
والخلاصة- إنا خلقنا السموات لمنافعهم، ولسنا غافلين عن مصالحهم، بل نفيض عليهم ما تقتضيه الحكمة، فخلقها دال على كمال قدرتنا، وتدبير أمرها دال على كمال علمنا.
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ١٨ الى ٢٠]
وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ (١٨) فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْها تَأْكُلُونَ (١٩) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْناءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (٢٠)
تفسير المفردات
السماء: هنا السحاب، بقدر: أي بتقدير خاص وهو مقدار كفايتهم، فأسكناه فى الأرض: أي جعلناه ثابتا قارا فيها، والذهاب: الإزالة إما بإخراجه من المائية أو بتغويره فى الأرض بحيث لا يمكن استخراجه، والشجرة: هى الزيتون، وطور سيناء:
هو جبل الطور الذي ناجى فيه موسى ربه، ويسمى طور سينين أيضا، والصبغ:
ما يصبغ فيه الخبز أي يغمس فيه للائتدام، قال فى المغرب: يقال صبغ الثوب بصبغ حسن، وصباغ حسن، ومنه الصّبغ والصباغ من الإدام، لأن الخبز يغمس فيه ويلوّن به كالخل والزيت.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر أن من دلائل قدرته خلق الطرائق السبع- قفى على ذلك ببيان ما فيها من منافع للإنسان، فمنها ينزل الماء الذي به تنشأ الجنات من النخيل والأعناب وكثير من أشجار الفاكهة التي تؤكل، وينبت به شجر الزيتون الذي يؤخذ من ثمره الزيت الذي يتّخذ دهنا للأجسام، وإداما فى الطعام.

الإيضاح
(وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ) أي وأنزلنا من السحاب مطرا بقدر الحاجة، لا هو بالكثير فيفسد الأرض، ولا هو بالقليل فلا يكفى الزرع والثمار، حتى إن الأرضين التي تحتاج إلى ماء كثير لزرعها ولا تحتمل تربتها إنزال المطر عليها يساق إليها الماء من بلاد أخرى كما فى أرض مصر، ويقال لمثلها (الأرض الجرز) فيساق إليها ماء النيل حاملا معه الطين الأحمر (الغرين) يجترفه من بلاد الحبشة فى زمن الأمطار فيستقر فيها ويكون سمادا لها ونافعا لزرعها.
وبعض هذا الماء يسكن فى الأرض فيتغذى به ما فيها من الحب والنوى، ومنه تتكون الآبار والعيون التي تمر على معادن مختلفة، فتتشكل بأشكالها وتتصف بصفاتها فيكون ماؤها حاويا إما للنوشادر وإما للكبريت وإما للأملاح وهكذا.
(وَإِنَّا عَلى ذَهابٍ بِهِ لَقادِرُونَ) أي وإنا على ذهابه وإزالته لقادرون بحيث يتعذر استخراجه، كما كنا قادرين على إنزاله، ولو شئنا ألا يمطر السحاب لفعلنا، ولو شئنا لصرفناه عنكم إلى جهات أخرى لا تستفيد منه كالأرضين السبخة والصحارى، ولو شئنا لجعلناه إذا نزل فى الأرض يغور فيها إلى مدى بعيد لا تصلون إليه ولا تنتفعون به، ولكن بلطفنا ورحمتنا ننزل عليكم الماء العذب الفرات، ونسكنه فى الأرض ونسلكه ينابيع فيها، لتسقوا به الزرع والثمار، وتشربوا منه أنتم ودوابكم وأنعامكم.
(فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ) أي فأخرجنا لكم بما أنزلنا من السماء بساتين فيها نخيل وأعناب.
(لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ) أي لكم فى الجنات فواكه كثيرة تتمتعون بها زيادة على ثمرات النخيل والأعناب.
(وَمِنْها تَأْكُلُونَ) أي ومن زروع الجنات وثمارها ترزقون وتحصّلون معايشكم،