آيات من القرآن الكريم

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ ۚ قُلْ فَأَنَّىٰ تُسْحَرُونَ
ﰁﰂﰃﰄﰅﰆ

[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٨٩ الى ٩٥]

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (٨٩) بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٩٠) مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١) عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٩٢) قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي مَا يُوعَدُونَ (٩٣)
رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٩٤) وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ (٩٥)
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (٨٩)، أَيْ: تُخْدَعُونَ وَتُصْرَفُونَ عَنْ تَوْحِيدِهِ وَطَاعَتِهِ، وَالْمَعْنَى:
كَيْفَ يُخَيَّلُ لَكُمُ الْحَقُّ بَاطِلًا؟ بَلْ أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِّ بِالصِّدْقِ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فِيمَا يَدَّعُونَ من الشريك والولد.
مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ، أَيْ: مِنْ شَرِيكٍ، إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ، أَيْ: تَفَرَّدَ بِمَا خَلَقَهُ فَلَمْ يَرْضَ أَنْ يُضَافَ خَلْقُهُ وَإِنْعَامُهُ إِلَى غيره، ومنع الإله الآخر عن الِاسْتِيلَاءِ عَلَى مَا خَلَقَ. وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ، أَيْ: طَلَبَ بَعْضُهُمْ مُغَالَبَةَ بَعْضٍ كَفِعْلِ مُلُوكِ الدُّنْيَا فِيمَا بَيْنَهُمْ، ثُمَّ نَزَّهَ نَفْسَهُ فَقَالَ: سُبْحانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ.
عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ قَرَأَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ غَيْرَ حَفْصٍ «عَالِمُ» بِرَفْعِ الْمِيمِ عَلَى الِابْتِدَاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِجَرِّهَا عَلَى نَعْتِ اللَّهِ فِي سُبْحَانَ اللَّهِ، فَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ، أَيْ: تَعَظَّمَ عَمَّا يُشْرِكُونَ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُوصَفَ بِهَذَا الْوَصْفِ.
قَوْلُهُ: قُلْ رَبِّ إِمَّا تُرِيَنِّي، أَيْ: إِنْ أَرَيْتَنِي، مَا يُوعَدُونَ، أَيْ: مَا أَوْعَدْتَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ.
رَبِّ، أَيْ: يَا رَبِّ، فَلا تَجْعَلْنِي فِي الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، أَيْ: لَا تُهْلِكْنِي بِهَلَاكِهِمْ.
وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ، مِنَ الْعَذَابِ لهم، لَقادِرُونَ.
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٩٦ الى ١٠١]
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ (٩٦) وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ (٩٧) وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (٩٨) حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ كَلاَّ إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (١٠٠)
فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ (١٠١)
ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، أَيْ: ادفع بالخصلة [١] التي هي أحسن وهي الصَّفْحُ وَالْإِعْرَاضُ وَالصَّبْرُ، السَّيِّئَةَ، يَعْنِي أَذَاهُمْ، أَمَرَهُمْ بِالصَّبْرِ عَلَى أَذَى الْمُشْرِكِينَ وَالْكَفِّ عَنِ الْمُقَاتَلَةِ، نَسَخَتْهَا آيَةُ السَّيْفِ.
نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ، يَكْذِبُونَ وَيَقُولُونَ مِنَ الشِّرْكِ.
وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ، أَيْ: أَمْتَنِعُ وَأَعْتَصِمُ بِكَ، مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ، قال ابن عباس: نزعاته.
وَقَالَ الْحَسَنُ: وَسَاوِسُهُمْ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَفْخُهُمْ وَنَفْثُهُمْ. وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: دَفْعُهُمْ بِالْإِغْوَاءِ إِلَى الْمَعَاصِي، وَأَصْلُ الهمزة [٢] شِدَّةُ الدَّفْعِ.
وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ (٩٨)، فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِي، وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْحُضُورَ لِأَنَّ الشيطان إذا حضره
(١) في المطبوع «بالخلة».
(٢) في المطبوع «الهز».

صفحة رقم 373

يُوَسْوِسُهُ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارَ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ الْبَعْثَ يَسْأَلُونَ الرَّجْعَةَ إِلَى الدُّنْيَا عِنْدَ مُعَايَنَةِ الْمَوْتِ. فَقَالَ:
حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩)، وَلَمْ يَقِلِ ارْجِعْنِي وَهُوَ يَسْأَلُ اللَّهَ وَحْدَهُ الرَّجْعَةَ عَلَى عَادَةِ العرب فإنهم يخاطبون الواحد بلفظة [١] الْجَمْعِ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ فَقَالَ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحِجْرِ: ٩]، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي الْقُرْآنِ. وَقِيلَ: هَذَا الْخِطَابُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَقْبِضُونَ رَوْحَهُ ابْتِدَاءً بِخِطَابِ اللَّهِ لِأَنَّهُمُ استغاثوا أولا بالله ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى مَسْأَلَةِ الْمَلَائِكَةِ الرُّجُوعَ إِلَى الدُّنْيَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَعَلِّي أَعْمَلُ صالِحاً فِيما تَرَكْتُ، أَيْ: ضَيَّعْتُ أَنْ أَقُولَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقِيلَ: أَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللَّهِ. قَالَ قَتَادَةُ: مَا تَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ وَعَشِيرَتِهِ وَلَا لِيَجْمَعَ الدُّنْيَا وَيَقْضِيَ الشَّهَوَاتِ، وَلَكِنْ تَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ، فَرَحِمَ اللَّهُ امرأ عَمِلَ فِيمَا يَتَمَنَّاهُ الْكَافِرُ إِذَا رَأَى الْعَذَابَ، كَلَّا، كَلِمَةُ رَدْعٍ وَزَجْرٍ، أَيْ: لَا يَرْجِعُ إِلَيْهَا، إِنَّها يَعْنِي: سُؤَالَهُ الرَّجْعَةَ، كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها، وَلَا يَنَالُهَا، وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ، أَيْ أَمَامَهُمْ وَبَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَاجِزٌ، إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، وَالْبَرْزَخُ الْحَاجِزُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ، وَاخْتَلَفُوا في معناه هاهنا، قال مُجَاهِدٌ: حِجَابٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرُّجُوعِ إِلَى الدُّنْيَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: بَقِيَّةُ الدُّنْيَا. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الْبَرْزَخُ مَا بَيْنَ الْمَوْتِ إِلَى الْبَعْثِ. وَقِيلَ: هُوَ الْقَبْرُ وَهُمْ فِيهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ.
فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ واختلفوا فِي هَذِهِ النَّفْخَةِ، فَرَوَى سَعِيدُ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّهَا النَّفْخَةُ الْأُولَى وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ [الزُّمَرِ: ٦٨] فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ، ثُمَّ نَفَخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هم قيام ينظرون وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ.
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّهَا النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ، قَالَ: يُؤْخَذُ بِيَدِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُنْصَبُ عَلَى رؤوس الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: هَذَا فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ فَمَنْ كَانَ لَهُ قَبْلَهُ حَقٌّ فَلْيَأْتِ إِلَى حَقِّهِ فَيَفْرَحُ الْمَرْءُ أَنْ يَكُونُ لَهُ الْحَقُّ عَلَى وَالِدِهِ وولده وزوجته أَوْ أَخِيهِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ، ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ.
وَفِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [٢] : أَنَّهَا الثَّانِيَةُ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ أَيْ: لَا يَتَفَاخَرُونَ بِالْأَنْسَابِ يَوْمَئِذٍ كَمَا كَانُوا يَتَفَاخَرُونَ فِي الدُّنْيَا وَلَا يَتَسَاءَلُونَ سُؤَالَ تَوَاصُلٍ كَمَا كَانُوا يَتَسَاءَلُونَ فِي الدُّنْيَا: مَنْ أَنْتَ وَمِنْ أَيِّ قَبِيلَةٍ أَنْتَ؟ وَلَمْ يَرِدْ أَنَّ الْأَنْسَابَ تَنْقَطِعُ، فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ قَدْ:
«١٤٨٦» جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ ينقطع يوم القيامة إِلَّا نَسَبِي وَسَبَبِي» ؟ قِيلَ: مَعْنَاهُ ينقطع

١٤٨٦- صحيح. وورد عن جماعة من الصحابة منها:
١- حديث عمر:
- أخرجه الحاكم ٣/ ١٤٢ وابن سعد ٨/ ٣٣٨ كلاهما عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أبيه مرسلا.
- صححه الحاكم، وتعقبه الذهبي بقوله: منقطع.
- ووصله الطبراني في «الكبير» ٢٦٣٥ بذكر جابر بينهما.
- وقال الهيثمي في «المجمع» ٩/ ١٧٣: رجاله رجال الصحيح غير الحسن بن سهل، وهو ثقة.
- وأخرجه الطبراني في «الكبير» ٢٦٣٣ من طريق زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عن عمر مرفوعا، وله قصة.
- وإسناده حسن في الشواهد لأجل عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ.
- وأخرجه الطبراني في «الأوسط» ٦٦٠٥ والبيهقي في «السنن» ٧/ ١١٤ وإسناده ضعيف له علتان:-[.....]
(١) في المخطوط «بخطاب».
(٢) في المطبوع «مسعود».

صفحة رقم 374
معالم التنزيل
عرض الكتاب
المؤلف
محيي السنة، أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي
تحقيق
عبد الرزاق المهدي
الناشر
دار إحياء التراث العربي -بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
5
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية