الشيطان همزًا؛ لأن مكايدته خفيّة بالنزغة والوسوسة (٧).
ومن هذا قول مجاهد في تفسير الهمزات: نفخهم ونفثهم (٨).
وذلك أن الشطان ينفخ في الإنسان عند الغضب وغيره، وينفث فيه من حيث لا يشعر به.
وقد يكون الهمز في اللغة بمعنى: العصر. يقال: همزت رأسه،
(٢) في (١): (خلف)، وفي (ع): (خلقه).
(٣) في (أ): (إلي).
(٤) قوله: (الذي يهمز.. خلفه). في "تهذيب اللغة" للأزهري ٦/ ١٦٤ - ١٦٥ (همز) منسوبًا إلى الليث.
(٥) في (ع): (لمن).
(٦) في (ظ): (مكايد).
(٧) لم أجده.
(٨) ذكره عنه الثعلبي في "الكشف والبيان" ٣/ ٦٤ أ.
قال الإمام ابن القيم في "إغاثة اللهفان" ١/ ١٥٥: وظاهر الحديث -يعني استعاذة النبي -صلى الله عليه وسلم- من همز الشيطان ونفخه ونفثه- أن الهمز نوع غير النفخ والنفث، وقد يقال -وهو الأظهر- إن همزات الشياطين إذا أفردت دخل فيها جميع إصاباتهم لابن آدم وإذا قرنت بالنفخ والنفث كانت نوعًا خاصا، كنظائر ذلك.