آيات من القرآن الكريم

وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ
ﭡﭢﭣﭤ ﭦﭧﭨﭩ ﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ

قوله: ﴿لِلزَّكَاةِ﴾ : اللامُ مزيدةٌ في المفعولِ لتقدُّمِه على عامِلِه ولكونِه فرعاً. والزكاةُ في الأصلِ مصدرٌ، ويُطْلَقُ على القَدْرِ المُخْرَجِ من

صفحة رقم 315

الأعْيانِ. قال الزمخشري: «اسمٌ مشتركٌ بين عَيْنٍ ومَعْنى، فالعينُ: القَدْرُ الذي يُخْرِجُه المُزَكِّي مِنَ النِّصاب، والمعنى: فِعْلُ المُزَكِّي، وهو الذي أراده الله فجعل المزكِّيْنَ فاعِلين له ولا يَسُوغ فيه غيرُه لأنَّه ما مِنْ مصدرٍ إلاَّ يُعَبَّرُ عنه بالفِعْلِ. ويُقال لمُحَدِثِه فاعلٌ. تقول للضارب: فاعلُ الضَرْبِ، وللقاتل فاعلُ القَتْل، وللمزكِّي فاعلُ التَّزْكية، وعلى هذا الكلامُ كله. والتحقيقُ في هذا أنَّك تقولُ في جميع الحوادث: مَنْ فاعلُها؟ فيُقال لك: الله أو بعضُ الخَلْق. ولم تمتنعِ الزكاةُ الدالَّةُ على العينِ أَنَ يتعلَّقَ بها [فاعلون] لخروجِها مِنْ صحةِ أَنْ يتناولَها الفاعلُ، ولكن لأنَّ الخَلْقَ ليسوا بفاعليها. وقد أنشدوا لأميةَ بن أبي الصلت:

٣٤٠٢ - المُطْعِمُون الطعامَ في السَّنَة ال أزمةِ والفاعلون للزكواتِ
ويجوز أن يُرادَ بالزكاة العَيْنُ، ويُقَدَّرَ مضافٌ محذوفٌ وهو الأداءُ، وحَمْلُ البيتِ على هذا أَصَحُّ لأنها فيه مجموعةٌ». قلت: إنما أحوجَ أبا القاسمِ إلى هذا أنَّ بعضَهم زعم أنه يتعيَّنُ أَنْ تكونَ الزكاةُ هنا المصدرَ؛ لأنه لو أراد العينَ لقال مُؤَدُّوْن، ولم يقل فاعلون، فقال الزمخشري: لم يمتنعْ ذلك لعدمِ صحةِ تناوُلِ فاعِل لها، بل لأنَّ الخَلْقَ ليسوا بفاعِليها، وإنما جَعَلَ الزكَواتِ في بيتِ أميةَ أعياناً لِجَمْعِها؛ لأنَّ المصدر لا يُجْمع.
وناقشه الشيخ فقال: «يجوز أَنْ مصدراً وإنما جُمِعَ لاختلافِ أنواعِه».

صفحة رقم 316

قوله: ﴿إِلاَّ على أَزْوَاجِهِمْ﴾ فيه أوجهٌ، أحدُها: أنَّه متعلقٌ ب «حافِظون» على التضمين. يعني مُمْسِكين أو قاصِرين. وكلاهما يتعدى ب على. قال تعالى: ﴿أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ﴾ [الأحزاب: ٣٧] الثاني: أن «على» بمعنى «مِنْ» أي: إلاَّ مِنْ أزواجهم. ف «على» بمعنى «مِنْ»، كما جاءَتْ «مِنْ» بمعنى «على» في قوله ﴿وَنَصَرْنَاهُ مِنَ القوم﴾ [الأنبياء: ٧٧]، وإليه ذَهَب الفراءُ. الثالث: أَنْ يكونَ في موضع نصبٍ على الحالِ. قال الزمخشري: أي إلاَّ والين على أزواجِهم أو/ قَوَّامين عليهنَّ. مِنْ قولِك: كان فلان على فلانةَ فمات عنها، فخلف عليها فلانٌ. ونظيرُه: كان زيادٌ على البصرة أي: والياً عليها. ومنه قولُهم: «ثلاثةٌ تحت فلان، ومِنْ ثَمَّ سُمِّيَتْ المرأةُ فِراشاً». الرابع: أنه متعلقٌ بمحذوفٍ يَدُلُّ عليه «غيرُ مَلومين». قال الزمخشري: «كأنه قيل: يُلامُون إلاَّ على أزواجِهم أي: يلامون على كلِّ مباشِر إلاَّ على ما أُطْلِقَ لهم فإنهم غيرُ ملومين عليه». قلت: وإنما لم يَجْعَلْه متعلقاً ب «ملومين» لوجهين. أحدهما: أنَّ ما بعد «إنَّ» لا يَعْمل فيما قبلها.
والثاني: أنَّ المضافَ إليه لا يَعْمل فيما قبلَ المضاف، ولفسادِ المعنى أيضاً.
الخامس: أَنْ يُجْعل صلةً لحافظين. قال الزمخشري: «مِنْ قولِك: احفَظْ عَلَيَّ عِنَانَ فرسي»، على تضمينِه معنى النفي كما ضُمِّن قولُهم: «نَشَدْتُك

صفحة رقم 317

باللهِ إلاَّ فَعَلْتَ» معنى: ما طَلَبْتُ منك إلاَّ فِعْلَك. يعني: أَنَّ صورتَه إثباتُ ومعناه نفيٌ.
قال الشيخ بعدما ذكَرْتُه عن الزمخشري: «وهذه وجوهٌ متكلَّفَةٌ ظاهرٌ فيها العُجْمَةُ» قلت: وأيُّ عُجْمَةٍ في ذلك؟ على أنَّ الشيخَ جعلها متعلقةً ب «حافظون» على ما ذكره مِنَ التضمين. وهذا لا يَصِحُّ له إلاَّ بأَنْ يرتكبَ وجهاً منها: وهو التأويلُ بالنفيِ ك «نَشَدْتُك الله» لأنه استثناءٌ مفرغ، ولا يكونُ إلاَّ بعد نفيٍ أو ما في معناه.
السادس: قال أبو البقاء: «في موضعِ نصبٍ ب حافِظُون» على المعنى؛ لأنَّ المعنى: صانُوها عن كل فَرْجٍ إلاَّ عن فروجِ أزواجِهم «. قلت: وفيه شيئان، أحدهما: تضمين» حافظون «معنى صانُوا، وتضمينُ» على «معنى» عن «.
قوله: ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ﴾ »
ما «بمعنى اللاتي. وفي وقوعها على العقلاءِ وجهان، أحدهما: أنها واقعةٌ على الأنواعِ كقوله: ﴿فانكحوا مَا طَابَ﴾ أي: أنواعَ. والثاني: قال الزمَخشري:» أُريد من جنسِ العقلاءِ ما يَجْري مجرى غيرِ العقلاءِ وهم الإِناثُ «. قال الشيخ:» وقوله: «وهم» ليس بجيدٍ؛ لأنَّ لفظَ «هم» مختصٌّ بالذكورِ، فكان ينبغي أَنْ يقولَ: «وهو» على لفظ «ما». أو «وهُنَّ»

صفحة رقم 318

على معنى «ما» قلت: والجواب عنه: أن الضميرَ عائدٌ على العقلاءِ، فقوله «وهم» أي: والعقلاءُ الإِناث.

صفحة رقم 319
الدر المصون في علوم الكتاب المكنون
عرض الكتاب
المؤلف
أبو العباس، شهاب الدين، أحمد بن يوسف بن عبد الدائم المعروف بالسمين الحلبي
تحقيق
أحمد بن محمد الخراط
الناشر
دار القلم
عدد الأجزاء
11
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية