آيات من القرآن الكريم

وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ
ﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍ ﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠ ﮢﮣﮤﮥﮦ

فتنزه الله عن أوصاف المشركين من الولد والشريك، وتقدس عما يقوله هؤلاء الظالمون والجاحدون.
وقد ذكر علماء الكلام هذا الدليل وسموه دليل التمانع: وهو أنه لو فرض صانعان خالقان فصاعدا، فأراد واحد تحريك جسم، والآخر أراد سكونه، فإن لم يحصل مراد كل واحد منهما، كانا عاجزين، والإله الواجب الوجود لا يكون عاجزا، ويمتنع اجتماع مراديهما وتحقيق رغبتهما في آن واحد للتضاد، وما جاء هذا المحال إلا من فرض التعدد، فيكون محالا.
فأما إن حصل مراد أحدهما دون الآخر، كان الغالب هو الواجب الوجود المستحق الألوهية، والآخر المغلوب يكون ممكنا لأنه لا يليق بصفة الواجب الوجود أن يكون مقهورا.
إرشادات إلى النبي صلّى الله عليه وسلم
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٩٣ الى ٩٨]
قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ (٩٣) رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٩٤) وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ (٩٥) ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (٩٦) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (٩٧)
وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (٩٨)
الإعراب:
قُلْ: رَبِّ أي يا ربّ، وهو اعتراض بين الشرط وجوابه بالنداء.
البلاغة:
وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ تأكيد بإن واللام لإنكار المخاطبين وقوع العذاب الأخروي والدنيوي.

صفحة رقم 94

ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ طباق معنوي لأن المعنى: ادفع بالحسنة السيئة.
المفردات اللغوية:
رَبِّ إِمَّا أدغمت فيه نون إن الشرطية في ما الزائدة، أي إذا كان لا بد من أن تريني لأن ما والنون للتأكيد ما يُوعَدُونَ من العذاب في الدنيا والآخرة فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أي معهم، فأهلك بهلاكهم لأن شؤم الظلمة قد يحيق بما وراءهم، كقوله تعالى:
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال ٨/ ٢٥]. وإن تكرار كلمة رَبِّ في بدء الجملتين لزيادة التضرع وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ أي بقدرتنا تعجيل العذاب، لكنا نؤخره لأن بعضهم أو بعض ذرياتهم سيؤمنون، أو لأنا لا نعذبهم وأنت فيهم.
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وهو الصفح والإحسان والإعراض عنهم السَّيِّئَةَ أذاهم إياك بِما يَصِفُونَ يصفونك به أو يقولون ويكذبون، فإنا سنجازيهم عليه أَعُوذُ أعتصم هَمَزاتِ الشَّياطِينِ نزغاتهم ووساوسهم بالشر أَنْ يَحْضُرُونِ في أموري لأنهم إنما يحضرون بسوء، أو يحومون حولي في بعض الأحوال.
المناسبة:
بعد أن ردّ الله تعالى على المشركين مزاعمهم من اتخاذ الولد والشريك وأبطل سوء اعتقادهم كإنكار البعث والجزاء، وجّه رسوله صلّى الله عليه وسلم إلى الدعاء والتضرع بالنجاة من عذابهم، ثم أرشده إلى مقابلة السيئة بالحسنة لأن الإحسان يفيد أحيانا، ثم أمره أن يستعيذ من وساوس الشياطين في مختلف الأعمال.
التفسير والبيان:
يأمر الله تعالى نبيه ببعض الأدعية عند حلول النقم، فيقول:
قُلْ: رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي ما يُوعَدُونَ، رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ أي إن كان ولا بد من أن تريني ما تعدهم من العذاب في الدنيا أو في الآخرة، فلا

صفحة رقم 95

تجعلني فيهم، ونجني منهم ولا تعذبني بعذابهم لأن العذاب قد يصيب غير أهله، كما قال تعالى: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال ٨/ ٢٥]
روى الإمام أحمد والترمذي وصححه أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يقول: «وإذا أردت بقوم فتنة، فتوفني إليك غير مفتون».
وعن الحسن: أنه تعالى أخبر نبيه أن له في أمته نقمة، ولم يطلعه على وقتها، فأمره بهذا الدعاء.
والإرشاد إلى هذا الدعاء ليعظم أجره، وليكون دائما ذاكرا ربّه، ولتعليمنا ذلك.
وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ أي لو شئنا لأريناك ما نوقعه بهم من النقم والبلاء والمحن، ولكنا نؤخره لوقت معلوم لأن بعضهم أو بعض ذرياتهم سيؤمن.
ثم علمه أسلوب الدعوة حتى يتحقق لها النجاح فقال:
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ، نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ أي قابل السيئة بالحسنة، وتحمل ما تتعرض له من أنواع أذى الكفار وتكذيبهم، وادفع بالخصلة التي هي أحسن، بالصفح والعفو، والصبر على الأذى، والكلام الجميل كالسلام، نحن على علم بحالهم وبما يصفوننا به من الشرك والتكذيب.
ونظير الآية قوله تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ، كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا، وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت ٤١/ ٣٤- ٣٥] أي وما يلهم هذه الوصية أو هذه الخصلة إلا الذين صبروا على أذى الناس، فعاملوهم بالجميل في مقابلة القبيح، وما يلهمها إلا صاحب الحظ العظيم في الدنيا والآخرة. وقيل: هذه الآية منسوخة بآية السيف، وقيل: محكمة لأن المداراة مرغوب فيها، ما لم تتعارض مع الدين والمروءة.

صفحة رقم 96

ثم علمه الثبات على هذا الخط فقال:
وَقُلْ: رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ، وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ أي وقل: إني أعتصم بك وألتجئ إليك من وساوس الشياطين المغرية بالسوء والمعصية ومخالفة أوامرنا، وألتجئ إليك من حضورهم في شيء من أموري، ولهذا أمر بذكر الله في ابتداء الأمور لطرد الشيطان عند الأكل والجماع والذبح وغير ذلك من الأمور، فإنهم إذا حضروا الإنسان حدث الهمز، وإذا لم يكن حضور، فلا همز.
روى أبو داود أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم إني أعوذ بك من الهرم، وأعوذ بك من الهدم ومن الغرق، وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان عند الموت».
وروى أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يعلّمنا كلمات نقولهن عند النوم من الفزع: بسم الله، أعوذ بكلمات الله التامة من غضبه وعقابه، ومن شر عباده، ومن همزات الشياطين، وأن يحضرون».
فكان عبد الله بن عمرو يعلمها من بلغ من ولده أن يقولها عند نومه، ومن كان منهم صغيرا لا يعقل أن يحفظها، كتبها له، فعلّقها في عنقه.
فقه الحياة أو الأحكام:
هذه باقة من الأدعية أمر الله بها نبيه ليدعو بها، ولتعليمنا إياها، وهي:
أولا- دعاء النجاة من العذاب الذي يقع بالكفار، ومعناه: يا ربّ، إن أريتني ما يوعدون من العذاب، فلا تجعلني معهم في نزول العذاب بهم، بل أخرجني منهم.

صفحة رقم 97
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية